Quantcast
Channel: يرجع الصوت المسافر
Viewing all 362 articles
Browse latest View live

أيام ليس لها آخر

$
0
0

في الكتاب الذي أقرؤه حاليًا، "فيزياء الحزن"، يدور وصف لفترة التسعينات في بلغاريا. الوصف حزين وقاتم وكئيب، شعرت معه بالاختناق فأغلقت الكتاب. يحكي الكاتب عن مدينة صوفيا تحت الحكم السوفييتي، وأشعر أنا بكم التشابه الرهيب بين غباء الشيوعية وتناحة وضعنا الحالي. لكن هذه قصة أخرى.

أغلقت الكتاب لأستطيع التنفس، ومع الحديث عن التسعينات، وجدتني أعرج على طفولتي أنا. اللعب بالبلي الزجاجية، و"القطة العميا"، وأقلام الحبر التي تسبح بداخلها قوارب صغيرة جدًا، والأستيكة ذات رائحة الفواكه والتي كانت اختراعًا هائلًا وقتها، والشيبسي والكاراتيه واللعب في الشارع حتى تتسخ ملابسنا وشعورنا بالرمال، وشرب الماء مباشرة من خرطوم رشّ الحديقة. كل هذا وأكثر.

أتذكر حديثًا أجريته مؤخرًا مع أحد أصدقائي المقرّبين. كان يحكي عن أن الناس اكتسحتهم موجة الحنين العارم أو النوستالجيا لكل ما مضى وأن "حلاوة زمان وبسطرمة زمان"كانوا أحلى بكل تأكيد، وأن هذا الزمن لم يعد فيه بركة. وقبل أن ينطلق غاضبًا كعادته في سبّ أيامنا وأيامهم وأمخاخهم التي تحيل كل شيء قديم لذهبي ووردي و"لا يقدّر بثمن"، سألته عن "مصايف زمان،"السؤال النابع من حوار سابق مع صديقتي المقرّبة. كانت تحكي لي بانفعال عن نفس الموجة –لا بدّ أن اللوثة أصابت الماء ذاته ليتحدث عنها كل الناس هكذا!- وكيف أن كل مَن حولها أصبحوا يتحدثون فجأة بحنين جارف عن "الأزمنة الغابرة"، وعرج بنا الحوار إلى المصايف التي ذهبت إليها وهي طفلة مع أهلها، وكيف كانت مزدحمة وضيقة ولا ينتبه فيها الكبار عادة لاحتياجات الأطفال. كانت غاضبة جدًا.

"في عهد الاشتراكية، كان الأطفال غير مرئيين مثل أطفال العصر الكلاسيكي القديم. [كانوا] صغارًا يعيقون كبارًا. تم إعدادهم لمواجهة صعوبات الحياة، التي لم يكونوا جزءًا منها."غيورغي غوسبادينوف، "فيزياء الحزن"دار أثر.

سألت صديقي إن كانت تجربته مع المصايف صغيرًا قد ضايقته. صمت لبرهة ثم نفى ذلك. قال إن مرسى مطروح زمان قبل أن تشتهر كانت جميلة فعلًا، وكانت الحياة هادئة، ثم عدّدنا معًا أسباب رداءة الشواطئ والمدن الساحلية، بعدها عاد لذكرياته. تركته يحكي وصمتّ أنا، بعدما كنت في السابق أنطلق كقطار لا يرى أمامه ولا يقف في أي مزلقانات ولا أتوقف عن الكلام الغاضب في مجمله، ولا أدع فرصة لمن يسمعني وقتها أن يحكي لي عن تجربة مختلفة حتى لو كانت من ذكرياته الشخصية، فلا مجال لديّ سوى للغضب، وعلى المخالف أن يجد أذنًا أخرى تسمعه.
أقول عاد صديقي للحكي، بنبرات هادئة، ثم احتدّ فجأة. كلانا يراكم غضبًا مكتومًا عند أقل تكّة ينفجر. أنا وصديقتي مصابتان بالغضب طوال الوقت، نتقابل وننفجر في أوجه بعضنا، ثم ننفجر ضحكًا، ويعلو صوتانا في الجدال والسخرية والضحك والشتائم حتى في المناداة على بعضنا البعض. أبذل مجهودًا فوق العادي للتحكّم في غضبي في المنزل، لذلك في أغلب الوقت أنا صامتة، لأنني لو فتحت فمي أصرخ بعنف، بعدها أقضي أيامًا أو شهورًا أكفّر عن إحساسي بالذنب لذلك الصراخ.

