Quantcast
Channel: يرجع الصوت المسافر
Viewing all articles
Browse latest Browse all 362

إلى الولد الجميل صاحب معرفة الحصان*

$
0
0
اللعنة! أريد المزيد من هذا الولد.. الآن اتفهم القول - وإن كان سوقيًا - بأن شخصًا يريد "قطعة" ممن يحبهم، كأنه يرجع بالتحضر ملايين السنين للخلف، أو يسافر بها ملايين الأمتار، لبابو نيو غينيا، مثلاً، والتي يُقال أن طقوس الكانبياليزم تُمارس فيها على نطاق واسع. أنا لا أعرف عن هذا الأمر، ما أعرفه أن نيو زيلندة، التي تقع بالجوار منها، تعاني حالة اكتفاء أعمال مزمنة، بحيث لا تقبل الهجرة، وكل شخص هناك لديه عمل.
كنت أقول إني أتفهم الأمر وإن كنت لا أحبذه، يعني أنا لا أريد ذراعه مثلا، لاحتفظ بها معي، رغم أن كونها بقربي يعطي احتمالات لا نهائية لتعليق ذراعي بها، أو للفها حول كتفي، أو توسدها ساعة الاستيقاظ مفزوعة من حلم. ما أردت قوله أنني غرقت في عينيه أكثر من مرة، وربما فضحتني عيناي، تلك التي لم اكحلهما يوم طرت إليه على غير موعد سابق، لأقابله في حديقة القصر. أغرق في عينيه، صغيرتين نوعًا، عميقتين، تغريان بالتقبيل دائمًا وأبدًا. هناك أيضًا شعر مهوّش، وأنا منذ أدركت احب الشعر المهوّش، يغري باللعب فيه. في حقيقة الأمر ربّتُ أمس على رأس أحد الأصدقاء المهزومين، ولامست شعره، كان خفيفا كشعر طفل، يغري بالاحتضان.
اتطلع للولد الجميل مليًا.. أقول يا حسرة وأقول خسارة، اشتم حظي وأعود لابتسم. استحوذت أخرى على قلبه وتفكيره، يميل نحوها ليهمس ويحرص على راحتها، وأنا اضطررت لتحملها ونحن ذاهبين لنصلّي. أدعو الآن أن يرزقني الله أحسن منه، وانتبهت أن هذه كانت دعوتي منذ عرفته أصلا، منذ سنة وعدة شهور.
أسرق وقتًا لكي يسرقوني من الوقتِ أيها الولد العزيز.. سرقنا معا عدة ساعات طارت من أمامنا كالتماعة شمس الظهيرة على صفحة بحيرة أثارتها طوبة ألقاها ولد ملول. أكلنا وشربنا وضحكنا، وأنا أحب من تعلو ضحكاتي معه بلا خجل، إذ أنها تعبر عن الأمان. الأمان يا عزيزي ونظرات الثقة المتبادلة، الغزل المحوّش بداخل عينيّ لدرجة تحويل ناظريّ عنك قسرًا، صوتك الذي يمكنني هضمه داخل أذني وتسجيله.. سنغني معًا في يوم ما، صدقني سنفعل، ربما بعد أن "نرسم الجرافيتي على قفا الرئيس"..ة
طوال الوقت تربكني تخيلاتي، وطوال الوقت اتخيل. يعني مثلا تخيلت أنك عرفت مكان مدونتي الأخرى التي لم أكف فيها عن التحدث معك وإليك طوال الثلاثة أيام الماضية، التالية على لقائنا الفجائي شديد العذوبة والجمال. ستعرف مكانها وستقرأ ما كتبته عنك، خصوصًا أني عنونت الرسائل باسمك، وتعود لتقرأ هنا، وتكتشف كل شيء وينفضح أمامك. أنا لا أريد لهذا أن يحدث، رغم أني استيقظت اليوم وأرسلت لك "الله يحبك، ووضع محبتك في قلوب عباده" وتوجهت للعمل. ربما تعرفني، لكنك لا تعرف يقينا عناء استيقاظي كل يوم كل يوم كل يوم، لذلك رسالة مثل هذه، آملة حالمة مبتسمة، تبدو عملاً خارقًا يبعث على الابتهاج. ونحن يا عزيزي مساكين، نبحث عن البهجة بإبرة.
