Quantcast
Channel: يرجع الصوت المسافر
Viewing all 362 articles
Browse latest View live

عشر دقائق تسبق الحادية عشرة

$
0
0
لأني مقدرتش أستحمل الخيانة، ومقدرتش أقف في نص المول أزعّق "لأ"وأستربع على الأرض وأعيّط، نزلت بسرعة من دور السينما. لأن الفيلم نزل وح يعرضوه من غيرك، ولأن الحياة ماشية عادي، والست اللي في الفيلم ح تنتصر في الآخر عادي، ولأن الحياة ملهاش طعم من غيرك، ولأن في عينيكي غُربة وغرابة، وأنا مش عارفة أهرب من قلبي وأروح على فين.

ولأن الناس تقدر تقول عادي إنه "ستين شمس وستين ليل"و"كأنها أول ندعة ضو في قنديل الدار"، بس أنا لأ، لأن قلبي من غير قناديل، وليلي ملوش آخر.

ولأني في المكتبة لاقيت "الغرفة رقم 304"اللي عجبت شادي، جبتها عشان عجبته وعشان مبنعرفش نتكلم عن الثورة، وشادي مبيعرفش يقول عن خوفه على بناته، واللي ميعرفوش إني أنا كمان باخاف على بناته، وبنات وولاد ناس كتير تانيين، وولادي، عشان كده ما خلفتهمش، وحزني ما بيطلعش غير لما أتكرمش على السرير بالليل ونفسي تسألني عن الوحدة. والناس مبتخلفش عشان وحيدة، بس يمكن، يمكن، لما تخلّف، تقل وحدتها، وأنا بخاف من ضلمتي وحدي وبانوّر ضلمة الخايفين، وأمشي أغنّي.

ولما قلبي اتفلق نصّين وأوبشن العياط والزعيق في كل الناس عشان يسكتوا عشان الحياة مينفعش تكمّل زي ماهي وإنتي مش هنا مش هنا مش هنا، قلت أمشي وأمشي وأمشي، يمكن نَفَسي يرجع لي وإنتي تكلميني من جوة عقلي. وصلت للمحل الجديد اللي فتح واللي مدخلناهوش سوا، إنتي في كل حاجة وكل حتة ومينفعش متبقيش موجودة، بس إنتي مبتحبيش الماكياج، قلت أدخل وأتوه.
دوّرت في الفُرش الكتيرة، جالي هدية علبة مكياج جديدة بس محتاجة فُرش ليها غطا عشان أخرج بيها، دوّرت كتير، لفّيت الرفوف كلها والعلب كلها وعقلي سكت وقعدت أفاضل بين الأسعار والخامات وعقلي جابك وفعّصت في كل الاسفنجات عشان أجيب واحدة بدل اللي اترميت ولاقيت فرشة بتحط آي لاينر رفيّع وضحكت لك ومسكت كل الفرش ومشيّتها على ضهر إيدي وجيتي لي وضحكتي لي.

طلع إننا ممكن نواجه العالم بقلب جامد شوية وإحنا معانا فُرش ماكياج جديدة.

الساعة فيها عشر دقايق فاضلين على حِداشر، وأختي قالت بعد ماما ما تسافر متتأخروش عن حِداشر، والمشي حلو والبيت مش بعيد والسمّاعات شغالة، بس بلاش "بعيد عنك"لأن والله متلصمين بالعافية، ولأن كل عين تعشق حليوة وإنتي حلوة في كل عين، ولأني لما كلّمت جمال اتكسفت لأن معنديش أخبار جديدة من إمبارح ولا شيء جديد يتقال، ولأني فرحت إنه قال "أقدر أساعد في حاجة؟"لما قلت له إني مش كويسة، لكن مقلتلوش، ولأني مش عايزة الفجر يطلع "مش عايزه يطلع يا عالم"لكنه بيطلع وبييجي، وعشان خاطر كسرة القلب وتفريغة الروح وعينينا الفاضية بنفهم "وبحر ناس ومدوّنات/وماضي كتفني بظروفه/بيني وبينك بكرة جاي، ولسه مش عايز أشوفه"وقبل 2011 مكنش ينفع نفهم، ولأن المسائل تدور لما لا نهاية، علشان نظرة طويلة متسائلة من عينين هاديين ورايقين ومستخبيين، وعلشان بنتمشى كتير لوحدنا لكن ممكن نقول مثلًا لجمال على مبنى عربيات الفيات القديمة اللي على أول شارعنا واللي بيتهدّ دلوقتي، وعشان خاطر الغُنا مع أم كلثوم من راديو التاكسي "فكّروني إزاي، أنا إمتى نسيتك"لحد البيت عشان نجيب القهوة، بس لما ركبنا أوبر ولأجل خلوّ البال جات دنيا مسعود بنفسها "جينا أغراب ملناش أحباب ولقينا كرام فتحولنا الباب/جينا وقلوبنا حزينة يابوي، ورجعنا مجبورين/أجرك عند الله مخبّي، يا مداوي المجروحين/يا حبايب الغربة صعبة، وورانا صغيّرين، زغروطة يا حبايب يا حبايب، غُربة ومروّحين"والغُنا عِلي لأن "خلّيك هنا خلّيك، ما بلاش تفارق"والناس بتفارق والناس مبتخليهاش وبتفارق وبتفارق، وإنتي حلوة في كل عين.
وعشان كسرة النِفس وسدّة المعدة من أول لقمتين، فلمّا أكلت 3 النهاردة اندهشت ثم اتقفلت ثم القلب بيجري ورا نفسه دلوقتي زهقان حيرة وشغل وتعب وإمتى الفجر يبان زهقنا ضلمة وإمتى الغياب ينقطع وإمتى أشوفك وسهّرت أفكاري وياكي، والصبر ده ولا بإيديا ولا بإيديكي، و"جابوا لي مداوي والألم جوّاني"فا ضيّعوا فلوسهم ع الفاضي والمداوي رجع بيتهم خيبان.
ولأجل العيون الحلوة والسندة على دراع الحبايب وقت الكسرة وإحنا في كل وقت مجبورين ولأننا مينفعش نتكلم بس عارفين وبنتصل ببعض مبنقولش حاجة بس بنبقى موجودين، والشيلة تقيلة والخوف قوي وطويل وأصيل ومتعب، ولأني مبعرفش أنام، والحب كله، الحب كله والعمر كله والله يا ستنا، وعشان خاطر الهجرة لازمة من أول الطلوع، وأرض الحب ليست بعيدة.
.
10-3-2019

تساؤلات وجودية عن خصلة شعر مضفّرة

$
0
0
قادني السَرَحان لرؤية، بعين الخيال، شعر فتاة منسدل أمامي. بلا إرادة مني تقريبًا، أكملت الخيال في شكل يدي تمتدان لتضفير خصلة صغيرة من شعرها، دون أن تشعر. انتبهت لنفسي وسألتها: متى كان هذا؟ وهل يصحّ؟

تذكّرت بعدها أنني، لآخر مرة تقريبًا، فعلت ذلك في الكلّية، أي منذ 12 عامًا وحبة صغيرين. لا أذكر بدايات الكلية، أول سنتين ضائعتين تقريبًا، العام الثالث كان حزينًا، ممزوجًا بتساؤلات غريبة عليّ، أنا الهادئة دومًا المطيعة أبدًا، عن معنى وجودي وماذا أفعل في هذه الحياة، ولماذا أنا بوجهين: داخل الكلية أرفض مكالمة الأولاد أو حتى السلام عليهم أو الإجابة عن سؤالهم عن مكان المحاضرة أو الواجب -ظللنا نسميه "واجبًا"حتى مع إصرار الدكاترة والمعيدين على إطلاق لقب "أسايمنت"السخيف عليه، حتى انتصرنا- مع أنني، خارج الجامعة وخلف شاشة الكمبيوتر، أتحدث بعادية نسبية مع الأولاد داخل المنتدى. كان ذلك فيما حول 2006 تقريبًا، وكان اسمه كمبيوتر وليس لاب توب، ضخم الشاشة بصوت هدير عملاق يسبّب صداعًا لم نعرف له وقتها صِرفة إذ لا يمكن إخراس المروحة، واشتراك إنترنت بالتليفون الأرضي وأرقام فاتورة مريعة، حيث الردود في المنتدى الأدبي تستغرق مننا فصل السلك وكتابة الرد على صفحات وورد -غالبًا ما ننسى حفظها فتضيع ويضيع مجهود ساعات معها- ثم إعادة توصيل السلك وانتظار أن يتم "الدايل أب"بصوته المنغّم الآتي من ماضٍ سحيق الآن، ثم إرسال الرد. عملية مرهقة، كنا بدائيين ومتحمسين وراضيين.

أذكر أنني، في الأوقات القليلة التي حظيت فيها ببعض الهدوء والعزلة، ولم يكن لدينا محاضرات -وهي مرّات نادرة لأن جدول قسم إنجليزي مكربس دائمًا كأنهم ينتقمون منّا- كنت أجلس على السور الرخامي المؤدي لمدخل قسم إنجليزي. كنت رفيعة وقتها فكان السور العريض نسبيًا يأخذ جسمي كله، أجلس عليه بالطول وأمدد ساقي وأسند ظهري للعمود الرخامي ورائي، أسرح في اللا شيء. لم أكن أعرف وقتها أنني انطوائية أو أميل للهدوء والعزلة، وأنني أمقت التجمعات البشرية والصوت العالي، وأن محاربتي لإبداء رأيي أو أن يسمع الدكتور أو المعيدة إجابتي ورفع ذراعي الدائم -هيرمايني جرينجر مصغّرة- يستنفد كل طاقتي، وأن الهدوء لازم من وقت لآخر.

أقول كنت أسرح تمامًا، أحيانًا بصحبة جهاز الووكمان أسمع فيه ماجدة الرومي وفيروز، وكان وقتها هناك ضرب على لبنان -في ذاكرتي، دائمًا لبنان مضروب- ومشاعري الوطنية ملتهبة، تظهر حرقتها في الغناء مع فيروز "لبيروت، من قلبي سلام لبيروت"والبكاء معها، أو "يا بيروت يا ست الدنيا"لماجدة الرومي. لا أذكر بقية الأغاني التي أدمنت سماعها، لكن يعلق في ذاكرتي صورتي وأنا سرحانة تمامًا وأضع السماعات فوق أذني المغطاة بالطرحة وبقية الطلبة بنات وأولاد يعبرون من جانبي ويضحكون على منظري. لم أكن أهتم بما يقولون، فقط كنت أفكّر أنني بوجهين ومخادعة.

إلى الآن لا أستطيع محادثة ولد لم أعرفه من قبل على الإنترنت. لو اضطرتني الظروف لتبادل الحديث مع أحد الأشخاص في المحيط الاجتماعي العائلي، سيكون متحفظًا تمامًا مدموغًا دائمًا بـ"حضرتك"مع إبداء نوع من الخجل يقتضيه الموقف، فلو ظهر سوء أدبه "مفيش إلا الشبشب"على رأي خالتي فرنسا/عبلة كامل و"متعصبنيش عشان أبويا قاعد"وصعب طبعًا أن يطلع الشبشب في حضرته. توقفت عن العمل بنظام الدوام الكامل منذ سنوات، وحتى ساعتها كانت البنات غالبية الموظفين. إنما لو كان الموقف ليس عائليًا، مع بقية الأصدقاء مثلًا، لا أتعامل بطبيعتي أبدًا إلا لو جايبة جاز، وهي حالي مؤخرًا كثيرًا جدًا، ساعتها لا ألقي بالًا لأي بني آدم أو جحش قاعد، وعلى المتضرر توضيح رأيه بالضبط كده قدامي، جملة جملة واعتراض اعتراض. ورّيني كده؟

لحدّ الآن متحفظة جدًا مع الأولاد -صاروا رجالًا الآن يا روز، بشنبات وشعر أبيض وأطول منك!- إلا من أعرفهم مسبقًا، ولا أكوّن رأيًا بصدده أو أستريح له إلا لو شاهدت صفحته على أي شيء متصل بالإنترنت، ويا سلام لو مدوّنته! أحكم عليه براحتي ساعتها.
لذلك لا أجد أنني كنت مخادعة في الكلية، أنا فقط لا أبرع في الحديث وجهًا لوجه، أنا بتاعت تكتكة ع الكيبورد، لذلك صرت كاتبة -أو أحاول- وأسعد أوقاتي حينما أُترك في ملكوتي الخاص، لا أردّ على سؤال أو أفتح الباب لأضايف شخص أو أجلس بأدب ضامّة ساقي أمام عريس وأمه. كل واحد يستريح في الفرشة بتاعته، وأنا أكره اللي يطلعني من فرشتي.
.
لكن، في العام الرابع والأخير من الكلّية، تغيّرت إلى حدٍ كبير.

كنا قد توقفنا، أنا وبقية شلّة المتفوقات جدًا الحريصات على المعرفش إيه جدًا، عن احتلال أول بنش/مقعد طويل من المدرّج، العادة التي بسببها كرهتنا بقية الدُفعة. صرنا نجلس"وراء الناس"عادي، مثل بقية الطلبة، لأننا اكتشفنا أخيرًا أننا لسنا مختلفين عنهم. ولهذا تحديدًا، صرت أرى أقفية بقية الطالبات -أغلب الدفعة بنات لسبب لا أعرفه- وأتشاغل بالتحديق إليها عمّا يقوله الواقفون أمام السبّورات الخضراء الكالحة. لا أذكر متى حدث هذا ولا كمّ مرة حدث، لكنني مددت يدي في مرة، ساهمة تمامًا، وضفّرت خصلة صغيرة من شعر البنت الجالسة أمامي. لم تشعر بي ولا التفتت نحوي، وأحمد الله الآن على ذلك، ولا شعرت أنا بنفسي وما أفعله. انتبهت فقط على كوع يلكزني بقوة، لا أدري ممن، لكي أتوقف "عشان عيب كده".

حينما أفكّر الآن، أجد أنني لم أجد شعرًا منسدلًا أمامي ربما منذ المدرسة الابتدائية. طفولتي ومراهقتي كانتا في التسعينات وأوائل الألفية، حيث الانتشار الهائج المريع للحجاب، حتى صار أن أرى شعر فتاة في الأماكن العامّة من المستهجنات النادرة. أسباب هذه الظاهرة ونتائجها وتطوّرها الزمني متروكة تمامًا للمحللين الاجتماعيين وعلماء الحاجات الكبيرة المجعلصة، لا أكترث والله العظيم، ولا أريد أن أفعل.

في السنة الأخيرة من الكلية أيضًا كنت اصطحب معي "بلية"للجامعة. كان المكتب/جزء من البنش الطويل أمامنا به مسار محفور طوليًا، لوضع الأقلام فيه تقريبًا لأني لا أجد له فائدة أخرى. كنت أضع فيه البلية الزرقاء أو الخضراء وأحدفها بخفة، بسنّ القلم الرصاص، في غياب تطلّع المحاضر إليّ، لتحدفها أي فتاة أخرى من بقية الشلّة، الجالسات حولي. لم يكن ساعتها قد نما لديّ رُهاب التجمعات، فكنت أجلس مرتاحة وسطهم، يضايقني الحرّ فقط. في أكثر المرّات لم تنتبه للبلية إحداهن، وتظل في مكانها في منتصف البنش وحيدة جدًا كأن سحابة متناهية الصغر تمطر فوقها وحدها الآن وهي تبكي، دائمًا أتخيلها وحدها تحت سحابة وتبكي. بمجرد انتهاء المحاضرة، كنت أدافع بقية الطلبة لأنزل من البنش ثم أستدير حوله وأحضر بليتي وأضعها في أمان في المقلمة وأقفل عليها، عشان أنا مبهزّرش. المرّات القليلة التي ابتسمت لي فيها إحداهن ودفعت البلية نحوي، بهدوء شديد وتظاهر بمتابعة المحاضر، أو لمعت عينان من آخر البنش خالص وصاحبتها تشير نحوي أن أحدفها لها، محفورة في ذاكرتي حتى الآن.

كنت أخشى أن أكبر، سأترك الجامعة وألتحق بوظيفة وأكون تعيسة، لن أسعد بعد الآن، أو سأتزوج وأركض وراء الأطفال أغيّر وأحمِّم وأدفع للمدرسة وأجري وراء مصروفاتهم وأغرق في التعاسة، لذلك زاد سرحاني وصمتي وانفصالي عن بقية الطالبات وصديقاتي وقتها.
.
غريبة أن أفكّر في سنوات الجامعة اليوم، ربما ما دفعني لهذا أنني حاولت القراءة قليلًا في "الغرفة رقم 304"لعمرو عزّت، واستعدت كيف أنني كنت مغرمة بمدوّنته، وبعالم المدونات كله في سنوات الجامعة، وكيف أنني لا أذكر الآن حرفًا مما قرأت لديه، وأنني رأيته مرة في إحدى وقفات "خالد سعيد"بعدها بسنوات طوال، وكان على الناحية الأخرى من كوبري قصر النيل، وأنني خجلت جدًا من عبور الشارع والسلام عليه إذ بماذا كنت سأعرّف نفسي؟ "كنت بحب أقرالك أوي؟"
إلى الآن أتمنى لو كنت أكثر جرأة وسلّمت عليه، وأعتقد أنني لو رأيته في الوقت الحالي لن أخجل كثيرًا، سأتلعثم فقط.

أقول غريبة أنني تذكرت كل هذا، وأنا أحاول الحصول على بعض الراحة. اليوم فقط عرفت أن ما كنت أعاني منه طيلة الأيام الأربعة الماضية له اسم: "نوبة قلق"، وترجمته العربية تقلل كثيرًا من معناه وشدة وقعه، وأن ضربات القلب العنيفة والبرد والحرّ المتلازمين والشعور بأن العالم سينتهي حالًا وأنني غير مستعدة ولا يوجد ما يكفي من الطعام الجاف أو المحفوظ في الثلاجة ولا أمتلك سكينًا سويسريًا -والله العظيم هذا بالضبط ما أفكّر فيه- ولا بوصلة ولا أعرف كيف أشعل نارًا من أشعة الشمس -هيا ح تولع فينا لوحدها- وأنني لن أتمكن أبدًا من إتمام العمل الموكل لي ولن أجد مالًا لتجديد بطارية الموبايل أو لركوب أي مركب والهروب من البلاد.. كل الصداعات النصفية والجزئية والسمبوكسات والأنوار الوامضة التي تروح وتأتي، والكوابيس بنت الكلب التي لا تتركني في حالي، وقلبة المعدة وقفلتها، كل هذا له اسم، ويمكن علاجه!
.
ما زلت لا أعرف كيف سأنتهي من الترجمة الموكلة لي، لأنها صعبة جدًا وطويلة ومقرفة وأنا أكثر إرهاقًا والله من البحث وراء كل كلمة أو الجري وراء ظلال المعاني أنا كان مالي ما كنت هنّومة قاعدة باسمع كوكو واوا كوكو واوا، لكنني كبداية سأعتذر عن بقية الالتزامات الاجتماعية والوظيفية الأخرى، سأحاول النوم بطريقة غير معروفة لي حتى الآن -كل المهدئات لا تعمل معي، ولا مضادات الاكتئاب وحياتك- وسأتجنب الشوكولاتة والكافايين تمامًا، وربنا المستعان بقا ح نعمل إيه.