لي طبع ناري يشبه ثورًا أهوج يمسك ببازوكا طوال الوقت، ولا تعرف متى يغضب منك فيطلقها على إصبع قدمك الصغير لمجرد أنه تحرّك في وجهه حركة لا تعجب حضرة سيادة الثور المبجّل. أنا نفسي مللت من نوبات غضبي.

في الشهرين الماضيين ضغطت الأوضاع الاقتصادية المتردية على أعصابي بقوة حتى انسحقت أسفلها. للإنجليز تعبير يقول "I can’t make ends meet"ومعناه أنني لا أستطيع كفاية احتياجاتي الأساسية، بينما معناه الحرفي مضحك قليلًا: لا يمكنني جعل الطرفين يتقابلان. طرفا ماذا؟ لا أحد يعرف. لماذا تريدهم أن يتقابلا؟ لا أملك إجابة أيضًا. لكن مثل تلك الأسئلة الفارغة تشغل رأسي طوال الوقت، طاحونة للأسئلة العبثية المضحكة في أغلبها، خاصة لو وضعت تصوّرات غير منطقية من نوعية غزاة الفضاء والكواكب الأخرى وسلاحف النينجا التي تحمل أسماء فناني عصر النهضة.

أمضي أغلب وقتي في المنزل. أشكو من الملل أينعم، لكني في معظم الحالات لا أستطيع تحمّل انهيار الأعصاب الذي يصيبني كلما نزلت للشارع. تزعجني الفوضى وغياب الخطوط الواضحة والنظام، لكن أكثر ما هزّني مؤخرًا كان انتشار المتسوّلين بشكل مفرط. يقف رجال ونساء وأطفال بملابس متسخة وأجساد ضامرة وشعور ملبدة قذرة حول إشارات المرور وفي فتحات الشوارع وسط السيارات يتسوّلون أو يبيعون المناديل، وفوق رؤوسهم مباشرة لافتات مضيئة شديدة الضخامة لدرجة إن تركيبها يتطلب أعمدة من الأسمنت، للإعلان عن خصومات لـ"الجمعة البيضاء"وهو تحريف لا داعي له ليوم الخصومات الأمريكي black Friday، عشان إحنا ناس مؤمنة طبعًا، والكثير جدًا من الإعلانات عن "كمبوند"أو تجمعات سكانية مكتوبة بطريقة خاطئة، في أماكن لا أعرف هل هي موجودة فعلًا أم لا، ويبدأ المتر فيها بأرقام لا تعرف نطقها أو كتابتها. أذكر مرة سمعت فيها رقمًا مماثلًا فانفعلت وقلت له إن منزلًا في ضواحي كاليفورنيا الأمريكية لا يتطلب ربع هذا المبلغ، فهزّ أخي رأسه علامة على أنني أقول كلامًا فارغًا كعادتي، ووافقته الرأي.
لكن مشهدًا كهذا يحطّم أعصابي. متسوّلون تشيع الرواية شبه الرسمية المعتمدة المؤكدة أنهم يكنزون أجولة من النقود في بيوتهم ونحن البلهاء نعطيهم إياها كل يوم، بينما يزدادون عددًا حول المناطق السكنية التي يبدو أنها "نظيفة"، وتحت الإعلانات الضخمة عن حياة مرّفهة لا أتصوّر وجودها ولا حتى بالأفلام الرديئة. هذا ما يدفع عقلي للعطب، دوائري العصبية تتوقف عن العمل ويغمر قلبي الحزن. أمكث في المنزل لأسابيع بعدها، لا أستطيع الحركة.