أريد المزيد منك. اتوقف عن العمل وأدق بقبضتي على وركيّ واكتم غضبي. ينمحي في ثانية لأفتح مذكراتي واكتب: أريد المزيد منك. أغلقها وافتح مدونتي واكتب: سأخبرك، حتمًا سأفعل. يصلني رد من صديقة تقول اخبريه لكن تحملي النتائج. اجبن في اللحظة الاخيرة، حتى بعد اتصالي بك، واعتبر عدم ردك عليّ إشارة من الله. نحن غلابة يا صديقي وننتظر العلامات بلهفة، ونعتبرها إجابة الله لدعائنا.
اعطيتك أربعة اكياس شاي: اثنين بالفراولة واثنين بالكركديه والكرز وعشبة أخرى غريبة. تعرض تجربتها في المقهى البرجوازي الذي انتقدته، فرددت عليك بأننا جميعا نقف على حافة الطبقة الوسطى ونتشبث جيدًا كي لا نقع. ابتعت لك بسكويتا بالشيكولاتة وغزل بنات وفريسكا، ثم كيك منقوع في الشيكولاتة السائحة. لم تخف دهشتك ولم أجد أنا مبررًا لكل هذا الاحتفاء، مبررًا معقولا يمكنني البوح به، على الأقل.
أنا صدقني لا أعرف ما هو الحب، لكن قلبي يرفرف معك في كل مرة يراك فيها، لهذا أنت خطر على العمل الوطني، لا أركز في الهتافات وأنا معك، لا أريد المشي في المسيرات إلا بقربك، ابحث عنك بعينيّ وابتسم جدًا لمرآك، أطيع أوامرك: تقول يمين فأمشي يمين، تقول شمال فأطيع. أدعوك لتناول المثلجات في سري وابتعد عن مناطق الاشتباكات، تحمينا بروحك وتحاوط علينا، فأعفيك من عنائي وأذهب للمنزل/القلعة. سيدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. لم تصلني هذه الآية، على ما يبدو.
ها أنا قد انجرفت. ثانية، بل ربما للمرة المئة، اتحدث عن الحب والموت في نفس السياق. أنا مضطربة للغاية، اتخبط بين الموت كاحتمال لنهاية الحياة بصخبها الذي نعرفه، وبين الحب كاحتمال لإفعام الحياة بالمزيد منها، بالكثير جدا منها، بصخب ضحكات واحضان وأفلام وقفشات وكلام وتمشيات، مشاجرات ومصالحات وطعام كثير جدًا، وشاي بالفواكه وأصحاب.. اتأرجح بين الاثنين والتفكير فيهما فلا أدري أين أذهب. أنا على أرجوحة ليس فيها إلا طرفي نقيض، لا وجود للحل الوسط، وأنا أريد أن انزل.. أريد بشدة أن أنزل.
أعطيتني مجالاً للحديث. في فترة ما، لا أعرف لأي مدى امتدت، لم يكن لديّ مواضيع اتكلم فيها. عندما سيطرت قليلاً على تفكيري وجدت انني "فقدت نغمتي" وما عدت اتعرف على نفسي. في هذه الفترة كنت سلواي الوحيدة، اتأملك في صورك وأطيل التفكير فيك وتخيل مواقف وأحداث، لم تخلُ من الموت هي الأخرى، وإن حوت الكثير من الضحكات والطبطبة. لا أعرف ما يفعل الحاضرون في غياب الراحلين، لكنهم حتمًا يفعلون مثلي وإلا جنّوا، وأنا لا أريد لعقلي أن يجّن..
حفظ الله روحك لأجلي، حفظ الله روحك لأجلي
.
.
.
.
_______________________________
معرفة الحصان هي الشعر فوق مقدمة رأسه*

Viewing all articles
Browse latest Browse all 362

Trending Articles