لكني ما زلت، حتى الآن، أحب تضفير الشعر الطويل، أي شعر أجده أمامي أحب تضفيره واللعب فيه والسرحان معه. ولا أعتقد أنني حين أفعلها في المرة القادمة سأكتب تدوينة بهذا الطول.
.
11-3-2019

حكاية التشخيص بالحساسية الصدرية

$
0
0
أيوة أنا الهبلة اللي بتفرح لما بتعرف التشخيص.

تقتضي المقدمة المملة والتي لا بدّ منها إني أذكّر القارئ العزيز –والصبور- إني من عيلة اتعوّدت إنها لما تلاقي حباية طلعت في وش حدّ فيهم أو علبة فيها أشياء غامضة في التلاجة أو مغص مطوّل سببّه أكل الشارع من المطعم المريّخي اللي فتح قريب جنبنا، إنها تسأل الست الوالدة. ووالدتنا للي ميعرفش برضه طبيبة أمراض نسا، بس كعادة جزء كبير من الدكاترة المصريين –والأمهات- بتفهم ما شاء الله في كل حاجة، حتى في شؤون الكواكب اللي خارج درب التبّانة –يعني هما سابوا مجرّتنا من شوية؟-
اتعوّدنا على الأسلوب ده، واللي هو غلط بالضرورة، من باب الترهيب من ناحية "يعني هو الدكتور ح يفهم في تخصصه أحسن مني؟"أو "درسناها في طب"من 40 سنة يا حاجّة، أو من باب الاستخسار "ماهو لو كنتوا تعبتوا في الفلوس مكنتوش تصرفوها ع الدكاترة والأدوية"... وده منطق غريب الصراحة لأن فيه ناس بيجيولها العيادة ما شاء الله وبيشتروا الأدوية اللي بتكتبها لهم في الروشتة، بس بلاش نصدمها أكتر من كده :D
وبالتالي، وكنتيجة للكفتة بالمهلبية اللي كنت واقعة فيها، صحتي ساءت جدًا. اتعوّدت من صغري لأسباب لا أعرفها إني أكتر أهل البيت مرضًا: بداية من الصداعات بكل أنواعها، والأشنع فيهم النصفي الله يحرقه مطرح ما راح ولا جه، واعتلالات المعدة غير المبررة –في وقتها، دلوقتي فهمت- وحاجات كده ما شاء الله تجيب شغل ودخل محترم جدًا لمستشفى بحالها بأقسام أشعتها وتخديرها ومحل هداياها كمان لو عايزة.
لكن، صحتي السيئة دي فضلت مجهولة لكل أنواع الدكاترة اللي كان المفروض يشوفوني، وبالتالي ساءت أكتر. لغاااااية لحظة الحقيقة: أن أن آآآن.. طلع عندي حساسية!
لأسباب سخيفة لا داعي لذكرها كنت من 3 سنين في مستشفى ما فيها دكتور باطنة حمار. بعد الكشف السطحي بإهمال واضح، قال شوية كلام سخيف برضه بس في النص ذكر إني عندي حساسية صدرية، وكتب لي دوا متخلف ومشي. حسيت إني تعبته أوي أوي –مع إني دافعاله الحيوان- لما حط السماعة على صدري وسأل "بطنك بتوجعك؟"ومشي، شكرًا يا روح أمك بتتعلم كل السنين دي عشان في الآخر ما تتعبش في الكشف؟ خدوه للأسود اللي مربياهم ورا البيت، جعانين بقالهم 3 أيام مكلوش دكاترة حمير.
بعدها على طول اكتشفت تطبيق فيزيتا إلهي ربنا يبارك لهم، دوّرت عليه لقيت دكتور أمراض صدرية قريب من البيت والريفيوز عليه حلوة، قلت أما أجربه مش خسرانة حاجة. رحت له –من ورا أمي.. دي لو عرفت ح تأكلني أنا للأسود!- وبعد استطلاع التاريخ المرضي والكشف وإبداء التعاطف اللازم، قال لي آه عندي حساسية صدرية، ولازم أروح لدكتور أنف وأذن –محترف يفلّسني ده يعني ولا إيه؟- عشان يشوف مناخيري لأن احتمال يكون عندي حساسية جيوب أنفية، وخدي البخاخات دي ومعلش وألف سلامة.
بعد فترة من المعاندة و"ليه يا رب ليه؟"اللي بقيت مشهورة بيها خلاص وسط أصحابي، تريد مارك والله، رحت لدكتور مناخير حلو برضه. الدكتور ده بقا حكاية: في شارع جسر السويس وبالتالي بعيد عني ومشواره مقرف، بس دقيق جدًا في كشفه وفي أسئلته، وبيقعد يشرح لي ليه الالتهاب ده جه وليه الجيوب الأنفية مبنعرفش ننضفها كويس ويعني إيه أذن وسطى، وهادي جدًا وكل دُعابة والتانية بتطلع من نافوخي، مع إنه ما يبانش عليه.. "عملتي إيه في مناخيرك يا رزاااااان؟ ما أنا كنت سايبها كويسة!""قلت مية مرة ما تحطيش حاجة في ودنك، أهي بتشتكي لي حرام عليكي""هو إنتي بتستعملي البخاخة إزاي بالضبط؟؟؟؟؟!""إيه الشوكة الرنانة بتضّحكك؟"–ما إنتا ما تحطهاش جنب ودني عشان بتزغزغني! جايب لروحك الكلام- لدرجة إنه، تلقائيًا كده، أول ما يشوفني داخلة عليه أوضة الكشف يضحك. يضحك الأول وبعدين يحاول يتماسك ويسلّم عليا..
-الناس دي غريبة أوي!-
 وكده تقريبًا، مع بقية التخصصات والدكاترة اللي باروح لهم: بقيت بادخل يكتموا الضحكة الأول ثم يحاولوا يسمعوا الشكوى "ها عملتي إيه المرة دي؟""مش أنا والله يا دكتور ده همّا" It’s not me, it’s barry.
.
الحقيقة أنا متشكرة لتطبيق فيزيتا لأنه عرّفني على أغلب الدكاترة الحلوين اللي متابعة معاهم لغاية دلوقتي ومتمسكة بيهم بقوة رغم إن الكشوفات عمّالة تغلى كل شوية تغلى والتعويم ما خلّاش والدعم ما خلّاش برضه، عشان كده نفسي أهاجر لبلد فيها التأمين الصحي مجاني ولكل الناس، لأن يعني مش معقولة كل ما أقبض أي فلوس مقابل شغلي أفرح لأن "هييه فلوس الدكاترة والأدوية جات!"عشان والله في الحياة أشياء كثيرة أخرى غير المضادات الحيوية وبخاخات الحساسية اللي بـ300 جنيه وقطرات العين المستوردة والضرايب زادت والجمارك توّحشت وبقيت بجيبها بتمن حمولة جملين من الياقوت الأحمر.
.
أنا مبسوطة والله إني تقدمت في المسألة دي. خلاص عرفت إن صحتي تعبانة على طول تقريبًا –كلهم بلا سابق اتفاق عايزيني أسافر برة مصر –ومرجعش- لأن الجوّ برة أقل تلوثًا.. طب روحي البحر الأحمر، جرّبتي البحر الأحمر ومعجبكيش؟- وتقريبًا مفيش فايدة، وهيا دوامة من "تعبت فا رحت للدكتور وإداني دوا وجبته.. أشوف بقا الحياة ممكن يتعمل فيها إيه تاني". باقول تقدمت لأني في الأول كنت "ليه يا رب ليه؟ ليه أنا أعيا ليه ده أنا مبحبش المرض"على أساس إن فيه ناس بتفضّله بالزيت والكمّون مثلًا، 3 مرات قبل الأكل وبعده.
واتطورت كمان من مرحلة الإنكار: أسيب الحالة لحد ما تتفاقم، ضهري لحد ما يورم ويمنعني من الحركة، رقبتي لغاية ما تتصلب وتهريني صداعات نصفية، إلخ. أنكر إن عندي شيء يستدعي الذهاب للطبيب، وأقعد أقول "أنااا تمااام"بصوت موشو في فيلم مولان، وأكمل في حياتي عادي. أنا أعرف ناس كتير كده، في حياتي الشخصية شفت كتير أوي منهم وفاهماهم شوية لأني كنت في نفس الحالة، لكن اللي مش قادرة أفهمه هو التالي:
"إيه ده إنتي بتروحي للدكاترة وبتشتري الأدوية وتحطي قطرات وتغيّري مقاس النضارة وتعملي علاج طبيعي وبتروحي للدكتور النفساني؟ إيه ده إنتي ضعيفة جدًا، مش عيب عليكي؟"
والحقيقة أنا مش عايزة أردّ ع الكلام ده لأن القباحة وحشة، لكني خلاص الحمد لله فهمت إن المرض الجسماني أو النفسي مهواش ضعف ولا عيب. التقبّل حلو، بيخليك تشوف الخطوة الجاية إيه وتعملها، تاخد الدوا وتمارس الرياضة وتاخد الفيتامينات وكفى الله المؤمنين شر القتال، ح توجعوا دماغي ليه؟
 .
لكن، في واقع الأمر، أنا عايزة أفخر بنفسي في حاجة تانية، وكتابة الحاجات دي بتبسطني، لأني بانسى جدًا جدًا، والكتابة بتساعدني أفتكر.
أنا مبسوطة إني باشيل نفسي في أغلب الحاجات. لما كنت قاعدة في شقة لوحدي السنة اللي فاتت، عييت جامد –نزلة شُعبية عادية من نزلاتي اللي متعودة عليها، حبايبي باربيّهم جنب الأسود- رحت للدكتور واشتريت الدوا وروّحت. 6 أيام باعمل فيهم لروحي شوربة، لا مسلقتش الفرخة عشان أنا مش بانوّر في الضلمة للدرجة دي، كنت بعملها بمرقة ماجي عادي، مبخافش منها. 6 أيام شوربة عصفور وشعيرية وشوفان لغاية ما زهقت، بطني ماعت حاجات سخنة، بس لما خفّيت الحمد لله قمت من على المرتبة –مكانش عندي سرير ساعتها- وقست درجة حرارتي لقيتها 36.5 فرحت أوي أوي، واستحميت وخرجت في الهوا على سبيل الاحتفال ووروني بقا أنا ولا الباكتيريا وكده.
بس من ساعتها عرفت إنه "إيه دااااااا؟ ده أنا ممكن أعمل لنفسي الحاجات!"وفي كل النزلات الشُعبية التالية، باقوم بالفوطة فوق دماغي عشان تنزّل الحرارة وأحط المية تغلي بينما أبحث عن البهارات/مكعبات ماجي أو أي شيء ح أشربه بالمية المغلية دي. خلصت.
أنا جاية من عيلة تاريخها حافل بـ"آآآآآآآآه عيان ح أموووووووت، إعملّي كذا وكذا"بداية من هاتلي مية نهاية بياريت تصلّحوا أحوال العالم عشان مزعلني وأنا راقد كده، ح أموووت، بينما الحكاية كلها نص درجة زيادة في ميزان الحرارة. عشان كده لما اكتشفت إني أقدر أعمل لنفسي وبنفسي اللي محتاجاه، ده كان فتح عظيم، إلا لو طبعًا مش قادرة خالص.
أنا مش بزايد على حد، لكن الاستموات اللي شفته والاعتمادية الزايدة على أمي عشان هيا دكتورة وبتفهم، كرّهني في نفسي وعيشتي، ومش حابة إنه يتكرر تاني.
.
بس كده خلاص، تكتكة الكيبورد جابتلي صداع –ح أعمل فرح يوم ما ألاقي كيبورد مبتعملش صوت- وصدعتكوا وفقدت اهتمامكو من أول 3 فقرات مثلًا، بس نكتة الأسد عجبتني قلت أكررها :D
وهذه كانت حكاية الست الهبلة اللي بتفرح لما بتعرف التشخيص. ربنا يشفينا جميعًا ويخرجنا من هنا على خير.
19-3-2019

"وهو العمر فيه كام يوم، عشان ما يفوت على دا الحال؟"

$
0
0
أرسل اليوم تسجيلًا صوتيًا لصديقي "أنا أحارب الموت في كل لحظة، ومن أجل هذه الحرب، كل شيء مباح."
.
"We are insane but not alone,
We move along and let go."
.
أحادث نفسي قبل النوم، كثيرًا ما أفعلها. أتخيل الأمر كأنه ترتيب للدفاتر: طوال اليوم هناك مشاعر وأفكار وصور وقرارات أتخذها، كلها تجتمع داخل عقلي وربما لا أتعامل معها، لكن قبل النوم عليّ تفريغ كل تلك الحصيلة عشان إيه؟ عشان نعرف ننام، وإلا هاجمتني الكوابيس وأصبحت أكثر ضراوة مما هو حادث بالفعل.

أمس، قبل النوم، كنت أحادث نفس الصديق، في عقلي، وأخبره عما فعلت يومها. كنت أخبره بالنظرية اللونية، أو هذا ما أسميتها به: أصبحت، في تلك الفترات البسيطة قبل عمل المنوّم وإسكات عقلي بطريقة "اتهدّ بقا!"لو طرحت على نفسي سؤالًا، تجيبني بلون ما. حدثت ثلاث مرات إلى الآن: مرة في أزمة صديقتي، وكان اللون بنفسجي فاتحًا ممتزجًا بالوردي، والثانية حينما كانت مشاعري مجروحة جدًا ومضطربة بسبب الـPMS، وكنت أسأل صديقًا لي عن "وإيه العمل؟"فجاء الردّ لونًا أخضر غامق ممتزج بأزرق البحر، أغمقه، وناعمًا كالقطيفة. يومها نمت بعمق بالغ، صحيح أنني استيقظت فجأة، لكن عمق النوم جعلني أغفر لعقلي ما حدث بعدها.

المرة الثالثة، أمس، كنت أقول "أنا باحارب الموت في كل لحظة"وأكملت ببكاء حقيقي ومحاولة مني للهرب من نفسي، في الواقع "أنا مهربتش، أنا مسبتهمش"ثم طردت الفكرة من ذهني. هنا، جاء الأصفر في شكل زهرات صغيرة متكوّرة على نفسها، وفي طريقها للتفتح. أزهار كثيرة جدًا، في حقل أخضر، كلها على وشك التفتح، وكنا نراها أنا وصديقي ونبتسم، ثم نمت.
.
أعاني مع نومي، فعلى الرغم من اعتمادي المطلق على المنوّم الوحيد الذي قبل بالعمل لأجل مخّي، تأتي أحيان يرفض فيها القلق تركي، فيتحوّل أرقي لأشياء كارثية ترغمني على بذل مجهودات إضافية في تهدئة نفسي كي لا أفتح النافذة وأقفز منها ببساطة. في الأيام الماضية، صرت أتساءل عن مدى ألم جرح ساعدي وتركه لينزف حتى النهاية، ثم أرجّ رأسي كي أعود لصوابي: هذا ليس خيارًا مطروحًا من الأساس! فوقي بقا أنا زهقت.

أحيانًا، وعندما لا أكون منتبهة على الإطلاق، أقول أشياء مثل "مبعرفش أجري، مبعرفش أتنفس"بما يشبه الصراخ أو الاستغاثة. أمس كانت "أنا مسبتهمش، أنا ما مشيتش". تحوّلت "عقدة الناجي"لديّ لشيء متجذّر، شيء يكاد يصبح أصيلًا مثل ذراع ثالثة أو خصلة إضافية من شعري، ترفض السقوط أو المغادرة. لا أصدق أنني ما زلت أشعر بالذنب على أشياء لم أرتكبها. لكني لا أؤنب نفسي: ما زال طريقي في العلاج طويلًا وصعبًا ومكلّفًا وأنا شخص مفلس، ليس أمامنا سوى الانتظار والأمل في الأحسن.

منذ عدة أشهر رأيت صديقًا عزيزًا، لأول مرة منذ 8 سنوات. آخر مرة رأيته فيها كان مجروحًا ونازفًا ونظارته معووجة على وجهه، وعندما سلّمت عليه كدت أصيح به مدهوشة "إنتا بقيت كويس أهو!"لم يسجّل عقلي الثماني سنوات، أو أنها كافية لشفاء جرحه وعدل وضع نظارته على أنفه. عقلي يحتاج لتسجيل المعلومات فيه يدويًا، مثل الكمبيوتر، ببساطة.
.

أخبر صديقي العزيز بأنني أحارب.
بصعوبة بالغة، امتلكت شجاعة استثنائية وهائلة دامت لثانيتين، كتبت فيهما على الفيس بوك أنني أشعر بالموت من داخلي، ينبع من داخلي، وأنني كقشرة متحركة لكن ما بداخلها أجوف. هربت الشجاعة وعدت للتواري: آخر مرة اعترفت فيها بذلك -من سنين- كانت أيامًا سوداء، كنت جريحة وغاضبة ومنفعلة ولا أرى خيرًا في أي شيء. حاليًا، مدهوشة من أنني ما زلت حية للآن، بعد كل هذه السنوات، بكل هذه المشاعر والطبقات المدفونة في أعماقي. عندما شاهدت فيلم Inception لأول مرة في السينما، خرجت منه مبهورة "الله الخيال ده حاجة حلوة أوي!"بعد سنوات كبرت فيها وتعقدت حياتي، صارت أحلامي مركبة ومتنيلة بنيلة، الآن لا أستطيع مشاهدته لأنه أصبح فيلمًا وثائقيًا لمشاكل نومي: كفاية شكرًا مش عايزة.
.
"الصبر ده مش بإيديا."
.
"وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار."
.
منذ فترة طويلة، قلت لطبيبي النفسي إنني مبتلاة بداء يجعلني أرى التفاصيل ودقائق الأشياء: لمحة عين، لون شريطة الشعر في مشهد دام على الشاشة 3 ثوان، أصص الزرع الناشف في ممرات الشركات الباردة، "انحناءة موسيقية"في أغنية طويلة، فيما بعد لا أستمع لها وإنما أقطع تلك الانحناءة -شكرًا لتطبيقات الإنترنت- وأحتفظ بها عندي، كل شوية أسمعها، لذلك مكتبتي الموسيقية متفردة عن أي شيء يملكه الآخرون. شكوت للطبيب بحزن وكآبة بالغتين أن لي عقلًا يسجّل كل شيء، لدرجة تجعل التنفس عسيرًا، لدرجة إصابتي بنوبات متتالية وبالغة العنف من الصداع النصفي، لدرجة جعلتني ألازم البيت أغلب الوقت، وأتجنب الأماكن المفتوحة أو الجديدة خاصة لو سأخرج مع أناس لا أستريح معهم، وأكثر تعقيدًا لأني مصابة برُهاب الأماكن المفتوحة Agoraphobia ومن العسير جدًا عليّ ألا أجد جدارًا، في أي مكان.