أتذكر شيئًا قرأته منذ فترة طويلة جدًا، عن القوة المهدرة للعمالة المنسية أو شيء مشابه. عن ملايين تضيع أعمارهم في انتظار انصلاح الأحوال ولا تنصلح، عن التعلل بالأمل والتشبث بأساطير لا تتحقق، ومعارك وهمية جانبية كثيرة جدًا وعقيمة. عمر يمضي وأيام لا آخر لها وليل لا تطلع عليه الشمس، ولو طلعت عليه لأحرقته. لم تعد لنا حاجة به.
.
لا يبدو أن الغضب، أو الحزن، لهما آخر، كأيامي، كالبرد الذي يتسلل الآن ليحتلّ مكانه ببطء وثقة هادرين، ويأكل روحي مثل الشتاء الماضي، كالعطن الذي سكن قلبي فلم أعد أستطيع دفعه. أيام طويلة ثقيلة لوجود ليس له مبرر أو معنى.

28-11-2019

لا توجد حقيقة واحدة مطلقة

$
0
0
يبدو مستغربًا أنني، في ليلة الكريسماس، أكتب عن المخاوف الداخلية الأصيلة، كأنما من المفروض أن ألتزم بالمواضيع المبهجة فقط، ككتاب تعليمات في وظيفة جديدة، لا يمكنني أن أحيد عنه.

اليوم أصابني رعب هائل.

كنت أقرأ كتابًا مصوّرًا، أو للدقة مجلّد يجمع قصصًا مصوّرة موّجهة للناشئة، عبارة عن تبسيط للقصص العالمية ذائعة الصيت. كان لديّ مثله وأنا صغيرة، وتعرّض للمصادرة بطريقة عنيفة فيما بعد، فلمّا وجدت هذا المجلّد في سور الأزبكية بإحدى معارض الكتاب الماضية، اشتريته على الفور. لم أفتحه إلا الآن، بسبب الحزن الذي يغلّفه.

طبعًا، كان فتح هذا المجلّد وقراءة قصصه عملًا في غاية الغباء، من جانبي.
قرأت فيه قصة "الأمير والفقير"لمارك توين، كأنما لم يكفني أن قرأت قبلها "قصة مدينتين"لتشارلز ديكنز –وأنا لم أقرأ شيئًا لديكنز من قبل- بكل كآبتها. هالتني كمية القسوة والظلم والعنف في قصة "الأمير والفقير"، وكونها مصوّرة أيضًا زاد الأمور تعقيدًا. أخرجت مفكّرتي بعدها وكتبت "إنجلترا القرن السادس عشر تختلف عن الحال في بلدنا الآن، رغم الظلم والقسوة الطافحة فيه"ولم أصدق نفسي. ظللت أرتجف.
.

كان هذا عملًا غبيًا، لأنني أعرف تمامًا أنني بالليل لا أكون على ما يرام. في الليل، دونًا عن النهار، يتهاوى أكثر الحاجز بين الواقع والخيال داخل عقلي، وتصبح صلتي بالواقع أكثر ضعفًا وأبعد. يتساءل الجزء الساخر فيّ "وإيه الجديد؟ ده الطبيعي بتاعك!"لكن، منذ انتهاء العلاج الجديد الذي تناولته لمواجهة الاكتئاب، والأمر استفحل بطريقة لا تعجبني.

