أقلّب السكر. أحرّك الملعقة في الكوب الفيروزي الفخاري، على مهل. نصف دورة، ثم أعود لأبدأ نصف دورة آخر، لا أكملها دورة كاملة كيلا تنشبك الملعقة بخيط كيس الشاي، المعلق على أذن الكوب.
إنها الواحدة بعد الظهر، فترة الشاي. لا أصنع اليوم شايًا بالفراولة أو بالتوت، بل استبدل به "بهجة الشتاء": قرنفل على تفاح، وقشر البرتقال. تشعرني فعلاً بالبهجة ولو لثوانٍ، ثم أبلعها.
فترة بعد العصر مخصصة للكركديه بالقرفة، مشروب يبهجني أكثر. ملعقة سكر واحدة، رائحة القرفة المدفئة، واللون الوردي الغامق للمشروب، وطعم الكركديه الذي شاركنا لحظات السعادة من قبل، في نجاح أحد الإخوة، أو دلقه ساقعًا إلى الجوف مباشرة بعد قضاء نهار صيام طويل.
الكابتشينو أو القهوة التركية أو الموكا مخصصين للصباح. بعد كوب اليانسون المخلوط بالبابونج، لتهدئة أي عواصف غير مرغوب فيها، سواءً في المزاج أو المعدة. أفضل في غالب الأوقات تناول القهوة التركية، وأحضرت لها إلى العمل فنجانًا مخصوصًا، أبيض به ورود زرقاء، صغيرًا يكفي بالكاد لشفطتين. اقلبه بعد الانتهاء من احتسائه لأرى المرسوم فيه، فأطالع في أغلب صورا لعفاريت وأشباح وتنانين ووحوش. مرة رأيت صورة ستنا العذراء مريم، ففرحت جدا. قالت لي غادة إنها انعكاس للفتاة البريئة التي وضعتها إرادة الله في اختبار كبير، لكنها ستنجح فيه. أخذت الكلام على نفسي وانبسطت جدًا. ليتني أنجح في الاختبارات التي ستضعني فيها يارب، لأني أشك في قدرتي على التحمل.
...
وأنا أشرب، أذوب تمامًا في الطعم فأنفصل قليلاً عن الواقع. في حقيقة الأمر ، أنا أصلا أشرب لأنسى الواقع. يعني، اتشاغل عن السؤال: "طب وبعدين؟"، أو "اللي ماتوا دولت ماتوا ليه؟" أو "يعني راحوا عند ربنا ازاي يعني؟"، أو غيره من التساؤلات. لذلك يتعين عليّ تغيير الطعوم باستمرار، حتى لا أملّ فأفيق واتساءل.
انتظر الكوب حتى يبرد قليلاً، ثم اتناول منه جرعات كبيرة. افتح في أثناء ذلك بعض المدونات، أسرح عليها وأتوه فيتوقف عقلي عن التفكير، الأمر الذي لا أنجح فيه تماما مع "العمل" أو الترجمة. أقول كيف إذن يعيش وينشغل عن التساؤلات من فقد ابنًا أو أبًا أو حبيبًا، أقول خسارتي ليست كبيرة لكني أحمل على ظهري خسارات الآخرين، أحادث أمهاتهم فيتساءلون ويسألونني وأنا لا أملك الإجابة، أقلب كفي في حيرة ويملؤني شعور بالعجز وأصمت، اتمنى لو عندي ما أقوله لهم، من أجلي على الأقل..
شكرا للقرفة والقرنفل والكركديه والشاي والتوت والفراولة والكرز والروشيب والياسمين والشاي الأخضر والليمون والنعناع والتفاح والخوخ والتيليو والبابونج واليانسون.. وشكرًا أولا وأخيرا لخالق الكون :)
...
وأنا أشرب، أذوب تمامًا في الطعم فأنفصل قليلاً عن الواقع. في حقيقة الأمر ، أنا أصلا أشرب لأنسى الواقع. يعني، اتشاغل عن السؤال: "طب وبعدين؟"، أو "اللي ماتوا دولت ماتوا ليه؟" أو "يعني راحوا عند ربنا ازاي يعني؟"، أو غيره من التساؤلات. لذلك يتعين عليّ تغيير الطعوم باستمرار، حتى لا أملّ فأفيق واتساءل.
انتظر الكوب حتى يبرد قليلاً، ثم اتناول منه جرعات كبيرة. افتح في أثناء ذلك بعض المدونات، أسرح عليها وأتوه فيتوقف عقلي عن التفكير، الأمر الذي لا أنجح فيه تماما مع "العمل" أو الترجمة. أقول كيف إذن يعيش وينشغل عن التساؤلات من فقد ابنًا أو أبًا أو حبيبًا، أقول خسارتي ليست كبيرة لكني أحمل على ظهري خسارات الآخرين، أحادث أمهاتهم فيتساءلون ويسألونني وأنا لا أملك الإجابة، أقلب كفي في حيرة ويملؤني شعور بالعجز وأصمت، اتمنى لو عندي ما أقوله لهم، من أجلي على الأقل..
شكرا للقرفة والقرنفل والكركديه والشاي والتوت والفراولة والكرز والروشيب والياسمين والشاي الأخضر والليمون والنعناع والتفاح والخوخ والتيليو والبابونج واليانسون.. وشكرًا أولا وأخيرا لخالق الكون :)