ما لم أكن أعرفه أنني كنت أصف عين الكاتب: هذه موهبة عظيمة، لو أحسنت استغلالها سأكتب جيدًا، سأرضي نفسي وتطلعاتي بالكتابة، وربما، سأخرج أخيرًا من هذه البلد.
.
أحارب الموت دائمًا، ينبع من داخلي وأحاربه: أضحك بصوت عالٍ حتى إن أصدقائي صاروا يهنئونني "مبروك، شوية وح تبقى ضحكتك رقيعة! البنات لما بتوصل للمرحلة دي من الثقة بتبقى مش عايزة حاجة تانية من الدنيا"وأتفق معهم تمامًا. أشرب النسكافيه بالمزيد من السكّر بعدما لاحظت أنني أفضّل قهوة أحد أصدقائي المقرّبين، وأشرب من فنجانه، لأنه يضع فيها 5 ملاعق سكّر!

أضع الكثير من الماكياج، أقضي الوقت في محاولة معرفة الحِيل الجديدة، وأنسى دائمًا أي الفرش أصلح لأي شيء، وماذا يوضع قبل الآخر إلخ، لكني أجتهد. منذ عدة أيام قلت لنفسي أي فتاة يمكنها مواجهة العالم لو امتلكت مجموعة من الفرش الرائعة، متقنة الصنع وسهلة الاستخدام، لتضع المكياج بعناية ودقة. يومها كنت أستعد للخروج، فوضعت 3 ألوان من أحمر الشفاه وفوقه "ملمّع"يستخدم بالأساس أسفل الحاجبين، ونظرت لنفسي في المرآة وهنّأتني: يمكنني الآن النزول بثقة!

في أغلب الأحايين هناك صوت تكسّر ينبع من داخلي: أشياء تتشقق ثم "كراك!"عنيفة وتبدأ أعماقي في التكسّر. أحيانًا يؤدي هذا الأمر لنوبة صداع نصفي قوية، وأحيانًا لنوبة هلع أنحني فيها على نفسي وأمسك بذراعي بقوة كيلا أصرخ فيزيد الصراخ الأمر سوءًا، وأحيانًا تذهب وحدها. يأتي الخوف الفجائي، أو التكسّر -وكلاهما مختلفين- في أكثر الأوقات عادية: في وسط تدوينة أكتبها، أو أطباق أغسلها، أو وأنا ممددة على السرير استعدادًا للنوم ولم أضع البطانية على جسمي بعد. يتصاعد التشقق كأرض تُركت للجفاف طويلًا حتى تحوّلت لقشور تتطاير مع الهواء، وينكسر ما تحتها، عميقًا وسريعًا، يزداد خوفي وأوشك على الصراخ، ثم يهدأ كل شيء، فجأة.
.
تغنّي أم كلثوم دائمًا للعلاقة بين المحبّين، أغلب الناس يفعل، كل الأفلام تقريبًا، تتحدث عن نفس الشيء. ما أعرفه على وجه اليقين أن العلاقة مع النفس أطيب، أفضل، واستثمار يعيش أكثر. أبذل الجهد لأحبني أكثر.
.
في الحب والحرب كل شيء جائز.
كل الألوان جائزة، كل النباتات مرحّب بها. قصّات الملابس الجديدة، الفناجين الملوّنة، الأقمشة القطنية الناعمة، أطنان الشوكولاتة، الضحكات العالية المقتنصة من قلب المعركة، قطرات العين الغالية والمقاومة للحساسية، الأفلام الجديدة والقديمة، ريكس هاريسون وماجي سميث وجودي دينش وإليزابيث ماكجفرن أهلًا وسهلًا بهم وأكثر، السينما والألوان البراقة على الشاشة الكبيرة، الروايات الجميلة -لو استطعت التركيز وفهم تتابع الأسطر- أجمل من الواقع، الأحضان القوية والطويلة، الشعر الذي زاد طوله وكثافته وأصبح مصدرًا للفخر -ربنا ما يحرمني من زبدة الشيا أبدًا!- وكريمات اليدين ذات الرائحة الخفيفة، والعطور التي لا تهيّج الحساسية، ومكالمات التليفون الطويلة جدًا وتبادل الوصفات العجيبة -كيك بلا بيض؟ إزاي دي؟- وألوان المونيكير الغريبة، وشِعر محمود درويش ومحمود عزّت وعلاء خالد وأحمد العايدي والمزيد، وأكثر من ذلك، الكثير جدًا، أكثر من ذلك مرحّب به.

في وسط كل هذه المعارك التي أخوضها، في كل مرة يظهر لي صوت من داخلي ليقول "مش ح تقدري"أو "عمرك ما كنتي كفاية"أقول أنا، بنبرة واعية أحاول أن تكون قوية "أنا جميلة جدًا، وأقدر، وكفاية، وقوية، وذكية. أنا جميلة جدًا، وناوية أكمّل."

في كل يوم أنتصر فيه على الموت، وأذهب للنوم منهكة لأسأل نفسي "عملت إيه النهاردة؟ مجرد يوم وعدّى، كأني باعيش عشان أجمّع الأيام اللي ملهاش لازمة ولا شكل ولا طعم"أردّ "أنا، النهاردة كمان، انتصرت على الموت. انتصرت، وده كفاية."
.
روز
3-4-2019

عمود لا يكّف عن التأرجح

$
0
0
الأسبوع اللي فات كان ضغط شديد جدًا عليا، في البيت والشغل والمصاريف ومآسي عائلية وقلة نوم وسدة نفس عن الأكل إلخ، بشكل كان قاسي لدرجة إني مش متخيلة إنه انتهى وإني عدّيته سليمة.
بس في وسط كل ده، كل ما أشك في نفسي أو في قدرتي على ممارسة المهام المطلوبة لأن ببساطة مفيش غيري يعملها، كنت باقول لنفسي كلام حلو وتشجيعي من عينة "إنتي تقدري، إنتي جميلة وحلوة، تستحقي الأفضل"وهكذا.

النهاردة حسيت إن ده كان كويس: بقالي فترة طويلة باندب إن مفيش أدوية تقدر تساعدني، وإن "لو بس فيه قرص أو حباية آخدها تسكّت عقلي وأعرف أنام!"أو "لو بس قرص يضيّع التوتر ده كله عشان أقدر أخلص المشاوير اللي ورايا!"وأقعد أتحسّر إني resistant وإن عقلي لا يقبل الدواء وأزعل بقا وأتحسّر وحاجة نيلة خالص.

بس اللي أدركته إمبارح وأنا في قمة تعبي والساعة 1 بعد منتصف الليل من يوم شديد الإرهاق بشكل خرا، إني مينفعش أحط اعتمادي على شيء ممكن يشتغل أو ممكن لأ.

مينفعش أعتمد على دوا، بشكل كبير مفعوله بيبطّل بعد فترة، ومحتاجين نغيّره أو نستنى يخترعوا دوا جديد لأن هذه طبيعة الأشياء ولسه ما توصلناش للسحر الخيّر اللي ح يخلّي الأرض ترفل في سلام دائم. فكّرت إن الاعتماد على الدوا ح يضعف قدرتي على التصرف في الأزمات، لأني دايمًا باقول لنفسي الأزمة هيا اللي بتطلع "دواير"جديدة للتصرفات، وباراقبها أشوفها ح تتصرف إزاي. مينفعش أعتمد على دوا إنه ح يخليني أهدى بحيث إني أبطّل أحاول أهدّي نفسي وأبذل مجهود لتغيير نفسيتي واستجابة مخي للمؤثرات الخارجية والكلام اللي بيدور جوة عقلي اللي كله سلبي "مش ح تقدري، مش ح ينفع، ما تستاهليش، ده إحنا اتمرمطنا أوي وإحنا صغيرين، أنا أستاهل الشفقة وإن حد غيري ياخد باله مني، إلخ"وأبطّل أحاول أواجهه، معتمدة إن الدوا شغال وكله سليم وباروح الشغل وأخلص اللي ورايا، بابقى functioning يعني، بشكل يرضي اللي حواليا وأبقى "مرضية للتوقعات"وبادفع فواتيري وأسدّ ديوني وكله عال، وجوايا خربان.

ده اللي كان ح يحصل وده اللي كنت باعمله من قبل كده وفيه قابلية قوية جدًا جوايا إني أمشي على نفس الأسلوب وأستمر فيه لما لا نهاية طالما "الدنيا ماشية أهو، عايزة إيه تاني؟"خصوصًا إني شخصية اعتمادية وباميل بشدة وعنف لإني أكون رد فعل، مش فاعل.

اللي مأخدتش بالي منه طول الفترة اللي قضيتها شكوى وندب ونواح دي، إني كنت باعمل الصح: كنت باعتمد على نفسي، بقيت الحيطة بتاعتي.
.
طول عمري مكانش عندي حيطة أتسند عليها، مكانش فيه علاقات قوية تحسسني بالأمان، الأهل، رغم إنهم موجودين، بس مكانوش بيدّوا دعم مطلقًا ومن أي نوع ولا بأي كيفية، حتى مكانش فيه أمان مادّي ودايمًا فيه خوف مستمر من الجوع -هما مش  فقرا، بس بيتصرفوا كإنهم فقرا، وفيه غباء مبالغ فيه في ترتيب الأولويات- خلق جوايا إحساس بالتزعزع وانعدام الثقة، خوف مستمر ومفيش أمان على الإطلاق. مكانش عندي حيطة أتسند عليها بس كده. عشان كده مؤمنة تمامًا إن العلاج النفسي قبل الإنجاب مهم جدًا، عشان محدش يربّي عياله على العقد اللي اتربى عليها، لأن إت هابينز يعني إن العيال "أشخاص"وجودهم ثمين جدًا لدرجة إننا نحافظ عليهم بكل صورة ممكنة.

اكتشفت إمبارح بالليل بين النوم والصحيان ومخي وارم جدًا من كتر الإرهاق، إني بقيت الحيطة اللي ممكن أنا أتسند عليها.

الأشخاص وجودهم مش دائم، والأدوية مفعولها مشكوك فيه، والظروف نفسها بتتغير والفلوس قيمتها بتقلّ والحرّ بيزيد إلخ، فالاعتماد على أي مصدر خارجي أيًا كان إنه يديني الأمان مش شيء عقلاني أو خيار آمن أو فعّال، كده أنا باهرّج. الاستثمار الحقيقي إني أقوّي نفسي وأبنيها كويس من أول وجديد، أعتمد عليها إنها تسندني وتدعمني. "أنا"هو الوجود الوحيد اللي ح يفضل معايا موجود في كل وقت وكل حتة وكل الظروف حتى وأنا وعيي بيتسرّب مني أو وأنا نايمة أو وأنا مسافرة أو عند الدكتور باكشف أو أي ظرف آخر، أنا بكل تصرفاتي والحاجات اللي باقولها لنفسي والاعتقادات اللي مصدقة إنها صح عنّي، كل الحاجات دي، كلها، اللي أقدر أعتمد عليها في المقام الأول والأكثر أهمية.

اكتشفت إني في الفترة اللي فاتت كنت باستثمر في نفسي، ودي جملة باقولها كتير لأن دايمًا عندي قلق إني "ما بتشتغليش ما بتعمليش حاجات صح ما بتجيبيش فلوس إلخ وبالتالي بتضيّعي وقتك"بس أنا مكنتش باضيّع وقتي.

حاجات قد يراها البعض تافهة، زي إني أبص في المراية وأفرح جدًا إن شعري ابتدا يطول بعد سنتين من قصّه كل شهر عشان يبقى ألا جارسون، ولما أشوف صديقي اللي شعره طويل وناعم أضحك معاه إن شعره أطول من شعري، ابتدى دلوقتي يطول فعلًا، ولاقيت إني ممكن أربطه بأستيك ورا راسي! ده كان اكتشاف خلاني فرحانة جدًا وأدخل في حالة يوفوريا كده عظيمة. شعري بقا كيرلي ملولو كده والله حاجة تشرح القلب جدًا، لدرجة إني بافكّر بابتهاج إني أقدر دلوقتي أدلّعه وأشتريله توك ملونة وكلبسات وحاجات كده صغيرة وعلى جنب وفيونكات والله بقا :))))

ده إحساس عظيم، بعد سنين طويلة من معاملة سيئة فشخ لشعري من أمي، ثم منّي، ثم قصّه والتعامل معاه كإنه شعر مساجين أو في معسكرات اعتقال. كفاية بقا، كفاية.
.
عشان كده كل كلمة حلوة مني لنفسي بتفرق.
وسنين وعلاج نفسي وجلسات طويلة وفلوس تتدفع عشان أوصل للمرحلة دي: أصدّق في الكلام الحلو اللي باقوله لنفسي. سنين برضه، من تحويش الكلام الحلو اللي بيقولهولي أصدقائي الجُمال جدًا، واللي بانساه لأن خلاياي العصبية بترزح تحت ضغط عنيف بيخلّي التذكّر ده رفاهية من بتوع الطبقة المخملية كده -inside joke :D- فا باكتبه مثلًا، وأعلّقه جوّة الدولاب -المكان الوحيد المسموح لي إني أعلّق فيه حاجتي، ومش متضايقة- وكل شوية أقراه فا أستغربه "اتقال لي إمتى ده؟؟!"وبعدين أصدّق فيه وأنبسط منه ثم أنساه وأقراه تاني وهكذا. أفضّل أحوّش في الكلام ده وأعيد إنتاجه جوّة مخي في كل المواقف الضاغطة وهي كثيرة، أو المواقف العادية حتى، ونجاتي من نوبات الهلع تأتي برعاية صوت اثنين من أفضل أصدقائي، بيتكرر جوّة مخي وباقوله لنفسي بحيث إني أسيّطر على تنفسّي والنوبة تبتدي تخفّ أو تروح، ومحاولاتي إني ما أستسلمش للألم أو اليأس أو "أنا عايزة أخلص من حياتي بقا"أو نوبات الإغماء، تأتي برعاية ناس كتير جدًا وحلوة فشخ وأنا الحمد لله محظوظة لدرجة لا تصدّق إنهم موجودين، لسه موجودين، في حياتي.

دلوقتي أنا حاسّة إن لو الدكتور النفساني بتاعي قرا الكلام ده عينيه ح تدمّع ويحس زي موشو في فيلم "مولان": "بنتنا كبرت وبقيت ضابط" :D
.
الكلام اللي ابتدى بإنه ستيتس قصيرة ما شاء الله فرَد واتمطّ وبقا تدوينة بحالها، معلش بقا ح نتعب حضراتكم في القراية، والكلام مش بفلوس عامةً :) بس أنا مبسوطة باللي كتبته، وباللي وصلت له لحد دلوقتي، وإني مبضيّعش وقتي بالعكس، أنا باعيد بناء نفسي عشان أقدر بعد كده أسندني، في كل وقت.
.
روز
12-4-2019

Free falling

$
0
0
شغلتني في الفترة السابقة أسئلة كثيرة جدًا: هل أنا في الزمن الصحيح؟ وماذا أفعل هنا؟

طوال الوقت، في الأونة الأخيرة، كلما أغلقت عيني أرى أنني أسقط. بنعومة وهدوء تمامًا، وعينان مغلقتان، أسقط. كأنما هناك قوة مضادة للجاذبية، أو مراوح عملاقة تأتي من الأسفل، تدفع بهوائها القوي لتمنع سقوطي المفاجئ وارتطامي العنيف بالأرض. لو ارتطمت فجأة، كما يحدث في عالم الواقع، لما كان هناك قصة أرويها. سينتهي كل شيء قبل تسجيله وإشهاد الزمان عليه.
.
أشعر بالإرهاق. هذا ما سيطر عليّ طوال العام الماضي كله تقريبًا، والعام السابق عليه، والأسبق، وهكذا. شعرت بأشياء كثيرة جدًا في تلك الأثناء، لكن ما يسيطر عليّ أكثر مما عداه، هو الإرهاق.

في الأسبوع الماضي أركض وبقوة للحاق بكل شيء آخر، لمحاولة فِعل ما أريد وينبغي عليّ ومطلوب مني فعله. أصاب في السكّة بنوبات متتالية وعنيفة من القلق والهلع ويتحوّل نومي لمزيج سيريالي أخضر يراه مدمنو حبوب الهلوسة، عدا أنني لم أطلبه. صارت محاولاتي للهدوء مستحيلة تقريبًا، كل محاولة لالتقاط أنفاس عميقة لتهدئة ضربات قلبي تؤدي للمزيد من القلق. في النهاية قررت جمع أشيائي والسفر.

سافرت من أجل بعض الهدوء، من أجل تعليم قلبي كيف يدق بطريقة إيقاعية منظّمة تبقيني حيّة وليس متوفزة على الدوام. أحاول التنفس بعمق، من ساعتها.

أغمض عيني مرة أخرى وأراني أسقط، بنعومة كأنما تحيطني وسائد من ريش.
.
أتساءل طيلة الوقت: هل أنا على حق؟ هل أنا مصيبة؟
في كل محاولاتي السابقة، والتالية حسبما أعلم، أقطع الصلات المؤذية. أضع الحدود: هذا يصح وهذا لا، لا تفعل هذا معي، لا تكلمني بهذه الطريقة، لا يمكنك أن تقلل من شأني بعد الآن. أحمي قلبي، أحاول قدر المستطاع وزيادة أن أحميه، فثمن إصلاحه مرتفع للغاية.
أعرف مثلًا أنني لا أريد السفر مع عائلتي، إلا في ظروف محددة وبشروط معيّنة. هناك حدود لما يمكنني تحمّله رغم أنني أتظاهر بالقوة طوال الوقت، وأعرف أن ظهري للحائط لذلك عليّ حمل درعي ومواصلة التقدّم. لا أريد أن أكون في مكان واحد، في ظل ظروف قوية وتحطّم الأعصاب، مع أشخاص لا يعرفون كيف يتحكمون في مشاعرهم أو يعبّرون عنها أو حتى يعرفون أن ما يحسّونه يسمّى "كذا وكذا"وعليهم التعبير عنه لحلّ المشكلة، لو كانت هناك واحدة. لا أريد المزيد من الانهيارات.
.
أتساءل: هل أنا في الزمن الصحيح؟

يقول آندي ميلر في كتابه "سنة القراءة الخطرة"أنه وجيله كانوا محظوظين جدًا، فقد ولدوا في زمان لم يكن التلفزيون منتشرًا ولا كانت القنوات الفضائية أو الإنترنت موجودين أصلًا، لذلك اعتمدوا على القراءة لتسلية الصغار، ثم كبر هؤلاء الأطفال ليصيروا كتّابًا ومحررين بدورهم. أتنهّد قليلًا ثم أتحسّر: آه، لقد كان طفلًا في السبعينات. ثم أتذكر: وطفولتي كذلك لم يكن بها إنترنت وتقريبًا لا فضائيات!