هذا العلاج لم آخذه من نفسي، لأنه ليس قرصي أنتنيال يعطيني إياهما الصيدلاني لأن بطني "بتسهل شوية لا مؤاخذة في الكلمة"، بل حصلت عليه تحت إشراف الطبيب وأنا من سعيت إليه، لأن الحال مؤخرًا لم تعجبني على الإطلاق، ولا أريدها ولا أحبها. الاكتئاب بشكل عام شيء في غاية السخافة والقرف، ولا أريده ولا أتمناه لأحد. أشعر بشكل ما أن عليّ تكرار "الاكتئاب مقرف"كردّ على الموجة التي انتشرت منذ فترة بأن "الاكتئاب جميل"لا أدري كيف ولا لماذا، ولا أي مختلّ اخترع جملة "أحب اكتئابي لأنه يجعلني متفرّدًا"! بحق الله! أنت لا تعرف أصلًا ما تتحدث عنه، فاخرس خالص واقعد في حتة ناشفة.

هذا العلاج رائع، لكن له آثار جانبية كأي شيء آخر: فقدان الذاكرة أحدها، وانعدام التركيز.
.

يأتي الليل فتشتدّ عليّ آلام المفاصل، ويزيد تصفير صدري المصاب بالحساسية، وتنشط أشباحي.

يقول طبيب الباطنة الحاذق، الذي لم يحتمل الحياة هنا فترك البلاد وهاجر بزوجته وأطفاله، إن ذلك النشاط طبيعي، حيث يستيقظ الجهاز العصبي الباراسمبثاوي ليستلم الوردية من الجهاز السمبثاوي. لم يشرح لي الأمر جيدًا، كان مرهقًا جدًا يومها، وأنا لم أقرأ عن هذا الموضوع. طبعًا كان يتحدث عن صفير صدري وينصحني بزيادة جرعة البخاخة لأربع مرّات إن لزم الأمر، و"أمشّي حالي"ولا أزيد الأمور تعقيدًا. ألا توجد بخاخة للسيطرة على الأشباح إذن؟

العامل الثالث الذي زاد من خوفي من القصة، أنني في فترة "متلازمة ما قبل الدورة الشهرية"، حيث تضطرب الهرمونات بعنف ويضطرب حكمي على الأمور معها، كأن رأسي طبقة بيض في يد صبي بقّال أحمق وقد كسّرها كلها في بعضها ورغم ذلك وصّلها لنا وطالب بالثمن بكل بجاحة –البقال اللي تحت، مثلًا!- يحدث هذا كل شهر، وصرت أعرف أعراضي بشيء من التحديد، وأعرف أيضًا أن أفضل علاج أن أتجنب التعامل مع الناس تمامًا في تلك الفترة حتى تمرّ بسلام. لكن ماذا عن "التعامل معي؟"مش ناخد بالنا شوية يا روز ولا إيه؟
.

والآن، وقد عرفنا هذه العوامل الثلاث، وكل واحدة أسوأ من الثانية، نستطيع أن ندرك بشيء من التقريب، ولو واحد على عشرة، كيف تبدو الأمور داخل عقلي.
.

تفريعة خفيفة:

يغيظني دائمًا صديقي العزيز تامر بأنني "Control freak"أو مهووسة بالسيطرة الدائمة، وأعرف أنا أن هناك صوتًا داخل رأسي يوقظني عند إصابتي بالكوابيس "اصحي يا رزان ده كابوس! اصحي زهقّتيني"وهو صوت ملول في أغلب الأحيان، كأنني قاطعته عن جلسة في البرلمان مثلًا، وعندما شرحت هذا الأمر لتامر قال ضاحكًا إن كل المهووسين بالسيطرة هكذا.

في الجلسة الفائتة، استطاع طبيبي النفسي، بلمحة عبقرية فعلًا، استنتاج من أين ينبع هذا الهوس بالسيطرة، تلك الرغبة الدائمة في التركيز وامتلاك زمام الأمور بين يدي وألا أدع شيئًا للصدفة أبدًا، والأهم، ألا أترك مصيري بين يدي الآخرين. ينبع كل هذا من نقطة في أغوار تاريخي، نقطة مظلمة لا داعي لذكرها كي لا يصاب من يقرأ هذه التدوينة –وأغلبهم من أصدقائي المقرّبين- بندوب نفسية لا داعي لها. كما أن التجربة والواقع يخبراننا بأنه، لا أحد يحتاج لمعرفة الحقيقة كاملة.