هل أنا في الزمان الصحيح؟
للنساء حق التصويت والتعليم، وهناك إنترنت يمكننا عبره الحصول على مزيد من العِلم. الكتب منتشرة وبقوة، وهناك حرية واضحة في ارتداء ما نريد ومقابلة مَن نبغي، مقارنة بالقرن التاسع عشر مثلًا. هل هناك أزمنة أحسن مما نعيشه؟ بالطبع. هل أتحسّر على أنني لست فيها؟ لا.
.
سفريتي الأخيرة، رغم أنها دامت 5 أيام بيومي السفر الطويل، جعلتني أدرك مساري في سياق زمني الخاص. طوال الوقت تحدث أشياء، ثم بعدما تنتهي، أدرك أنها "ياااه! أنا كبرت أوي ونضجت في فترة كذا وكذا!"ثم أتحسّر على انتهائها وأنني لم أدرك ذلك حينها. الآن أتوقف عن التحسّر.

أعرف أن أشياء عظيمة ستحدث، مصائب وتغيرات شخصية وعائلية وقومية، ستتغير للأسوأ. سو وات؟ المصائب دائمًا تقع، علينا فقط أن نعرف كيف سنتصرف حينها، ليس أكثر.

لكني، وبشكل أكثر يقينًا، أعرف أن أشياء جميلة جدًا جدًا، ومبهجة، على وشك الحدوث.
وفي هذه المرة، أعرف ذلك لأني مَن سيحاول، وبكل قوة ووسيلة متاحة في ظل "هذه الظروف العصيبة"، أن آتي بها. أنا من سيجعلها تظهر للوجود، وبإذن الله ستفعل. الله معي، الله راعيّ، الله ينظر إليّ.
.
مجازات السقوط مغمضة العينين، يمكنها أيضًا أن تُفسَّر على أنها تحليق ناعم. وصول للقاع ثم ضربه بقوة هائلة، وتصميم، كي نصل للسطح، ثم نكمل التحليق.
لهذا عندما شاهدت فيلم "كابتن مارفيل"في السينما، شعرت بالذهول: هذه أنا! كيف يمكن.. يعني أنا! لكني جالسة هنا، كيف يمكنني أن أكون على الشاشة في نفس الوقت؟! لكن، كيف..!
أومن عميقًا أنها تشبهني، رغم أنني لا أملك شعرًا أشقر طويلًا ولا ابتسامة ساحرة.

كل ضربة للقاع تشكّل مخزونًا جديدًا، يُضاف لما نملكه بالفعل من قوة، حتى نستطيع توجيهه لصدور الأزمات، وننتصر عليها، جولة بعد الأخرى.
.
روز
25-4-2019

عن الناس بتوع القوايم وعودة الناظر من أجازته الشتوية

$
0
0
النهاردة يوم مميز، فقلت لازم أكتب عنه.
.
مبدئيًا ولأني ح أنسى، فأنا الحقيقة أحب أحتفل معاكم -قرّاء المدونة، اللي باحس إني باخاطبهم بصيغة "Dear void"زي في فيلم "You've Got Mail" :D- ومع أصدقائي لما أشوف خلقهم إن شاء الله، بعودة السيد الناظر. ولمن لا يعرف، فإن الناظر، وهي ترجمة رديئة لـCommentator اللي هو كان زمان جدًا أيام شكسبير مثلًا، شغلانته بيعلّق على المسرحيات وكان دايمًا مكروه، فإن الناظر في حالتي بقا هو الشخص اللي جوة دماغي وبيصحّيني من الكوابيس.

بداية، أنا بيجيلي كوابيس كتير، وبداية برضه، ده أمر لا يمكن التحكم فيه، تقريبًا. ثانيًا، فيه شخص جوة دماغي بيصحيني كل شوية بصيحة "إصحي يا رزان ده كابوس!"أحيانًا بيزعق كده، وأغلب الوقت بيقعد يقول بملل "يا دي النيلة! تاني؟ إصحي يا رزان إصحي كفاية بقااااااااااع"وده أسلوبي عامة في الزعيق وأنا صاحية.

صديقي العزيز تامر بيقول لي إن ده منتشر عند الناس اللي عندهم رغبة عنيفة في التحكم -control freak بحسب تعبيراته الرقيقة- وقرأت أكتر من مرة إن فيه مستويات في الأحلام، وكلما زاد المرء تحذلقًا وتعقيدًا للأسف زادت أحلامه تعقيدًا برضه وتنييلًا بنيلة.
أنا باحمد ربنا على الناظر ده، جميل والله وبيصحيني. البديل إني أفضل في الكابوس للآخر وده شيء بشع ومقيت، لأن كوابيسي عايزة الحرق كده: مقرفة وبترعب وباصحى منها عايزة أهرب أو أموت عشان ما أشوفهاش تاني.

مؤخرًا للأسف غادرني الناظر. أنا زعّلتك في حاجة؟ صدر مني تعليق وحش ولا كلمة خارجة أذت شعورك؟ طب ده أنا نسمة، عمري طلبت منك إيجار ولا قلت لك ارحمني بقا من الطريقة المتعالية الزهقانة اللي طول الوقت بتكلمني بيها؟ قاعد واكل شارب نايم شغلانتك الوحيدة تفضل صاحي وأنا نايمة عشان تنتبه لي وتصحيني، حتى دي مش عاجبة اللي خلفوووووك لييييييييييييييه؟!

بس الحمد لله، نقدر نحتفل مع الجماهير الغفيرة بعودة حضرة الباشا سعادة الناظر ابن الكلب، وقد سجّل حضوره أمس وأنا نايمة باحلم حلم عادي ابتدى يتحوّل لشيء مزعج تمهيدًا للوصول للكابوس، لاقيته قاعد حاطط رجل على رجل في ركن الحلم العلوي الأيسر -التفاصيل دي مزعجة جدًا الحقيقة :D- وهو بيقول لي بزهق "صيريسلي يا رزان؟ Seriously؟"والحقيقة التعليق ده ضحّكني جدًا، لدرجة إني صحيت فعلًا وفقت لمدة ثانيتين وأنا باضحك، قلت فيها "أنا صحيت أهو"وبعدها هوب! نمت تاني نومًا عميقًا بلا أحلام، ومريحًا جدًا الحقيقة الحمد لله :)))
.

رجوع والعود أحمد:
والنهاردة يوم مميز ويستحق التسجيل، لأن حصل فيه حاجتين.
الحاجة الأولى كانت شيء غريب ومدهش بالنسبة لي. أنا، بما إني شخص عايش جوة دماغه أكتر من اللازم الحقيقة، كنت عايزة بقالي وقت كتير جدًا إني أروح أفصّل هدوم جديدة. طول الوقت خايفة من الخطوة دي لأسباب لا أعرفها، والمصحف لا أعرفها. صحيح إني أحيان كتير باقول لنفسي "ح أخرج أهو"وبمجرد تشكّل الفكرة في دماغي بيصيبني رعب شديد جدًا بيخليني أتغطى في السرير وأنكمش على نفسي وأحاول أهدّيني، وده لأني مريضة قلق/أنكازيتي فا ده مفهوم ومتوقع -عندي إحساس كده إن أمراضي بتقرا كتب الطب من ورايا وفي الخباثة بتطبق كل حاجة بتقراها! عيب ده أنا حتى متعوب فيا :(((- لكن في أحيان أخرى الفكرة لا تتشكل داخل مخي وبالتالي مش بانفذها خالص. 

النهاردة قلت لنفسي "لاااااااااااا أنا ح أنزل أهو أروح للخيّاطة"مدفوعة بحماسة الحصول على مصروفي وربنا يخلي لنا ماما ويعمر لها بيتها آمييين. والخياطة، اللي طلعت "أتيليه"ولا إحنا ناس بلدي بقا؟ في مكان أقرب مما توقعت، والوصول إليها سهل الحمد لله، وما بتاخدش فلوس كتير. ها بقا ها؟ فضلت كل ده ما بروحش ليه يعني؟!!

لكن الشيء المدهش مش في ده كله، المدهش إني لما وصلت عندها لقيت في الشارع المقابل كشك جرايد وكتب قديمة.

وهذه الأشياء عزيزي القارئ المنتظر للدهشة، مبشوفهاش كتير. أنا واحدة معرفتي الوحيدة بالكتب تقريبًا هيا مكتبة الشروق وفيرجين في سيتي ستارز -ياعععع- بما إني مبخرجش إلا نادرًا. مبقدرش أروح سور الأزبكية ولا وسط البلد -بقيت محرّمات بالنسبة لي- ولا حتى المعادي، أنا أسهل لي أوصل إسكندرية أتفسح وأعدّي على شارع النبي دانيال أفلّيه كشك كشك، زي ما عملت الصيف اللي فات وطلعت بدرر جميلة فشخ، أسهل من إني أنزل وسط البلد وأتعكّ فيها!

لذا، وصلت، لقيت كشك الجرايد، دخلته وكإني بادخل عالم سحري.

كل المجازات بقا، كل التشبيهات، ابتداء من جوني ديب في فيلم "العثور على نيفرلاند"وهو بيفتح باب أوضته فا بيدخل على غابة وأشجار بينما مراته بتفتح باب أوضتها اللي جنبه على طول وبتدخل على سرير عادي ودولاب وتسريحة، ومرورًا بأليس اللي اتزحلقت في قلب الشجرة لأنها بتتبع السيد أرنب ومستنية تعرف حكايته، وانتهاءً بالبنت اللي كانت واخدة الجرايد والمجلات بجدية، لدرجة إنها كانت بتوصّي بتاع الجرايد يحجز لها الأعداد مخصوص، لأنها بتنزل متأخر عن 6 الصبح بتاعته.

لقيت في الفرشة، على الأرض، جرنان "أخبار الأدب."ذهلت، وتنّحت ومصدقتش إني باشوفها تاني، تاني.
وطّيت رغم ألم ركبتي الساحق، وجبت زي ما كنت باعمل زمان، تاني أو تالت نسخة من فوق لأن الأولانية دايمًا مترّبة. وطلعت.
النزلة والطلعة دي، وإني أحصل على أخبار الأدب في إيدي ونفس الجملة بترنّ جوة دماغي "دي بإتنين جنيه"رغم إنها بقيت بخمسة دلوقتي، رجعت لي كميات ساحقة من الذكريات:
2005 والإصدار التاني من جرنان الدستور، باص عم سيد والوقوف مخصوص عند بتاع الجرايد اللي بعد المطب، يوم الأربع، عشان أجيبها، وكل مرة أتحايل عليه وكل مرة يقول لي "بتقري الحاجات دي ليه"ويضحك ويقف لي عشان أطلع أجري أجيبها ونمشي. ضربة شمس ودعاء العدل وخالد كسّاب وطلال فيصل ود. أحمد خالد توفيق ورسوم فوّاز وناس تانية كتيرة نسيتهم للأسف، والإحساس بالانتماء لناس فاهمة دماغي وبتكتب لي وحابة إنها تكتب لي. الجرايد دي فضلت أكوّمها وكل جرنان أحسه كنز ثمين وهو كان كده فعلًا، لحد ما اتملى تحت سريري كله وماما اعترضت كذا مرة لأن الجرايد بتجيب فيران -وأنا عمري ما شفتها- رحت رميتها. أنا زعلانة جدًا على الحركة دي، جدًا فشخ يعني.

في كل معرض كتاب أيام أرض المعارض في مدينة نصر، كل مرة أعدّي على ميريت بتردد وخجل بالغ، أسأل على كتاب "ضربة شمس"وألاقيه بـ50، ثم 100، ثم 150 جنيه، ودايمًا معيش فلوس، ودايمًا ما أشتريهوش، وإحساس الخجل يتعاظم لأن "إزاي معييش 150 جنيه زيادة؟"وبعد كده بطّلت أدخل أسأل، والمعرض اتنقل التجمع، ومرحتش ميريت السنة دي. إحساس وحش إنك معكش فلوس كفاية تشتري بيها ذكرياتك، كل تجميعة ما كان تحت السرير وبيثير غضب أمي وزعيق أختي، كان ممكن أجيبه بـ100 جنيه في كتاب أنيق أحطه في المكتبة حيث لا تثير أرففها شهية الفئران، لكن العين تتطلع دائمًا لما تعجز المحفظة عن إدراكه.
.
بمناسبة ذكريات معرض الكتاب، هناك حكاية طريفة تخصني أنا ونيفين، إننا لما كنا في الكلية وما بعدها من السنوات كنا بنعمل قوايم -جمع قايمة/list- للكتب: الحاجات اللي عايزين نشتريها ومنين ودور النشر دي فين، قوايم مفصّلة بدقة وبنحرص عليها بدأب وإصرار بالغين. في مرة رحنا دار الشروق وسألنا على كتاب قديم تقريبًا فماكنش موجود، وبعدين البنت اللي على الكاشير بصيت لنا وضحكت، وقالت "إنتو بتوع كل سنة اللي معاكم قوايم وبتجيبوا كل اللي فيها؟"وضحكت بطريقة لطيفة جدًا كده، كإنها بتشجعنا على اللي بنعمله ومتعجبة منه في نفس الوقت. إحنا طبعًا عشان مهمين جدًا وواخدين نفسنا بجدية ومش فاضيين للكلام الفاضي بتاعها، ما رديناش عليها ومشينا :D
.
كان فيه في آخر شارعنا تقريبًا، عمو حسن بتاع الكتب.
كان كشك صغير جدًا، لونه أخضر غامق وجميل، وأنا حكيت الحكاية دي قبل كده. كان الكشك واقف فيه راجل عجوز جدًا، معرفش اسمه بس أنا سمّيته بيني وبين نفسي عمو حسن لسبب لا أعرفه. كان بيفتح الصبح بس وبيقفل على 12 الضهر، ما عدا يوم الجمعة بيفتح بعد الصلاة لمدة ساعتين مثلًا. كانت مواعيده صارمة ودقيقة ومفيهاش هزار، وأنا كنت في الأجازات الصيفية من الجامعة بحب أصحى متأخر، لكن يوم الجمعة ألبس وأطلع أجري قبل الصلاة عشان ألحقه، وأشتري: مجلة العربي الكويتية، أخبار الأدب، مجلة العربي الصغير لأخويا حمادة اللي اكتشفت بعد سنين طويلة من شرائها هيا وميكي إنه مبيحبش يقرا، مجلة ميكي إصدار دار الهلال، أهرام الجمعة -لأمي- أيام عبد الوهاب مطاوع الله يرحمه، أي إصدار للهيئة العامة لقصور الثقافة باجيبه من غير تفكير ولا حتى قراءة الغلاف الخلفي، نجيبه والراجل يصلّي وبعد كده نفكّر هل الكتاب ده حلو ولا لأ! أي إصدار للهيئة العامة للكتاب، وأي حاجة حلوة تانية تيجي في السكة."

كان دايمًا عمو حسن يبص لي بغضب "اتأخرتي!"وصوت الأذان ملعلع حوالينا من كل ناحية، ودايمًا يقول لي بعد ما اعتذر له، وبلهجة فيها مسحة حنان متداري "شيلت لك أخبار الأدب والعربي، أصلهم رجعوا إمبارح"وأنا أقعد أشكر فيه للصبح. كنت باخد معايا 15 جنيه وكانوا بيكفّوا، ومع الوقت بقوا 20، ثم توقفت عن الاستيقاظ مبكرًا، ثم قفل كشك عمو حسن.

دايمًا الناس عندهم أداء كده باحسهم بيغيظوني بيه: يقعدوا يفتكروا الأكشاك والمكتبات اللي كانوا بيجيبوا منها أعداد رجل المستحيل وما وراء الطبيعة، أو المغامرين الخمسة وميكي، ويبدّلوا الأعداد بربع جنيه ويقروا غيرها، وأنا أحس إن "إيه ده اشمعنى هماااا؟!"وأزعل بقا لأني اتربيت برة مصر ومكانش فيه الكلام ده.

اللي مخدتش بالي منه إن كان عندي روتيني: كشك عم حسن للجرايد والمجلات، وأعداد ما وراء الطبيعة وفانتازيا من مكتبة بانوراما في شارع أبو داوود الظاهري، أيام ما كان فيا صحة وبامشي، وكنا نروح أنا ونيفين للراجل ونتخانق "بس الأعداد الجديدة نزلت! والله قالوا على المنتدى -روايات- إنها نزلت!"والراجل لا يعرف المنتدى ولا يعرف مين المهاويس دولت، ويحلف إن مفيش حاجة جات من المؤسسة، وإحنا لولا بنات كنا سهرنا الليل بطوله مستنيين عربية "أخبار اليوم"تيجي لأنها دايمًا كانت بتيجي 12 بالليل، والمؤسسة بتوزع معاها. كان عندي روتين أهو محدش أحسن من حد -_-
.
المؤسي بشدة، إن كشك عم حسن قفل، مش عشان الراجل لم عزاله وتقاعد في جزر الهند الغربية مثلًا، لكن عشان مكتوب على الكشك بجدرانه الخضرا "مغلق لمخالفته حي مدينة نصر شرق"بالبوية البيضا وخط معفن زيهم.

أنا مش ح أتناقش هنا ولا حتى أتساءل هو كشك الجرايد مضايق اللي خلفوهم في إيه، أنا بس ح أزعل جدًا، لأني مؤخرًا وبعد ما توقفت عن المشي والذهاب ناحيته مطلقًا، وأنا معدية بالتاكسي مروّحة، لمحت الكشك في الضوء الشحيح وقت المغرب، وبابه مفتوح. لما بصيت باستغراب لقيت فيه شخص جوة الكشك اللي مفيهوش مية ولا نور وضيق جدًا، محاط بأكوام من أشياء يبدو إنها حاجياته الشخصية، ومجرد فاتح الباب عشان راجع من نصبة الشاي اللي جنبه. الشخص ده كان مديني ضهره، وداخل الكشك مضلم جدًا، وأنا محبيتش أبص أكتر من كده لأن قلبي وجعني جدًا. لو ده عمو حسن، فأنا زعلانة أشد ما يكون الزعل. افتكرت دلوقتي إني شفت في أكتر من مرة، زمان، إن داخل الكشك مكانش جرايد وكتب، بل سرير صغير ومرتبة وأشياء أخرى. مصر بتيجي عليا كتير وبتقمعني وبتدوس عليا بسبعين ألف جزمة بس أنا بحاول أتناسى عشان أعرف أعيش، لكن المرة دي الإصابة كانت شخصية جدًا وعنيفة، شيء مقدرش أغيّره ولا أعرف أنا ممكن أعمل إيه تجاهه. الوجع وحش أوي المرة دي.
.
لما اتنشر لي في جرنان السفير اللبناني كنت عايزة أروح لعمو حسن وأقول له بفخر "على فكرة انا اتنشر لي في جرنان لبناني كنت بتبيعه عندك قبل كده"رغم إنه مشافنيش بقاله ييجي 7 سنين أو أكتر. لما اتخرجت سألني اتخرجت من كلية إيه وقسم إيه، ونصحني أكمل قراية لأن "علام الكليات لوحده ما يكفيش"وأنا بصيت له بغضب إزاي تقول كده؟ إنتا مش عارف إن ألسن دي أحسن من بقية الكليات كلها؟ وإن كان طبعًا، أذان الجمعة مخليني أبلع لساني وأدفع له الفلوس وأطلع أجري. لما اتنشر لي كتابي الأولاني كنت عايزة أروح له وأسأله بخجل "لسه عندك إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة؟ ح تلاقي كتابي يا عمو وسطيهم"بس لما طلع كتابي التاني، الفكرة دي معديتش على دماغي من أصله.
.