لكنّي بتّ أعرف الآن جزءًا غفل عني، أو أغفلته ربما عمدًا، يشرح لي بعضًا من تصرّفاتي. جزء حدث من مئات الآلاف من السنين، من أيام الإنسان الأول حين كان يختبئ في الكهف من النمور سيفية الأسنان، بالرغم من أنني لم أتم الثالثة والثلاثين من عمري بعد. والمعرفة ستجعلني أفضل في مواجهته، وربما السيطرة عليه. من الطريف أن "السيطرة على هوس السيطرة"ربما تجعلني أكثر قابلية للتصرف بتلقائية، بأن أخفض من الحواجز والسدود والخنادق المليئة بالتماسيح، المحيطة بي، بأن أترك نفسي للصدفة، ربما، رغم أن مجرّد كتابة هذا الكلام الآن جعل قلبي يخفق بعنف وأذني تصفرّان، ورجفة تمنع أصابعي من الكتابة.
.

لا يوجد حقيقة واحدة، لا وجود للحقائق المطلقة!

بقراءة كل ما كتبت عاليه، قد يشعر القارئ بالإشفاق عليّ، خاصة لو عرف مثلًا أن الأشياء التي تخيفني طيلة اليوم، أتعامل مع الموقف جيدًا لكنها تتخزّن في ذاكرتي لتخرج لي في صورة كوابيس، وأن الصوت الملول قد لمّ أمتعته وسافر غالبًا لأنه "زهق"أو أراد قضاء الشتاء في مكان أكثر دفئًا من غابات التندرا التي نعيش في قلبها حاليًا. إحدى الطرق الموصى بها للتعامل مع تلك المؤثرات هي الكتابة، أن يكتب المرء قبل النوم مباشرة ما يضايقه ويفرغ كل شيء على الورق –من الأفضل ألا ينشره، كي يكتب بحرية تامة- وحينما يشعر بالتخفف، يتوّجه للنوم. من السيئ جدًا أن يدخل الإنسان سريره وهو محمّل بمشاعر سيئة من أي نوع، لأن تجربة الخوف أو القلق أو البكاء في أثناء النوم من الأشياء القادرة على جعله يكره الحياة بكل ما فيها لشهور طويلة بعدها.
كنت أقول قد يشعر القارئ بالشفقة لحالي، لكن تذكّر: في كل الأمور والمواقف، لا يوجد طريقة واحدة للنظر إلى ذلك الأمر أو الموقف.

اعتدت لفترة طويلة من عمري أن أكرر على نفسي الجملة ذاتها "عقلي مصاب بعطب هائل لا يمكن إصلاحه"خاصة لو أضفنا لذلك العِلل المختلفة التي يعاني منها جسمي، وأغلبها وراثي أو عيوب خلقية. كنت أرثى نفسي كثيرًا وأشعر بالسخط على حالي، بالنقمة لأنني "ولدت هكذا، بكل هذه الجينات المعطوبة"، إلى أن التقيت بصديقي العزيز جدًا، تامر.

كان يقول لي وأنفه متكوّر اشمئزازًا إنه لا يحبّ الرثاء للذات، "لو في إيدي حاجة أعملها ح أعملها، لو لأ، الحياة مبتقفش على حد."وبشكل أكثر أهمية، علّمني أنه لا توجد وجهة نظر واحدة أو مطلقة الصحة؛ لا توجد حقيقة واحدة: "وليه ما تقوليش إن عندك مميزات مش عند حد؟ إيه يعرّفك إن مخ البني آدمين كلهم بيشتغل بنفس الطريقة؟ إنتي عقلك بيشتغل بطريقة مختلفة شوية، سو وات؟ دي ميزة هايلة، استغليها. إنتي محتاجة بس شوية ثقة بالنفس."
.

الضوء من خلف الغيمة

من بعد العلاج الأخير، وأنا صرت أرى ضوء الشمس، بالتعبير المجازي والحقيقي.
لدينا بلكونة لنشر الغسيل في بيتنا، تطل على حديقة صغيرة جدًا بها نخل استوائي –وهذه مزحة طريفة، لا أدري مَن صاحبها!- وأشجار مختلفة تحمل أزهارًا ملوّنة، طبعًا في غير الشتاء. بسبب الاكتئاب، لم أكن أخرج إليها إلا لنشر غسيلي، وحينما أفعل ذلك لا أتطلع للشجر ولا للسماء، رغم أن هذا لن يكلفني سوى نظرة لأعلى أو لأسفل، تحريكة بسيطة لرقبتي، خروج عن مسار حياتي اليومية، مدّ لرقبتي خارج درقة السلحفاة التي أحطت نفسي بها.

في الفترة الأخيرة، صرت أخرج للشرفة.

بسبب قياسات خاطئة وعنجهيتي، أتت الستارة الملوّنة التي اشتريتها وأحبها كثيرًا، وأعلقها على باب الشرفة، قصيرة نوعًا. ولهذا السبب، فهي تحجب عن رأسي الشمس القوية، كيلا تصيبني بالصداع النصفي، لكنها لا تمنع أشعتها من على ساقيّ، فأمدهما وأتخيل أنني على البحر، وأشغل صوت أمواج المحيط والنوارس من تطبيق لأصوات الطبيعة على موبايلي، بل إنني أحيانًا أرتدي النظارة الشمسية وأروح أتخيّل أننا الآن في المصيف :)

قبل نشأة العاصفة الحالية، خرجت للشرفة ووجدت الشمس محتجبة وراء غيمة. ارتديت نفس النظارة الشمسية لإصابتي بحساسية شديدة من الضوء، فخرجت من وراء الغيمة ولوّحت لها: كأنها تحييني. ظللنا في حديثنا الصامت لعدة دقائق.

اليوم، وبين هبّة رياح وأخرى، دقائق من الهدوء طالت نوعًا ما، فخرجت للشرفة ثانية، تطلعّت مطوّلًا للحديقة، وجدت النخل الاستوائي يتمايل مع الهواء فضحكت: مَن كان يتخيل نخلًا وبحرًا وشاطئًا في قلب مدينة نصر! اشتدت الرياح ثانية فدخلت.

الأسبوع الماضي حضرت صديقتنا شديدة اللطف والجمال شوري، لمنزلي، وصنعت معي بحماسها المُعدي لوحة من الأصداف والقواقع والأحجار و"رؤوس الفلاسفة الغارقين"على حد تعبير الواد تامر، ومفتاح للكنز ولآلئ. كانت متحمّسة أكثر مني، وعلى الرغم من أن الأصداف والقواقع مخزونة لديّ منذ سنوات طويلة، فلم يمكن صنع هذه اللوحة إلا الآن. لم أستطع تجاوز الحزن الذي كنت أعامل حاجياتي به، كأنه لا فائدة من محاولة صنع شيء جميل، كأنني متّ ويمتلك هذه الأشياء الآن شبحي، إلا بعد تناولي للدواء، وبحضور شوري، المصباح الصغير.
 .

كتبت لصديقي تامر بعدما حكيت له عن القصة السخيفة التي قرأتها اليوم "فيه حتت في مخّي نوّرت"فردّ عليّ "وده شيء عظيم."
.

أستطيع الآن أن أنام. أفرغت شحنتي السلبية، بنجاح :)

تصبحين على خير، يا روز

26-12-2019

-يسمّون اليوم التالي للكريسماس Boxing Dayلأنهم يتبادلون فيه صناديق الهدايا، وهذه طبعًا، معلومة لا أهمية لها الآن، لكني أردت ذِكرها وخلاص!-
Viewing all 362 articles
Browse latest View live