التدوينة دي بقيت حزينة أوي وكئيبة وده مش حلو خالص، أنا مبحبش الحزن والكآبة رغم ما يبدو عليا يعني من ميل فطري طبيعي غريزي ناحيتهم، لدرجة إني، في حوار تخيلي بيني وبين صديقي المشاكس تامر، قلت له إني مسافرة "بكل شخصياتي، خصوصًا عبلة كامل!"وهو ضحك جوه دماغي وقعد يضرب كفًا بكف "لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنتي مسافرة تفرفشي ولا تنكدي على روحك؟"
على فكرة تامر عارف إن فيه نسخة مصغّرة منه جوة دماغي بترد عليا على طول، أنا قلت له، وقلت لبقية أصدقائي إن ليهم نسخ جوة مش سايبني في حالي :D بس متونسة بيهم فشخ، وعارفين إني باكلمهم طول الوقت، وبيوحشوني وباوحشهم، لما كلمتهم -الواقعيين- في التليفون قالوا لي كده.. وأنا إيديا وجعتني جدًا من النقر على لوحة المفاتيح -زهقت من تعبير "التكتكة ع الكيبورد -_-"- والساعة 1 ونص بالليل، ونسيت إيه هيا الحكاية التانية اللي كنت عايزة أحكيها، بس المدهش إني لقيت أخبار الأدب واشتريتها، وتصبحوا على خير :)
.
روز
4-5-2019

أشياء غريبة تحدث لي

$
0
0


1-   من ضمنها، مثلًا، أنني نويت عنونة هذه التدوينة بـ"لا تقترب منّي،"ثم تذكرت أن لي تدوينة أخرى من زمن بعيد بنفس العنوان، وبآخر "لماذا يجب أن تقترب مني؟"ولمّا كنت ملولًا جدًا وعلى الدوام، فقررت وضع آخر غير مكرور ولا يشعرني بالزهق.

2-   لم أعد أحب محمد منير بنفس الرغبة والحماس السابقين، وهذا مزعج جدًا لي. لكن الأكثر إزعاجًا أمر تنبّهت له ظهرًا وأنا أستعد للخروج: لم أعد أبحث عن موسيقى لأنزّلها. توقفت عن الاستماع لأي شيء جديد، مكتبتي الموسيقية مليئة بأم كلثوم ومنير ومارسيل خليفة وأشياء متناثرة لكنها منذ قديم الأزل. شعرت بشيء من الحزن، ما زال مستمرًا معي، لأن قلبي توقف عن الدهشة، ولو حتى بأغانٍ جديدة أو صياعة موسيقية تلفت الانتباه.

3-   اشتريت اليوم كتابين جديدين، مترجمين ومن دار نشر عربية فكان سعرهما خرافيًا، لكني لم أكترث. كنت مرهقة ومفككة الأوصال وحزينة جدًا، فدخلت المكتبة مخصوص لأحصل على "حكايات بيدل الشاعر"بالإنجليزية، فلما رأيتهما ركنت أخانا الشاعر إلى جانب واشتريتهما. شعرت بأنني بحاجة للقراءة في موضوعيهما: أحدهما يتحدث عن النوم، كتبه طبيب متخصص في هذا المجال، والآخر فلسفي عنوانه "قلق السعي للمكانة"، وهو شيء أعاني منه بشدة وعنف صار لي زمن. أنوي تخصيص وقت لقراءتهما.
الغريب في الأمر أنني لا أشتري سوى الروايات، ونادرًا جدًا ما اشتريت "كتبًا"لا تحكي حكاية.

4-   يحكي شخص عن "بداخلنا قناديل صغيرة والليل كبير وموحش"فأشعر بنخر في قلبي. أتماهى معه. يضع خالد أبو النجا صورة لقصاصة ورق كتبها بخطه "إلى العالم الآخر حيث جاءت الروح ورحلت أرواح أحبابي هل لنا أن تحدثوني؟ وحشتوني"وكتب تحتها "عن حلمي بكم."ينخلع قلبي بعنف حتى أكاد أبكي في البنك، مشوار الصباح المقرف، بصوت عالٍ وتهانف. أصلًا كنت أبكي في حمام بيتنا لأني لا أريد النزول اليوم، فلما رأيت الصورة على تمبلر مسحت أنفي كثيرًا ثم أغلقت الهاتف تمامًا في محاولة مني للتماسك.
الغريب، أنني كلما تحدث شخص عن شيء أجد صدى له داخلي. فهل داخلي موحش ومظلم وبعيد وغارق وعميق ويرتجف من الوحدة، بحيث أكاد أتهاوى كلما قرأت شيئًا كهذا؟
ربما الإجابة "نعم،"وربما لهذا ذهبت للطبيب النفسي اليوم أشكو له من كل هذا، فقال أشياء عبقرية كعادته، ورجعت منتعشة من عنده، وخطط جديدة تتكوّن في رأسي.
لكن يظل داخلي ست ريفية مكحولة العينين وتربط رأسها بمنديل أزلي، وممتلئة قليلًا، تحمل قنديلًا وتمشي في مدقات ترابية متلمسة طريقها في الظلام، تسميه "عتمة"وتتظاهر بالشجاعة لأن جارتها التي تلد تحتاج إليها، بينما يكاد قلبها ينخلع خوفًا وشوقًا لأحبة غائبين ومرارًا، يشتكي الوحدة.

5-   أنني اعترفت لنفسي أخيرًا بأنني يجب أن أقرأ أكثر في مواضيع كذا وكذا، وهي اعتلالات أعاني منها، لأن معرفتي الشخصية التي تتناقص بنسياني الدائم، غير كافية. توقفت أخيرًا عن المكابرة.

6-   أنني بكيت اليوم وأنا أشاهد "فريندز،"في الحلقة التي يخون روس فيها ريتشل، بعدما طلبت منه "هدنة break"وعندما تعرف تصرّ على انفصالهما. كانت عدة حلقات مؤلمة، وأنا احتجت للبكاء.

7-   أنني حينما قلت لأحد أصدقائي "خالد وحشني جدًا رغم إننا عمرنا ما اتقابلنا"لم يسخر مني كعادته، بل ردّ بجدية "طبيعي،"فاستراحت عضلاتي وهدأ توترها.

8- أني لا أعرف لماذا يجب على شخص ما "ألا يقترب مني"لمجرد أنني أعاني من كل ما ذكرت عاليه، ولا لماذا كنت أريد كتابة هذه الجملة عنوانًا، أو لماذا أشعر بها من أصله.

وهذا يكفي. 8 أشياء ليست غريبة جدًا تحدث، وتدفعني للكتابة، وهذا عظيم ورائع.
.
"ولا
يا حبيبي لا
الفراق ده لا
شوف كام سنة من عمرنا
ضاعوا مننا
كام سنة؟"
بصوت بليغ حمدي
.
روز
8 مايو 2019

أشياء لا ينبغي أن نغفل عنها بسهولة

$
0
0
(1)
بعد تخرّجي مباشرة في الجامعة، وكان عمري عشرين عامًا، شاهدت فيلم "منزل البحيرة"الذي صدر في العام السابق على التخرّج. أوّل ما جذبني فيه عينا ساندرا بولوك في أول الفيلم، واللقطة مقرّبة عليهما بحيث تملآن الشاشة، وبهما حزن العالم كله. أعجبتني الأغنية المصاحبة، فبحثت عنها:
"In the silence of the garden
Moss arizing on the wind
And the beast is pondering love love love
'Till the rusty nail grow dim
I can't seem to make you mine
Through the long and lonely night
And I try so hard, darling
But the crowd pulled you away
Through the rivers and the rain
And the ivy coiled around my hand
So I lingered with the people
In the silent August glade
But the rain has brought the night
And the night has brought the rain."
The Clientele
وعرفت لماذا يملأ الحزن عيني الممثلة. لقد جذبها الحشد بعيدًا، عبر الأنهار والمطر، ونما شجر اللبلاب حول يدي المغنّي ليكبلهما، فلم يذهب وراءها. كنت أتساءل بحسرة حقيقية: كيف يمكنه أن يتركها تذهب؟ وما معنى أن يجذبها جموع الناس بعيدًا؟ لماذا لا يركض وراءها؟
يقول المغني "ولهذا أتسكع مع الناس، في المرج الهادئ لشهر أغسطس، لكن المطر أحضر الليل، والليل أحضر المطر."ثم تنتهي الأغنية.
ساعتها، كنت أشعر بالحزن فعلًا، وأفكّر بأن الولد في الأغنية لم يبذل جهدًا كافيًا للحصول على حبيبته، بل اكتفى بالتسكع و"استسلم". كنت غاضبة وحزينة فأُسقط مشاعري على كل ما أراه، شيء ما زلت أفعله حتى الآن.
الآن، وبعدما تخطيت الثلاثين بعامين، أعيد مشاهدة نفس الفيلم. أشعر أنه خفيف ربما أكثر من اللازم ويعتمد على الصدفة ولا يفسّر كيف بالضبط يتنقل عبر الزمن، ثم أقول لنفسي إنه لا يصنّف بالضبط ضمن الخيال العلمي، بل هو رومانسي أكثر، ولأستمتع بالفيلم بدلًا من تشغيل عقلي على الدوام كمروحة لا تكفّ عن الأزيز.
أسمع نفس كلمات الأغنية التي بتّ أحفظها من تكرار سماعها عبر كل تلك السنوات، بانقطاعات مختلفة –ما زلت أحتفظ بنفس مكتبة الأغاني منذ أول مرة جلست فيها إلى الكمبيوتر- فأتذكر مشاعري السابقة حيالها. أهز كتفيّ بخفة وأقول "تركها تذهب لأن هذه الأشياء تحدث. سينساها ربما، مثلما يفعل كل الناس ومثلما ستفعل هي، وسيقع في الحب مجددًا، لا مشكلة في ذلك."وأكمل عشائي أمامه، بحياد.
بداخلي جزء لا يريد تلك الفتاة صاحبة "هذه الأشياء تحدث"التي تشابه تمامًا "ح تتعلم مع الوقت تكمّل حياتك بشوية زعل صغيرين"التي قالها خالد لمجدي في فيلم "ميكروفون، 2010"فردّ عليه مجدي "إيه الخرا ده؟"بداخلي فتاة ملّت جدًا من كل هذه العقلانية، ولا تريد المزيد من الخراء، وترغب في عودة ولو جزء من حساسية ورهافة فتاة العشرين التي تحزن لعيني ساندرا بولوك في الفيلم.
.
(2)
منذ فترة طويلة، أحد أقرب أصدقائي لقلبي اعتاد على إخباري بالإحصائيات كلما تقابلنا. كنا نحرص على المقابلة على فترات متقاربة للمحافظة على جزء من سلامة عقلينا، فما بين سعيي المستمر في محاربة طواحين الهواء طاحونة ورا التانية، وكل ما أخشاه أن ينزل كل هذا على فاشوش، وذهابه للعمل وإخلاصه فيه، تصبح الحياة الاجتماعية الوسيلة التي يمكن للمرء فيها أن يكون عبيطًا كما يحلو له. نتقابل ونتحدث ونضحك ونحكي عن أشياء كئيبة ربما ثم نتحدث عن الكتب، ونضحك مجددًا، ثم يكلمني عن الإحصائيات.
أعرف أن الوضع في مصر مرعب، لكني لا أريد معرفة تفاصيله أو دقائقه. أنا نفسي أعاني من الحياة فيها وأدعو الله بكل قوّتي أن يسترها عليّ ويجعلني أهرب من هنا بأسرع وقت. كنت أوافقه في الكلام لأنني أعاني أنا أيضًا، وأعرف أنه على حق، لكني لم أنتبه لما نفعله.
لم أنتبه إلى أنه قلق أكثر من اللازم، لم أعرف أنه يخاف على أطفاله أصلًا إلا حينما كتبها مرة في معرض حديثه عن أحد الكتب التي قرأها. تصوّرت، بلا تبرير واضح، أن المرء لا يخاف على أولاده! ربما لأنني لم أنجب أو لأنني فقط، عندي قصور في كثير من التجارب الإنسانية بحكم محدودية حياتي، ولنعترف: بحكم ضيق أفقي واختصار رؤيتي على معاناتي الشخصية.
لم أعرف أن صديقي قلق جدًا إلا حينما أعلن مؤخرًا أنه مرهق، وأنه بحاجة لبعض العزلة. حينها شعرت أنا بالقلق عليه، ثم بالذنب.
كيف لم أنتبه لهذا؟ كيف لم أدرك أن هناك شيء ما ليس على ما يرام؟ والسؤال الأسوأ: هل هناك أمور أخرى لم أنتبه إليها، مع أصدقاء آخرين يهمني أمرهم بشدة؟ ما الذي أفعله دون أن أدري؟
في الأسبوع الماضي، رفعت رأسي فجأة من فوق موجة عنيفة لطمتني فكادت تغرقني، أنا التي أحاول أبدًا إبقاء رأسي فوق الماء وأنا لا أعرف السباحة. كانت موجة منحطّة من مرض وحرارة شديدة وظروف سيئة في المنزل وتعذّر الحصول على الدواء. كنت في أسوأ مشاعر ممكنة.
عندما رفعت رأسي أدركت: أنا مريضة قلق مزمن، ومعدلات قلقي تتزايد ولا تقل. أنا بحاجة للمساعدة.
مثلما حدث مع صديقي: لم أنتبه لما أفعل. لم تنبئني ضربات القلب السريعة ولا انقطاعات التنفس ولا ضيق الخُلق وسرعة الانفعال، لم أنتبه إلا حينما ضربني الخوف الغامر ثم الإحساس بأنني موشكة على الانهيار. ربما كان المرض والحمّى وسيلة جيدة للحصول على بعض الراحة، الحصول على إجازة مفتوحة من نفسي لأشاهد بعض الأفلام الجميلة وأنام طويلًا وعميقًا، وبعدما تعافيت قليلًا واستعدت صوتي تحدثت في الهاتف مع عدد من أصدقائي، أحدهم كان كعادته ثرثارًا، تحدث كثيرًا جدًا وهو يفعل شيئًا ما على الكمبيوتر بينما أنا ألوّن. وسط ثرثرته العملاقة تلك، قال أشياء في منتهى الطيبة والجمال. ليلتها، وكانت الوحيدة، نمت بعمق بالغ، وشعرت بالراحة.
لا نشعر بما نفعل أو يحدث لنا لكن علينا تحمّل تبعاته. بشكل ما هذا ليس عدلًا، لكن من قال إن الحياة عادلة؟
أعرف أنني بحاجة للمساعدة، أظن نفسي هركليز وبالغة القوة بينما أنا فقط بحاجة للمساعدة. أعرف كيف أطلبها وممن، وماذا عليّ بالضبط فعله، لكنني للآن لا أستطيع منع نفسي من القلق: هل هناك مَن نسيته؟
.
روز
22-5-2019

أشخاص لا يدري المرء كيف يعيش من دونهم

$
0
0

الفترة اللي فاتت كنت أنا وأقرب صديق ليا فاضيين نسبيًا، الشغل قليل يا إما متعذر، مكتئبين شويتين آه، بس قادرين نتعامل، بنخرج ونشوف بعض ونشوف الناس، مقيّفين حياتنا وحيّزاتنا –أعتقد ده جمع حيّز- على قد راحتنا، ما بنطلعش برة الحاجات اللي عارفينها.


في وسط حاجتنا وشغلنا وقلقنا ودماغنا، كنا بنتقابل ونتكلم ونضحك، أكتر واحد بيعرف يضحّكني وأكتر واحد لو اتصلت بيه بيردّ، ولو ملحقش المكالمة عشان مواعيد نومه الغريبة بيتصل تاني يوم. أنا فاكرة مرة الصيف اللي فات اتصلت يومين ورا بعض ما ردّش، اتصل بعدها بكذا يوم قال لي بصوت مزكوم "أنا بس باتكلم عشان أقولك إني لسه ما متّش. اقفلي بقا"وضحكنا بإرهاق. كنا مرهقين فشخ، وما زلنا، الصيف بيقتل أرواحنا قبل جسمنا وأعصابنا.

كنا عارفين نتكلم، عارف عني حاجات كتير أوي، وأعرف عنه برضه حاجات كتير. بيستريح في قعدته معايا، رجليه مثلًا مش بتتوتر ولا بتتهز بعصبية، مع ناس تانية –بلاحظها لما بنكون قاعدين في تجمعات كبيرة- رجله بتتهز لا إراديًا وبسرعة جدًا، أو بينسى نفسه ويقعد يقلّب السكّر في الشاي/القهوة كتير جدًا، الصوت اللي بينرفزني فشخ بما إني عندي قلق/أنكازيتي وكده. هو في المعتاد رغاي وبيتكلم بسرعة، بس لما بنقعد لوحدنا بيسكت أحيانًا، وبيسمعني.

أنا وهو عندنا خليط من الاكتئاب والقلق، وهو خليط ابن ستين وسخة، معاناة قذرة معرفش ح أخلص منها إمتى، ومش عايزة أتكلم عن الموضوع أكتر من كده لأني بازعل الحقيقة وأنا مش عايزة أزعل. صديقي بس مش واخد باله أوي من الموضوع، بينما أنا واعية بكل تصرفاتي وبكل أفكاري وبكل دوافعي وهواجسي ومشاعري، الوعي القوي جدًا ده عبء زائد، بيزوّد القلق، دايرة مفرغة أتمنى تتكسر قريّب. باحلل كل الأفكار والحاجات دي، لأني خايفة من الجنون.

الولد الجميل ده، اللي معتقدش إني ح أعرف أقول اسمه لظروف الخصوصية وهذه الأشياء، أكتر واحد بيعرف يهدّيني.

لما رحت المعرض وشفت حاجات ضايقتني، وقفلوا الحمّامات واتحطيت في موقف شديد السخافة، وطلعت جري على البوابة معيّطة، اتصلت بيه قلت له يقابلني. هدّاني وقال لي "دلوقتي تروّحي بيتكو تتصرفي"لأنه اتكسف يقول لي "خشي الحمام في بيتكو."لما جاتلي أول نوبة صداع نصفي، أول واحدة من سلسلة ما خلصتش وشكلها عمرها ما ح تخلص، كانت في عيد ميلاده، وفضل قاعد معايا لحد ما الدوا اشتغل –من حسن حظي ورحمة ربنا إني ماشية بشنطة الأدوية كلها- وكان قلقان بس بيخبّي قلقه، وركب معايا الباص مع إن ده مش اتجاهه أصلًا، وفضل قاعد يرغي برضه، ولما لاقاني باضحك أخد أنفاس عميقة كده وقال لي "أيوة، كده ابتديتي تفوقي أهو."

راح معايا المستشفى وسندني وأنا مروّحة، باكلمه في المكتبة أقول له على الرواية اللي بيزنّ عليا من ساعة ما عرفني إني أقراها، إنهم أعادوا طبعها واشتريتها، باقعد في ستاربكس اللي متعودين نقعد فيه كل ما بنتقابل، باقعد لوحدي أقرا وأسمع شوية مزيكا لحد ما ألاقي الدنيا دوشة أوي أقوم أمشي. لما كنت عايشة لوحدي كنت باتصل أسأله دي بنركبّها إزاي، وبندفع فاتورة المية فين. ولما سبت الشقة عيّطت له كتير فشخ، بعت له مرة تسجيل باشتكي له فيه وباعيط جامد، لأني ملقيتش شبكة أتصل بيه وأقول له، ومن ساعتها بابعت له تسجيلات كتيرة فيها حاجات مبهجة، كل ما تحصل حاجة حلوة أبعت له وصوتي مبسوط، كنوع من الاعتذار والتكفير عن الكآبة.

لما كان عندي في البيت مكانش بيطيق يفضل قاعد في الصالة/أوضة المكتب لوحده، كان بييجي ورايا المطبخ يكمل كلامه وأنا باعمل له القهوة أو الشاي أو باقطّع الكيكة، ويقف يغسل المواعين. أكتر مرة كنت عايزة أحضنه فيها لمّا من نفسه كده شمّر كمامه وغسل الحِلل اللي كانت بتتنقع في الحوض، وهو بيكمّل كلامه عن شيء مش فاكراه. لمّا كان بيطلع البلكونة عشان يشرب سيجارة، كنت باطلع معاه وأقف ورا الستارة الخارجية، لأن الناس تحت كانت بتغلّس علينا. مكنتش عايزة أقعد لوحدي وهو موجود.

أنا ليا أصدقاء كتير الحمد لله، والحقيقة هو كان سبب كبير ورا إن مجموعة صداقاتي تتوّسع، لأن الدكتور النفساني كان مبسوط إن ليا صديق مقرّب كده وقال لي إعملي كده بقا مع ناس كتير، خلّي عندك صداقات كتيرة.

بشكل ما كلنا بقينا عيلة، كل الأصدقاء دولت بيعرفوا بعض وبنخرج مع بعض وبنسند بعض، بنجيب لبعض كتب وبنروح مع بعض عند الدكاترة وبندفع فواتير الكهربا لبعض وبنعمل عيد ميلادات ضخمة فيها تورت أو متواضعة فيها قطعة كيك واحدة صغيرة، وبنتصوّر كتير جدًا، وبنتكلم وبنضحك كتير جدًا، وبنعيّط لبعض لما بنشبع. بس هو ح يفضل الشخص اللي لما أزعل أتصل بيه، لما أحس ببوادر نوبة فزع أسمع صوته في ودني "خدي نَفَس"بيقولها بقوة لأن الاستسلام عندي أسهل من إني أحاول آخد نَفَس عميق وأهدى. ح يفضل الدراع اللي باستأذنه إني أسند عليها كل ما تهدّني نوبة الصداع النصفي، ويأذن لي بكل طيبة قلب موجودة في الدنيا. ح يفضل أول واحد باجري عشان أتصل بيه أزعق وأتنطط "مقالي اتنشر مقالي اتنشر!"واحكي له بحماس على كل حاجة: من ساعة ما الفكرة جات في بالي وإزاي دوّرت على المواد وكتبتها في قد إيه وشربت إيه وأنا باكتبها، لحد ما سلّمتها واتنشرت، كل تفصيلة، معاه، مهمّة.

إمبارح الموقع اللي باكتب معاه ح يغيّروا عتبة، فا المفروض ننقل المقالات يدويًا. لقيت لي تدوينة قديمة نشرتها معاهم في شكل رسالة، كنت باتكلم فيها عنه، وكاتبة إنه لما بيرغي كتير فشخ كده، بيحكي عن حاجات طيّبة جدًا جدًا بتخليني أعرف آخد أنفاس عميقة. مفيش حاجة بتأثر فيا قد الطيبة ورقة القلب. لما قريت جزء من الرسالة دي تاني، حسيت إنه لسه فيه نفس الخصلة دي ما اتغيرتش: لسه رغّاي، وطيّب فشخ، ومهتم جدًا إننا كلنا نبقى كويسين وبخير، وبصحّة جيدة دايمًا.

النهاردة كنت ح أنهار، نوبة فزع جديدة بس المرة دي سبتهم ورحت قعدت لوحدي على جنب. أخد باله هو واتنين تانيين من أصدقائنا، بس ما علّقوش. فضلت قاعدة في مكان مفيهوش إضاءة عالية ولا دوشة خالص، حاطة السماعات في وداني باسمع مزيكا هادية وأغاني بتقول كلام حلو خالص أنا بحبه. بعد تلت ساعة هديت، وضربات قلبي أخدت رتم عادي، وكان لازم أرجع لمكانهم عشان آخد الدوا لأن بطني ابتدت تلسعني، لقيته بيتصل. أعتقد إن دي أكتر تفصيلة ريحّتني.

لمّينا حاجتنا كلنا، سبتهم يروحوا يتسحّروا برة وروّحت، قال لي "أول ما توصلي بس طمنينا عليكي."وأنا ممتنة قد البحر والله العظيم.

أنا معرفش القلق والتوتر دولت ح يخلصوا إمتى، ومعرفش صحّتي ح تتحسن إمتى، بس دي مش تدوينة باندب فيها على صحّتي البايظة. أنا جاية هنا مخصوص أمدح في الولد اللي بيتصرف عادي، بكل الأشياء والمعتقدات اللي شايفها صح والمفروض تتعمل، وبيخلق في سكّته دواير كتيرة فشخ وواسعة من الطيبة والجمال والامتنان والرقة وسعة الصدر. لأجل بني آدمين مثلك يا عزيزي، تستحق الحياة أن تُعاش والله العظيم.

الفترة اللي فاتت انشغلنا جدًا، وأنا عييت جدًا، وقلّت مقابلاتنا ومكالماتنا ونزولنا للسينما وتكديرنا لموظفي ستاربكس. أتمنى إن الدنيا ترجع تصالحنا تاني ونتقابل، ونقعد مع بعض أكتر.
.
روز

31-5-2019

هل الكلاب الصغيرة تأكل الزبادي؟

$
0
0
أنا إمبارح سمعت خبر وحش أوي، دكتور أول مرة أتعامل معاه وقال لي احتمال يكون فيه مشكلة في العين ولازم أشعة. طبعًا بما إني أول مرة أسمع عن الموضوع فاتخضيت فشخ. قلت له أنا قلقانة قال لي متقلقيش. قلت له طب اكتب لي اسم البتاع ده بالإنجليزي عشان أقرا عنه، قال لي لما الأشعة تطلع ونعرف هو إيه بالضبط يبقى أديكي اسمه تقري عنه. ما التفتش خالص لحكاية إني قلقانة دي، وهو كان مهذب لكن الحقيقة نقص المعلومات رعبني.

لما خرجت من عنده كلمت نيفين قلت لها ح آجي لك، كانت الساعة 10 بالليل وهيا –وأنا الحقيقة- بننام بدري عشان أشغالنا أو ما أحاول أن أقوم به من أشغال. في السكّة كلمت شادي وحكيت له الموقف.

كنت مرعوبة وقلقانة وخايفة ومش على بعضي خالص، مش عارفة إيه ممكن يحصل. لما حكيت لشادي قال لي معلش، متقلقيش لأن مشاكل القرنية فعلًا أهون مشاكل العين، وآخرها إيه يعني؟ ح تعملي الليزك أو حتى زراعة قرنية جديدة، متقلقيش. قال لي إن توقّع الأسوأ وإيجاد حلول ليه بيفيد مع مرضى القلق، وأنا كنت متأكدة إنه صح بس الحقيقة معرفتش أمسح قلقي كله مرة واحدة، وإن اتطمنت جدًا جدًا من كلامه وطريقته في التعامل.

حكالي الليزك بيتعمل إزاي بما إنه عملها قبل كده، وقعدنا نهزّر دكاترة العيون بيقبضوا كام في الساعة الواحدة وأتجوز بقا دكتور عيون بما إن الحكاية فيها فلوس. في الآخر قال لي لو احتجتيني آجي معاكي قولي لي، وأول ما النتيجة تطلع بلغيني. وطمنيني على طول.

لما طلعت لنيفين كنت أهدى كتير. عامة في المشاكل الكبيرة مبعرفش أواجهها لوحدي، وطول قعدتي في بيت أمي خلّى قدرتي على المواجهة أضعف، حائط الصدّ بقا رخو. لما كنت قاعدة لوحدي كنت باترعب آه وأنهار وأقلق فشخ وأعيط وكل حاجة، بس باواجه كل المشاكل تقريبًا لوحدي، وده خلاني أقوى. شيء مؤلم إنك متقدرش تلاقي حد تتسند عليه عاطفيًا في البيت اللي إنتا عايش فيه، وفي نفس الوقت الانفصال عنهم شعوريًا وماديًا مهم جدًا ومفيد بس متعب فشخ. وأنا تعبت الحقيقة.

رحت لها وحكيت لها وحاولت أتماسك وما أنهارش. اكتشفت إننا مشفناش بعض طول رمضان وإنها كانت واحشاني جدًا قد البحر. رمضان السنة دي كانت متعب بطريقة لا توصف، متعب لدرجة إني لما فقت كده وبقيت أقدر أتحرك خارج حدود الكنبة أو السرير والحمّام، حسيّت إنه طوّل أوي وإني تعبت ومش عايزاه، ولما قالوا العيد مش بكرة انهرت وقعدت أعيّط. لما تيجي تسأل الناس صرفوا فلوسهم في إيه في رمضان أو عملوا إيه، ح يقولوا لك مشاوير وزيارات وطبخ وعزومات وفسح ومدارس العيال ولبس العيد، وأنا معنديش غير عيا وتعب وأدوية ونيلة وزيارات للدكاترة، وحقيقي زهقت من الشكوى.

قعدنا نتكلم كتير أنا ونيفين، اتبسطت من القعدة. اتعشينا وأكلنا شيبسي وشربت لبن بالموز، وحكيت لي عن شغلها وعن سفريتي الجديدة، وقالت لي أحاول انبسط قدر الإمكان. قلت لها إني حالفة أنبسط واللي ح ينكّد عليا ح أشقّه، محدش له حاجة عندي. أحيانًا بحس إني باكفّر عن ذنوبي اللي لسه معملتهاش وذنوب ناس تانية كتيرة، أنا لسه 32 سنة وكمية الأمراض والمتاعب دي كلها مش قادرة أصدقها. واجعالي قلبي.

لما نزلت من عندها شغلت مزيكا من الموبايل، وحطيت السماعات. جات "بسكاليا - راجح داوود"وبعدها "أجيلك من ورا الأحزان"لحميد وعلاء عبد الخالق اللي مرة كابتن أوبر اندهش فشخ إني أعرفه، شكلي صغيّر عامة وافتكرني 18 سنة وقال لي "مش معقول حد من جيلك يعرف الأستاذ علاء عبد الخالق!"وقعدت أضحك ومصححتلوش سنّي. بعدها على طول "خليك هنا خليك، بلاش تفارق"بصوت بليغ، بليغ بس، من غير أي مزيكا أو غيره. قلت ح أشتري زبادي عشان أصحى أفطر شوفان بالزبادي وأتشجّع أنزل أعمل الأشعة.

لقيت الجراء –الكلاب الصغيرة- اللي قدام عمارتنا عمالين يلعبوا في كوم الزبالة اللي جنب كشك الكهربا –دي مفارقة ملهاش لازمة، وخطر- وبيدوروا على حاجة ياكلوها. من ساعة ما واحد صاحبي جه يلعب معاهم وإحنا واقفين مستنيين أوبر عشان نروح لصديقنا التالت، وشافوني معاه، وهما معتبريني صاحبتهم. جريوا ناحيتي وقعدوا يهوهوا بصوت صغير، ولاحظت إن كذا حد فيهم رفيع جدًا لدرجة إن ضلوعه باينة. صعبوا عليا أوي.

عامة أنا عندي إحساس رهيب بالذنب مؤخرًا، كذا موقف حصلوا قدامي وما اتصرفتش فيهم صح وحاسة بحاجات وحشة من ساعتها. لما شفتهم قلت ح أشتري لهم زبادي.

أنا معرفش الكلاب بتاكل إيه، ومعرفش ح يحبوا الزبادي ولا لأ. بس أنا قلت لنفسي إن طول عمري دي حجّتي إني مأكلش الكلاب ولا القطط اللي في الشارع، وعمري ما دوّرت هما بياكلوا إيه وأحطهولهم! طب ما أجرب أحط لهم زبادي؟

سألت نفسي "هل إنتي عايزة تعملي ده بدافع من إحساسك بالذنب؟"لأن ده دافع وحش أوي، الشفقة عامة شيء خرا، حتى لو على كلاب صغيرة مشرّدة. نفسي ردّيت عليا "لأ، أنا عايزة أعمل شيء كويس، شيء يحسسني بالرضا عن نفسي عشان آه أنا أنانية، بس كمان أنا حاسة بحاجات سلبية وسيئة جدًا حاليًا، عايزة حاجة تبسطني. وكمان عايزة أسيب أثر كويس في هذا العالم، حتى لو الكلاب محبيتش الزبادي."

لما جبته وحاسبت الراجل عليه، فتحت لهم واحدة وحطيتها لهم في الأرض. جريوا ناحيتها وجربوها عجبتهم أوي. فتحت لهم واحدة تانية لأن، ليتس فيس إت، واحدة بس متكفيش ولو حباية ترمس جائعة. فجأة لقيتهم بيكتروا وجايين ناحيتي بيهوهوا وعايزين تاني وعايزين يلعبوا معايا! أنا اتخضيت بس مسكت أعصابي.

فتحت لهم واحدة تالتة وقلت مش مشكلة بقا إخواتي ياكلوا الزبادي المهم أنا آكل! حطيتها لهم في الأرض وطلعت على العمارة على طول، مجوش ورايا.

دي تاني مرة في حياتي أأكل كلاب أو أي حيوانات في الشارع مشرّدة. أول مرة كانت في دهب، لما سافرت لها هربًا من القاهرة وعيشتي المنيّلة بنيلة وسط أهلي. كان لازم أهرب، وكنت بحاول أخلق لنفسي حياة جديدة لأني زهقت من محاولاتي المتكررة للانتحار وكمان لقيت إن في الحياة حاجات حلوة فشخ لسه مجربتهاش، ده أنا لسه ما اتجوزتش يا عالم! ولا شفت جبال الألب ولا الأضواء القطبية "الأورورا"وفيه كمية أفلام خزعبلية منزّلاها لسه مشفتهاش وفيه أكل حلو فشخ لسه مجربتوش.. أسيب ده كله وأمشي؟ ده شيء مش في قاموسي على الإطلاق، الحقيقة يعني.

بس لما وصلت لقيت إني معرفتش أخلق لنفسي حياة جديدة. كانت لسه الأسعار زايدة جديد والإيجارات غليت جدًا وكمية مشاكل بالكوم، معرفتش أواجهها.

في آخر الأيام هناك، قبل ما أرجع القاهرة، وكلّي مرارة وإحباط، قعدت على البحر بعد العصر بشوية. كان معايا أكل اشتريته من سوق الجمعة اللي كان أول –وآخر- مرة أروحه كنوع من تقليل المصاريف. لما قعدت على الرملة قصاد الموج، جه كلبين ناحيتي، واحد فيهم قعد جنبي وباصص لي، والتاني قعد يلعب في البحر قصادي.

إديت لواحد فيهم أكل. أول مرة أعمل كده في حياتي كلها. فيما بعد باحكي لتامر وأنا مستغربة نفسي، قال لي طبيعي إني أستغرب نفسي لأن "إنتي مصرية عادية، اتولدتي لقيتي نفسك وسط محيط بيكره الكلاب وبيعاملهم وحش، طلعتي بقيتي كده"وانبسط جدًا من إني أكّلتهم. قلت له إني خفت منهم لأنهم تحمسوا فجأة وبعد ما أكلوا قعدوا عايزين يلعبوا ويتنططوا ويرشوا عليا مية، فا ضحك وقال لي ده الطبيعي بتاعهم.

تاني مرّة كانت إمبارح، بعد 3 سنين من تلك الواقعة، 3 سنين من المعيشة في القاهرة واحدة منهم في العبور –عمليًا هي القليوبية بس متدخلنيش في تفاصيل يا متحت. وأنا باقرّب منهم حسيت بهدوء غريب. عامة الدنيا بقيت أهدى بعد ما رمضان خلص، بس كمان الهدوء كان جوايا. الأصوات المفزوعة هديت كتير، حسيت بصفاء، ولولا خشيتي من الاتهام بالابتذال لقلت إني حسيت بسكون برضه، وراحة البال. بعد ما أكلتهم انبسطت على الآخر، وطلعت أخدت دش طويل وغسلت شعري –أخيرااااان! لقد هرمنا!- وعملت له حمام كريم وسكرانش وكل حاجة، تفاصيل الشعر الكيرلي دي مرهقة ومقرفة فشخ. نمت كويس.

صحيت مبسوطة، متدفية. قلبي من جوة كان متدفي. فطرت وشربت القهوة، ودلوقتي بازّق نفسي إني أنزل عشان أعمل الأشعة، وخايفة جدًا من نتيجتها، بس قلت مش عايزة أنزل قبل ما أقول لتامر ومصطفى إني أكّلت الكلاب الصغيرة إمبارح، ودي تاني مرة أعملها في حياتي.
.
روز

9-6-2019

وَحدة.. في قلبي وَحدة

$
0
0
نايمة إمبارح بافكّر “أنا بس مش عايزة أبقى موجودة.” صاحية النهاردة بافكّر “أنا بس مش عايزة أبقى موجودة.”

رحت أشوف أصحابي إمبارح، كنت مرهقة وتعبانة وخلصانة ومتنيلة بنيلة. وقفت على المحطة أستنى الأتوبيس. عامة كل ما آجي أركب لازم يتأخر، كل ما أخرج لازم يحصل حاجة. كنت حاطة مزيكا حلوة في الموبايل وفضلت أسمعها وأنا واقفة على المحطة. كنت واقفة لوحدي ومفيش حد تاني ح يركب غالبًا، والشمس غربت خلاص بس لسه السما فيها خليط من النور والظلمة. كنت واقفة حاطة إيدي في جيوب البنطلون وحاطة السماعات وباسمع مزيكا وباغالب دموعي، باغالب إحساسي إني ولا حاجة، وإني مش عايزة أبقى موجودة هنا، وإني متوترة فشخ ومش عايزة أكمّل في الحياة دي.

أنا مش عايزة أخرج أبقى مع حد، مش عايزة أشوف حد ومش عايزة أعيش مع حد. اللي زيي بيفضلوا لوحدهم آه، لحد ما يسمحوا لحدّ واحد بس، شخص واحد يخش جوه القوقعة بتاعتهم، يخش جوّة العالم الآمن بتاعهم ويبقى جزء من أمانهم وحياتهم، بيتجوزوه غالبًا.

ليا واحد صاحبي اعترف لي مرة، وإحنا مرهقين فشخ وبنتمشى في شوارع المعادي غير المرحّبة بنا، وقعدنا على دكّة البواب أسفل إحدى العمارات، قال لي إنه ما بيستريحش في المجموعات، لما بيقعد مع ناس كتير بيقفل منهم خالص، بيقلب شخص مهزار وبيتريق، وياما طالتني تريقته اللي جرحتني ومكنتش فاهمة هو بيعمل كده ليه مع إنه شخص لطيف وأنا بحبه فعلًا. قال لي إنه مش اجتماعي، وما بيستريحش غير لو شخص واحد بس موجود معاه في القعدة، غير كده بيتوتر ومبيعرفش يتعامل.

لما كنت عندهم في البيت بنحتفل بعيد ميلاد صاحبي المقرّب، هجمت عليا نوبة صداع نصفي. قلت له أنا تعبانة، قال لي خشي نامي جوة، اقفلي الباب عليكي وحاولي تنامي. قلت له أنا مبشوفكش خالص مبقعدش معاك، قال لي كلميني ونحدد معاد ونخرج سوا، متقلقيش، أنا آسف إننا مش بنمارس صداقتنا كما هو مطلوب. ضحكت منه ودخلت أحاول أنام فعلًا. القطة مخافتش مني ونامت عند رجليا، بالمناسبة.

صديقي ده اتجوز، دخّل البنت اللي بيحبها حيّزه الآمن، بقا بيقابل الناس وهي موجودة، وبرضه مبيدخلوش بيتهم ناس كتيرة، هو حد واحد بس في المرة، يقعدوا معاه ينبسطوا وبعدين يمشي، ويفضلوا كتير محدش يشوفهم ولا يشوفوا حد.

شادي كان بيقول لأحمد وأنا قاعدة إن الحياة دي قاسية أوي، ولازم لك رفيق حياة عشان تعرف تواجهها. شادي عايز أحمد يتجوز، عامة هو عنده رغبة عامة ومسيطرة إنه يصلّح حياة الناس: اللي ما اشتغلش يشتغل، اللي ما تجوزش يقعّده مع عرايس محتملين إلخ. ورغم إن الاتجاه ده خرا لأنه خسّره ناس كتيرة قبل كده، بس أنا اتلفت له كده وقلت له “أنا كمان محتاجة رفيق حياة.”

بقالي ييجي شهرين، من أول رمضان، وأنا تعبانة. عندي التهابات مستمرة في المعدة والأمعاء والجهاز التنفسي وحاجة كده غريبة اسمها الاثنا عشر، معرفش طلعت لي إمتى. شعور مستمر بالحرقان والصعبانيات والوحدة، وحدة في كل حتة وكل وقت: باروح للدكاترة لوحدي وبانزل أجيب الدوا لوحدي ومفيش أكل مناسب ليا فا عايشة على اللبن الرايب والرز البسمتي اللي مبعرفش أطبخه فا بيتعكّ مني. عامة بيتنا على طول مفيهوش أكل ودي مأساة أخرى شديدة الحزن والألم ومش لازم نتكلم فيها.

بعد العيد على طول طلعت لي مسألة عيني. حد يكتشف إن عنده قرنية مخروطية وهو معدّي التلاتين؟ مش عيب الكلام ده يا آنسة مش كبرنا بقا؟

بس واضح إنه لأ، مكبرناش بقا.

مشاوير لوحدي ودكاترة كتار وجُداد. وصلت لمستشفى عيون أول مرة أروحها عشان أعمل الأشعة. كل الناس جايين بأهاليهم كل الناس معاهم حد، ده عامل زحمة ودوشة آه والمصريين بطبعهم دوشجية فشخ ومعندهمش حس بالخصوصية، بس أنا كان نفسي حد يبقى جنبي، يشيل لي الشنطة حتى وأنا بالزق دقني في الجهاز والدكتورة بتعدّ لي 6 ثواني لحد ما أرمش. كانت لطيفة وطيّبة وعملية، حاطة كتاب جنبها، رواية تقريبًا، وفوقيها سلسلة مفاتيح العربية، وحجابها موضته قديمة، من ساعة ما أنا لبست حجاب في إعدادي. كل دي كانت مواضيع سهلة تتفتح ونتكلم وممكن نضحك، بس هيا مش فاضية، وأنا مبعرفش أتكلم مع أغراب، وخرجت من عندها حاسة بوحدة أكبر، بتجرح جوايا كأني لابسة حاجة صوف خشنة مضطرة لها عشان بردانة بس بتجرّح في قلبي فشخ، لدرجة غير معقولة ولا محتملة. لدرجة تنزع أي بقايا طيبة جوايا.

إحساس بالمرار مسيطر عليا لدرجة إني باكل حاجات حلوة كتير وطول الوقت، وعلى طول جعانة، طول الوقت جعانة. عندي علبة من الصاج صغيرة مرسوم عليها رجل الثلج وزينة الكريسماس، جبتها لنفسي مخصوص وقلت “عشان أحط فيها حاجاتي الحلوة” والمفروض أملاها طول الوقت بسكوت وشكولاتة وكل اللي بحبه، بس بانسى. ليه يا روز بتنسي؟ ليه مبتشرتيش لنفسك أكل؟ بانسى. أنا بس بانسى.

ليه بادفع تمن التركة اللي سببهالنا أبويا وأمي؟ وليه أنا المضرورة من كل ده، المفروض آخد بالي من إخواتي ولما حد يتعب أوديه للدكتور؟ ليه بيعتبروني أكتر حد لطيف في العيلة وباعامل مراتات إخواتي -وخطيبة أخويا الصغير المستقبلية- معاملة كويسة وعايزين يقعدوا معايا أكتر بينما أنا طول الوقت مرهقة وتعبانة ومش طايقة حد؟ ليه أنا في حياتي وحيدة فشخ، وجعانة على طول؟

ليه أنا مرهقة وطاقتي قليلة وتعبانة طول الوقت وعيانة وبانزل للدكاترة لوحدي؟

رحت عملت العملية مع صاحبي، وصاحبتي اتصلت بيا، وكلمت صديقي التالت بالليل، واتنين تانيين تاني يوم، وصديقة رابعة جات زارتني تالت يوم، وشفت صديقي المقرّب رابع يوم، وخامس يوم شفت أجمل بنت في الدنيا، هيا وبنتها، ورحت للدكتور النفساني، وباكلم صديقي الأولاني طول الوقت. وحيدة. طول الوقت وحيدة.

باحكي للدكتور عن العملية وملابساتها واللي حصل في البيت بسببهم وبسبب الحوار ده، وإزاي اتصرفت واتعاملت بقوة وجدعنة مع نفسي، إزاي باخد بالي من نفسي طول الوقت وباخد الدوا وباحطّ القطرات وبالبس هدوم خفيفة عشان الحر والرطوبة، وباروح للدكاترة متابعة وباحشي ضروسي المسوّسة لوحدي، وأرجع من عند دكتور السنان لوحدي، وفي الآخر انهرت عياط.

أنا تعبت من الحياة دي، مش عايزة أنتحر بس مش عايزة أبقى موجودة. أنا بس مش عايزة أبقى موجودة.

أنا كان نفسي في رفيق الحياة ده، قلت للدكتور “يعني هو ده أنسب وقت ليه، أنا بس كنت عايزة حدّ ييجي معايا وأنا بعمل الأشعات وباحشي ضرسي، ويشتري لي الدوا.” كان نفسي في حد أتحامى فيه، يبقى بيتي ليا لوحدي، جميل زي بيت صديقي اللي اتجوز صديقتي برضه، وحاطين زرع صغير أوي، نبتة، جوة برطمان ورابطينه بخيط دوبارة عاملين له فيونكة، وحاطينه تحت مصباح بيطلع ضوء أبيض. زرعة صغيرة أوي من نباتات الضل، في برطمان صغير، مركونة في المطبخ تحت المصباح. كان نفسي يبقى بيتي حلو كده وهادي وجميل، معايا حد باقابل الناس معاه، باقابل الحياة معاه، ونهوّنها على بعض.

أقولك؟ كان نفسي أبقى الزرعة دي: آخد مية ونور وأعيش شوية وبعد كده أمشي، وأتنسى.

.

روز

29-6-2019

والغربة ليل بهتان

$
0
0
"أحلامي صبحت بور
ممنوع عليها الضيّ
لكني مش قلقان."
.
صديقي العزيز:
يقول د. أحمد في "اللغز وراء السطور"أن نكتب كل يوم. الحقيقة هي نصيحة قديمة: من يرد الكتابة عليه أن يكتب كل يوم ولو خواطره. شعرت به يخرج من الكتاب ليقول بصوته المرهق "اكتبي يا رزان ومتقرفنيش في عيشتي بقا."لذلك قررت الكتابة كل يوم، لحين إشعار آخر أو نفاد بطارية اللاب توب.

الغربة ليل بهتان فعلًا. أول وصولي هنا شعرت بأنني بهت تمامًا وفقدت لوني. ما لوني؟ قرأت تدوينة جميلة على تمبلر، تقول صاحبتها إن صديقتها رغد رحمها الله كانت تؤمن أن لكل شخص لون خاص، ينبعث من لون هالته. لا أعرف شيئًا عن هالتي، لكني أحب الأزرق، الكثير جدًا من الأزرق يبعث في روحي الإشراق، وهذه الجملة الأخيرة سيئة لحدّ الابتذال.

أوحشتني أمي أينعم، وأفتقدها فعلًا وأشعر بأن هذا كله غير عادل. لقد تجاوزت الستين، مكانها في بلدها تنعم بمناوشة أحفادها، لكنها لا تعرف الهدوء، من الطراز "الفرّاك"الذي ينام 5 ساعات فقط ويصحو شعلة من النشاط. حتى في مصر، استمرت في العمل بعد طلوعها على المعاش، لا يمكنها أن تجلس في البيت تفعل اللا شيء أو تهتم بالطبخ وصناعة المربى والمخللات. هي من سعت للسفر لأنها لا تريد أن تهدر وقتها في أي شيء غير مفيد. وليس لها سوى حفيد واحد على كل حال فلا يوجد من تناوشه سوانا ونحن قد كبرنا ودخل قلوبنا الوَهَن.. أنا مثلًا سكن قلبي الوهن جدًا، حتى لم أعد أعرف كيف يشعر المرء وهو شاب. ماذا يعني أن أكون صغيرة السنّ؟

لكنني لست على توافق معها.

بمجرد وصولي شعرت بذلك. حوائط باردة نزلت بقسوة فوق قلبي.. هل هكذا يشعر مَن لا يعرف "يوتنهايم"–من أساطير سادة الشمال- ودخلها صدفة؟ جدران أخرى بُنيت، فتقوقعت داخلي وظللت هناك. أعرف أنني سأظل هناك حتى سفري، وهذا يوجع قلبي جدًا، يا صديق.

على خلفية هاتفي رسمت لي صديقتي الجميلة شوري صورة "آيرون مان"أو توني ستارك، وكتبت أنا أسفلها "I love you 3000."كلما طالعتها أبتسم بامتنان، وأتذكر جملة صديقي جمال: "على راسي والله، كل آل ستارك، على راسي."اليوم مثلًا أنهيت فيلم "The Avengers, 2012"وبدأت في "Captain America"كنوع من الحنين للوطن أو الجذور. كنت أبحث حولي عمّن أشاركه افتتاني بروبرت داوني جونيور فلا أجد. المزيد من البرد.

متى احتلّت يوتنهايم الصحراء العربية؟

..
كان في ذهني كلام كثير أردت كتابته لكني نسيته الآن. فقط هناك فرحتي بأنني اشتريت "بيجاما"جديدة، أول مرة أفعلها منذ أكثر من 4-5 سنوات! قلت مرة للطبيب النفسي إن من هم في سني عادة يشترون ثيابًا جديدة على الأقل مرة كل موسم، يعني 3-4 مرات في السنة، ربما تقل إلى مرتين فقط بعد غلاء الأسعار والتعويم، لكني توقفت عن الشراء منذ سنوات، وهذا يوجع قلبي بعنف. من ناحية لا أجد مقاسات مناسبة لي في مصر، وهذا لا يمكنني فهمه لأن أغلب السكّان هناك يزيد مقاسهم على 46 بكثير، ومن ناحية أخرى لا أملك مالًا، على الدوام لا أملكه، وهذا يوجع قلبي بعنف أكثر.

لكني اليوم اشتريت بيجاما جديدة، لونها وردي أينعم لكن دعنا من هذه الشكليات، المهم أن شكلها يعجبني ومقاسي ومن القطن! هذا كل ما يهمّ الآن.

ولهذا أنا ممتنة.

تصبح على خير يا صديق، مؤقتًا الآن.

تحياتي
روز
4-7-2019

Article 0

$
0
0
Unpopular opinion 1:
عقلانيًا، المنتخب مخسرش عشان بيساند واحش متحرش. خسر عشان اللعيبة تعبانين -عيدان مكرونة سقيمة مصابة بشلل أطفال- ومبيعرفوش يلعبوا ومفيش خطة واضحة إلخ إلخ.
مساندة التحرش جريمة طبعًا، لكنها جريمة أخلاقية فا مردودها أخلاقي، ناس تكرههم أو تقاطعهم معاملتهم تتغير ليهم، إنما ملهاش مردود "واقعي"أو على الأرض، زي إن عربيته تفرقع مثلًا أو الكاوتش ينام أو الأسانسير يقع بيه إلخ.

فكرة رد الفعل الفوري، أو العقاب السريع، مرضية جدًا وبتخلي الواحد ينَبَسط كده إن "يااااه فيه عدل في الدنيا"ويقعد يقول مسم شفت شفت؟ عشان قلبي وربي غضبانين عليك.
بينما هو الحقيقة مش كده.. يا سلام لو كان كده!

من ساعة ما الأنبياء بطلوا خلاص ومبقاش فيه، العقاب اللحظي أو العقاب الأرضي مبقاش موجود. العقاب كله بقا مؤجل للآخرة. تعمل وحش في حق ربنا؟ استغفره فا يغفر لك. تعمل وحش في حق الناس وما تعتذرش وما ترجعلهمش حقوقهم؟ تعالى يا حلو بقا يوم القيامة ح تتلسوع لما تتمنى ترجع الدنيا ومتعملش اللي عملته ده.

دي فكرة مرعبة جدًا بس مرضية جدًا للي حقوقهم متّاكلة.
لو كانت الفكرة الأولانية "العقاب اللحظي"حقيقية وبتحصل، وقلبي لما يغضب عليك ح تتكعبل وإنتا نازل على السلم، تفسّر بإيه إن فيه طغاة ومرتشين وفاسدين وناس واكلة حقوق ناس، بينما الظالمين قاعدين متهنيين بينعموا بكل النعم، والمأكول حقوقهم مضطهدين وبيتعذبوا؟ ليه الطغاة ما وقعش بيهم الأسانسير وهما نازلين؟ ليه الظلمة بطنهم ما تتقفلش فجأة فا يتخنقوا بكل الأكل اللي أكلوه ويموتوا بقا ويريحونا؟

الإيمان بفكرة "العقاب اللحظي"مؤذية جدًا للي مؤمن بيها. لو حدّ مش عارف ياخد حقه ومضطهد لأبعد مدى، وبيتساءل "طب ليه ربنا ما يعاقبهمش؟"تساؤله ده ممكن يدخّله في حتت ضلمة كتير، وده مفزع ومؤلم. بينما الإيمان بـ"ربنا يوم القيامة ح ياخد لي حقي، وعلى الأرض أنا اللي لازم آخد حقي"مؤلمة برضه، بس فيها قدر أكبر من العدالة، وقدر أقل من الاتكالية على ربنا اللي كأنه ح يتدخل بعصا سحرية وح يشيل الظلم/الاضطهاد/الاحتباس الحراري/الغلاء/التضخم/مصاريف المدارس إلخ.

قياسًا على ده، اللي مؤمن ب"العقاب اللحظي"أو الدنيوي، سهل جدًا يؤمن إن المرض عقاب، وإن الفلوس القليلة -وكل مدى بتقللللللل وقيمتها بتتصفّر- عقاب، وتأخر الجواز/الإنجاب/الترقية/السفر إلخ عقاب. التسونامي عقاب، الزلازل/البراكين/غرق السفر/تحطم الطائرات عقاب. لا يا حبيبي مش عقاب، لما تعيا وبطنك توجعك، يا إما أكلت شيء ملوث يا إما ابتلاء، تصبر عليه تؤجر. خلصت. التسونامي بقا وبقية الظواهر الطبيعية، يا إما ابتلاء يا نتيجة صنع أيدينا بكل تلوث البيئة اللي عاملينه ده.
ربنا بيقول "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)"البقرة. مقالش نعاقبكم.


فكرة "اللي بيساندوا التحرش ما كسبوش البطولة الللااااااااه"فيها تشفي كده وانتقام جميل وحاجة كده آخر ألاجة، لكن لو استعملنا نفس طريقة التفكير والمنتخب كسب؟ هل كده "مساندي التحرش بيكسبوا إذن ربنا غير عادل؟"لأ طبعًا.

إننا نقعد مستنيين ربنا ييجي وينصر المظلومين ويشيل المظالم ويموّت الظلمة دي، فكرة لا ح تودي ولا ح تجيب، وأنا باقولها وأنا عارفة تمامًا إننا في بلد لا تسمح بمجرد الكلام مش "روح هات حقك"، فأنا مش بتعالى على الخلق والله، أنا مكوية بنفس النار، بس باقول يعني إن طريقة التفكير دي غلط، وحبيت أعمل نمرة برضه على الناس وأبيّن إني بافهم، وشكرًا والسلامو عليكم ورحمة الله ^_^
7-7-2019

الخفايا العجيبة للممكن والمأمول والمستحيل

$
0
0
الصورة من فيلمThe Iron Giant, 1999


ليا صديق، عمره ما قال لي إني مقدرش أعمل حاجة، أو الحاجة دي ما تنفعش، أو سخر مني أو من قدراتي. فعليًا، هو الوحيد اللي لما باتهته قدامه وأنا باحاول أجمّع، وأنا ساعات الكلام بيتوه مني فشخ ومبعرفش أكمّل جملة مفيدة، بيسكت خالص.. مبيحاولش يكمّل لي جملي ولا يقول لي "ما يمكن قصدك كذا؟"صمت تام، باخد بالي منه، باتشجّع أحاول أبني الجملة من الأول، وأفتكر أنا أصلًا كنت باقول إيه. باشيل من دماغي خجلي إني "إزاي أتهته؟ أنا مش كبرت بقا؟"باخد نَفَسي، وباهدى.

أنا فعلًا نفسي كل الناس اللي باتلعثم قدامهم أو أنسى الكلام إنهم يتبعوا الطريقة دي.

 صديقي ده، كل ما أقول له مثلًا على حاجة "الله! ده حلو أوي أنا عايزة أشتريه!"بيقول لي "خلاص اشتريه.. وأنا مالي هو كان جرنان أبونا؟"جملة عبلة كامل من فيلم "الستات". ما بيقولش "لأ، ده غالي"أو أي "لأ"من أي نوع، هو عارف إني كبرت خلاص والقرارات اللي باخدها، إحم باينّه كده يعني، باستحمل نتيجتها ومسؤوليتها وكده، وهيا ليلة مطيّنة بطين يالا بقا محدش بياكلها بالساهل :D


كل ما أتكلم معاه يقعد يقول لي سيناريوهات تخيلية غريبة جدًا وغير موجودة في الواقع، شكرًا لكل صنّاع الأفلام والمسلسلات والكوميكس وسكّان مدينة البط –اللي بجد مش بتاعتنا- وفؤاد المهندس وفان ديزل لما عمل صوت العملاق الآلي وعبد المنعم مدبولي، وأشياء كثيرة جدًا أخرى، كل ده في خلاط فريد من نوعه بيطلّع نتايج شديدة العجب والفكاهة.

الحقيقة أنا كلمته كتير لحد ما بقيت من نفسي كده بانتج سيناريوهات برضه عجيبة: نزلت والدنيا حر؟ إشطة أنا عضوة البرلمان الإنجليزية اللي راحت تعمل سافاري في بلاد ما بين النهرين لابسة لبس الرجالة وحاطّة عمّة وراكبة جمل –lose the camel, lose the camel! مفيناش صحة!- بس حاطة كحل تقيل، في فيلم "موعد مع الموت"المأخوذ عن رواية لأجاثا كريستي، طبعًا هيا الجميلة إليزابيث ماكجفرن، بس إشطة أنا كمان عندي كحل وبالبس تربون اللي هو ترجمة ارتجالية للعمّة، وبابص للناس بقلبة بوز "عمركو ما ح تفهموا الدماغ دي مثقلة بإيه، دا أنا سايبة البرلمان يضرب يقلب وجاية أريّح مخي شوية.. إيش فهمكو إنتو؟!"

والكثير جدًا من السيناريوهات اللي أولها "لو كنا في كوكب قواعده مختلفة تمامًا، زي إن الجاذبية تبقى أقل والمية لونها أزرق.. ح نلبس إيه ساعتها؟"بس ما بتكملش، لأن طبعًا مجال تركيزي حاجة كده أقل من واحد على عشرة، زي النحلة، وبذاكرة نحلة برضه.
أنا سعيدة جدًا والله إن بقى جوة مخي self-entertaining system حاجة كده من النوع المفتخر، بحيث إني في مرة نزلت لوحدي وكنت مخنوقة جدًا ومحدش من أصحابي بيردّ على الموبايل، دخلت محل وقعدت أقلب في الحاجات وهوب! التريقة جوة مخي اشتغلت! "الفرو ده حلو عليكي يا آنسة، ما يغركيش والله الحر الفظيع ده، ده إنتي ح تبقي الوحيدة اللي لابساه ومفيش زيك، ح تبقي الموضة الجديدة"أو "واو! ياله من شابوه عظيم! ح يليق جدًا مع الألبوم اللي بتسمعيه حالًا!"والمزيد من الهياس اللي ما بيطلعوش أجود أنواع الحشيش اسأل مجرّب واخفي عن عين الطبيب الساعة دي.
.
وهذا شيء عظيم.

منذ عدة سنوات، وبسبب إصابتي بـPTSD أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة –ما بعد الرضح عشان مايو كلينك ما تزعلش- كان مخي غير قادر على الإطلاق، سوى على توليد خيالات مفزعة وقوية وقاهرة متعلقة بأشياء رهيبة حصلت أو لم تحدث، بيولّدها وبيعيد إنتاجها وبيخلقها من العدم، بشكل مستمر وغلبان جدًا ولا حيلة له فيه، ميقدرش غير على كده، ولهذا خُلق العلاج النفسي يعني متعاطفين معاك وكل حاجة. بس كانت حياتي جحيم: لا نوم لا أكل ولا شرب ولا راحة، مضخة توليد لا تكلّ، فزع لا ينتهي.

أنا سعيدة بالتقدم اللي أحرزته لغاية دلوقتي، الحمد لله.
.
الكواكب الكتيرة جدًا جوة مخي مستنياني –بعد ما أنتصر على وحش العلوقية الأكبر ثم نرقص في الشوارع بالمشاعل "بس"- أكتب عنها، والرسومات اللي مستنية أتعلم إزاي أرسم أساسًا ثم أرسمها، وسكّان مدينة البط اللي بيطلعوا يحاوروني في الأشياء اللي أشتريها أو أقراها أو آكلها أم لا، وأبطال الأفلام والمسلسلات اللي حقيقيين أكتر بكتير جدًا مني ومن حضراتكم، وتشاندلر بينج اللي بيعلّق على كل حاجة باعملها لحد ما بقيت عايزة أخنقه.. كل ده أجمل بكتير جدًا من الواقع بتاع مين أهبل من التاني، ترامب ولا جونسون، وح نعمل إيه في الاحتباس الحراري، والضرايب الجديدة ح تطولنا ولا لأ، واللي بيلبسوا قصير رجليهم ح تتلسوع ولا لأ طبقًا للناس اللي عندها تذاكر دخول الجنة والنار وعارفين بس مدكّنين، والتعويم والدعم ومحاربات الحساسية والبخاخات اللي سعرها غِلي.. صدقني جوّة مسلّي أكتر، وجميل.

لما كنت أصغر بكتير، إعدادي مثلًا، مراهقة يعني، مرة قعدت أفكّر قبل ما أنام "لو عندي قوة خارقة ح أعمل فيها إيه؟"وده تساؤل سمعته بالإنجليزية من المذيعة كموضوع لحلقة البرنامج، على إذاعة البرنامج الأوروبي قبل ما أنام على طول –زمان كان فيه راديو، as hard it may seem to believe- والمذيعة طرحت السؤال، ثم قفلنا النور ونمنا. أنا فاكرة إني كان نفسي أبقى لا مرئية مع الكثير من الطيران، كومبو سوبر هيرويزم كده محترم، وقعدت أتخيل كل الحاجات العظيمة والرائعة اللي ح أعملها لما أبقى خارقة ولا يشق لي غبار بل أنا اللي باشقه، ثم انتبهت "هو أنا ينفع أفكّر كده؟"

زمان كان فيه قيود: حاجات ينفع أعملها/أفكّر فيها/آكلها/أقولها إلخ وحاجات ما ينفعش، لدرجة إني كنت باحس إن أهلي عارفين أنا بافكر في إيه، وكنت باقفل أفكاري خالص عشان محدش يسمعها وأنا موجودة قدامهم.

من حوالي شهرين، كنت قاعدة مع صديق آخر باحكي له عن شيء ما بصعبانيات كده، فا سمعني للآخر وبعدين قال لي "رزان، إنتي مش واخدة بالك إزاي؟ إنتي عندك طريقتك الخاصة في اللبس والقراية والكتابة والتفكير والتصرفات واللي عايزة تعمليه بتعمليه، بالزعيق ساعات بالمحاولة ساعات، بس بتعرفي تسلكي. إنتي عندك قوة هايلة، إنتي إزاي مش شايفاها؟ استغليها يا بنتي، ده كنز."

ويل، باحاول أستغلها والله يا أفندم، وباتمنى جدًا إن مجهودي ما يكونش مشتت في كل الاتجاهات زي عادتي، وبادعي بالتوفيق دايمًا.
.
أنا سعيدة بكل اللي قدرت أعمله لغاية دلوقتي. أنا سهرانة لحد 2 والحروف بتتهز قدامي وح أفطس وأنام، بس كان لازم أكتب الكلام ده كله، كان لازم لأني بانسى. وأنا مش عايزة أنسى :)
.
روز
23-8-2019

أجمل من هذا سوف يجيء

$
0
0

كل مرة باطبخ طبخة جديدة وأقعد أبتكر فيها وأظبطها، كل مرة باطلّع الألوان والورق وأرسم وألوّن، كل مرة باعافر وأزق إني أكتب أو أشتغل أو أروح مشوار ضروري أو أكلم حد لازم أكلمه، في كل مرة كنت بازق إحساس إني مقدرش، إني عاجزة.
.
-       وحسيتي بإيه ساعتها؟ إنتي حكيتي لي عن الأحداث، ما وصفتيش مشاعرك.
-       معرفش.. يمكن بالخوف، أيوة، بالخوف الشديد والعجز.
-       لسه حاسّة بالعجز لغاية دلوقتي؟
-       .. آه. ساعتها، كنت حاسة إني مش قادرة أهرب أو أنقذ حياتي، ودي حاجة كبيرة يعني. هو لسه موجود. إني ما أقدرش، ما أقدرش أعمل أي حاجة على الإطلاق. الموت لسه موجود، ومستنيني.
.
في كل مرة باقف فيها قدام المراية عشان أحط كحل أو مكياج أو أجرّب روج جديد، وأظبط الحلق مع العقد ولون الطرحة والخاتم، وأحس إني جميلة فعلًا، بازق الإحساس بالعجز التام وقلة الحيلة. لفترة طويلة بعد "ما ده حصل"كنت حاسة إني قبيحة جدًا، أقبح من إن حد يبص لي ولا إني أبص لروحي في المراية، كنت حاسة إن وشي ده ذنب لازم يتغطى، لازم ميبقاش موجود هنا، وإنه إزاي يبقى لي عين أبص لي في المراية إزاي؟ أنا ما استاهلش!

سنين بعدها، 3 أو 4 يمكن، مجتش جنب مراية، حتى حواجبي مكنتش باظبطها، وده لو تعلمون عظيم. كنت باحس إن "اللي عمل كده ميستاهلش يتبص له"، وساهم في الإحساس ده كلام الناس من حواليا، والمجتمع القذر اللي حسسّنا إننا إحنا السبب: إحنا اللي قتلنا أصحابنا وإحنا خليناهم يتسجنوا وإحنا وإحنا وإحنا.. إحنا السبب والمذنبين الحقيقيين، أبرياء.

وأنا صدقتهم.

مكانش قدامي غير كده، السيستم جوة مخي عطل ووقف خالص. التروما تعمل أسوأ من كده، مكانش عندي ساعتها شبكة دعم قوية ولا طبيب نفسي جيد. أصبت بالخرس بعدها، لعدة سنوات ربما. باسمع وما بتكلمش، أو ما بسمعش كمان.
 .

-       عملتي إيه في الجلسة؟
-       كانت كويسة.. أقصد، كانت علقة سخنة ومنيلة بنيلة، أكيد مش كويسة!
-       بس صوتك أحسن بكتير من قبلها.
.
-       أنا خايفة.
-       طبيعي، دي الغرفة رقم 99 بتاعت ذو اللحية الزرقاء.
-       دي زي الأوضة من ثلاثية إيجور تاركوفسكي، اللي يفتحها يتجنن؟
-       بالضبط، الفرق إنك ح تفتحيها مع الدكتور النفساني، تحت إشراف متخصص يعني.
-       أنا خايفة فشخ.
-       حقك، بس ده وقتها، ولا إيه؟ لو مش عايزة متعمليهاش.
-       لا.. أنا عايزة. حياتي اتعطلت كتير جدًا وكفاية كده، لا عارفة أركز ولا أقرا ولا أشتغل ولا أعمل رياضة ولا أي حاجة تانية في حياتي. كفاية كده أوي. أنا حاسة إن ده وقتها وإني مستعدة، بس خايفة جدًا. ح أحكي كل ده إزاي؟
-       أنفاس عميقة، واغطسي.
.

في أول 2011 عرفت إني بني آدمة، في آخرها اتحولت البني آدمة دي لخراب.
في أولها، اكتشفت إني شخص، إنسان، بني آدم ليه إيدين ورجلين وإرادة حرة، حد يتكلم فا يتسمع، يقول لأ ما تجوزونيش على مزاجكم ولما الولد اللي بيحبني وباحبه يتقدم لي ترفضوه، إنسان يقول عايز أسافر أدرس برة ما يتقالوش إنتي بنت والبنات ما تسافرش، إنتي كبرتي ولسه ما اتجوزتيش تفضلي قاعدة في البيت ما تخرجيش لحد ما يجيلك عدلك، ما تدرسيش ما تخرجيش ما تحبيش ما تتجوزيش على مزاجك ما تقريش ما تكتبيش ما تعمليش أي حاجة خالص، تفضلي قاعدة ساكتة كده واللي نقول عليه يتسمع.
اكتشفت إني أقدر، إني أقول، ولازم أفضل أقول ولازم إني أتسمع مش أتخرس.
طوال السنة عرفت ناس جديدة، وعرفت إن أم كلثوم مش وحشة أوي ما نسمعها تاني كده؟ وتعجبني، اكتشفت روايات واشتغلت في حاجات بعيدة عن مجالي بس –بعد العلاج النفسي- اتعلمت منها، على الأقل اتعلمت إني ما أعملش زي الناس اللي أذيتني أو أكلت حقي، اتعرفت على مزيكا جديدة ورحت أماكن جديدة وجرّبت الحب بكل الفراشات اللي بيطيّرها جوة المعدة ولخبطة دقات القلب والنظرات المختلسة وإحنا قاعدين وسط ناس.. عرفت حاجات كتيرة وجديدة، وعرفت إني مكنتش عايشة.
 
أنا كنت، قبلها، في طريقي للتحوّل لواحدة مصرية عادية جدًا: بتأكل عيالها بامية بالعافية لأنها ما تعرفش تطبخ غيرها وتتريق عليهم لأنهم "مش مقدرين النعمة"، وتعامل الناس وحش وتقول على اللي أقل منها إنهم مقرفين ومعفنين و"شوف لابسين إزاي؟ ده ريحتهم وحشة!"وتقول عليهم "مبوّظين سمعتنا قدام الأجانب"وتضحك ضحكة سخيفة كده و"وجهها ملطخ بالأصباغ مثل الهنود الحمر"على رأي د. أحمد الله يرحمه. كنت في طريقي إني أبقى مسخ.

في آخر 2011، أصابتني ضربة عاتية، قوية جدًا. لو أنا موجة فا دي الصخرة اللي اتحطمت عليها، لو أنا زهرة عبّاد شمس زي ما صديقي بيقول لي، فا ده المنجل اللي قطع صلتي بالأرض، لو أنا غابة، دي قذيفة البازوكا اللي بدأت الحريق.

وأنا كنت غابة واتحرقت.
.

"شايف؟ آدي إحنا واقفين أهو تحت شمس مايو الساعة 2 الضهر، بس أنا مش شايفة النور، حواليا وجوايا ضلمة، ضلمة شديدة جدًا، ومش لاقية الضوء اللي آخر النفق، لأنه ملوش آخر."

دي كانت كلماتي، كتبتها في محاولة لتجميع موادّ عن كتاب بيتكلم عن "اضطراب كرب ما بعد الصدمة"وترجمتها ونشرها. معرفتش، لغاية دلوقتي وبعد 8 سنين، معرفتش لا أخلص الكتاب ولا أحط فيه قلم ولا أنشره.

شايف النور ده؟ هايل، عظيم والله أحييك. لفترة كبيرة من حياتي مكنتش قادرة أشوفه. كنت بانزل أروح الشغل وأخلص اللي مطلوب مني معرفش إزاي، بأنهي معجزة بأنهي خلايا عصبية بأنهي إرادة، وأكوي هدومي قبل ما أنزل وأنا باعيّط: أصحى أعيّط أغسل وشي أعيّط أصلّي وأسجد أعيّط، وبعدين أمسح كل ده وأنزل. بس مكنتش لاقية النور، جوايا برد وضلمة، ولفترات طويلة، مكنتش باسمع، لدرجة إنهم كانوا ييجوا من ورايا ويخبطوا على كتفي –ويخضوني- عشان أعرف إنهم بيكلموني.

من ساعة ما ابتديت العلاج مع الدكتور النفسي العظيم ده، ربنا يبارك له دنيا وآخرة، وأنا ابتديت أشوفه. جزء منه على الأقل.
.

لما رحت بيتي الجديد السنة اللي فاتت، اشتريت الستاير بنفسي، كانت ملوّنة ومفيهاش كرانيش ولا براقع ولا 3 طبقات مستحيل تتغسل ولا فرنشات وكرانشات وخيوط ملونة وبلي كتير متدلدل من كل ناحية. مجرد ستاير، ملونة، تقيلة شوية، وعلّقتها.
صلّحت الشبابيك وركبّت لها سلك، وغيّرت اللمض، مكانش عندي نجف، مجرد لمبة متعلقة بسلك للسقف. ماما جابت السباك صلح لي الحمّام، وظبطت المطبخ وفرشت مرتبة على الأرض. كنا في الشتا، وكانت الدنيا برد جدًا، وكنت غرقانة في الدهشة: معقولة كل الحاجات دي بتحصل لي أنا؟

كنت حاسة إني في مغامرة أو رحلة خلوية وقاعدين تحت خيمة و"مصباح التنجستين"اللي كنت باقرأ عنه في كتب الكشافة من سلسلة ليدي بيرد اللي لسه عندي. كنت باشغل مزيكا وأفلام ومسلسلات، ونصبت شجرة الكريسماس –اللي شارياها من 4 سنين فاتوا ولافاها وراكناها في قعر الدولاب- وسط كراكيب أوضة المكتب، وزيّنتها ونوّرتها، وصاحبتي كتّر خيرها جات لي هيا وجوزها وابنها، ركبوا لي أول مكتبة في الحيطة، وعلقنا الأرفف، ومشيوا وابتديت أرص الكتب.

كنت باخلق لنفسي حياة.
 .
 
أغسطس اللي فات سمعت عن حفلة للمغنية الفلسطينية دلال أبو آمنة، كانت ح تتعمل في حاجة اسمها "محكى القلعة"أو مسرح كده منصوب في قلعة صلاح الدين. اتهوست، أنا بحب الأغاني الفلسطينية جدًا، معرفش دلال ولا عمري سمعتلها حاجة قبل كده، بس واي نوت؟ عمري ما رحت القلعة ولا أعرف بيوصلوا لها إزاي، بس زهقت من الشغل ومعايا تمن التذكرة.. واي نوت؟

كلمت أصحابي اللي ممكن يكونوا فاضيين ينزلوا كمان ساعتين، اللي كان وراه شغل واللي عنده برد واللي بنتها بتسنن وسخنة، واحدة صاحبتي قالت لي "أنا معرفش دلال وعمري ما سمعتها."قلبي وجعني. كان نفسي أقول لها "دي فرصة إنك تعرفيها، انزلي وح ننبسط"بس معرفتش.

في الآخر لبست ونزلت، هناك قابلت صديقة أعرفها طشاش، وكالعادة فاكراني وأنا ناسياها تمامًا. دخلنا سوا وانبهرت بالقلعة جدًا، إضائتها بالليل عظيمة! قعدنا، والست طلعت على المسرح لابسة فستان واسع جدًا وأحمر، وصوتها الحقيقة مكانش محتاج ميكروفون.

هيا غنّيت، وأنا مبقيتش هنا.

قعدت في كرسيا ورجعت ضهري لورا. كان ساعتها واجعني جدًا، حاولت أريّحه، بصيت للسما، لاقيت نجمة أو اتنين، ابتسمت أكتر. الست بتقول كلام حلو خالص مش فاكرة منه ولا حرف، ومعاها "ختيارات"، ستات كبيرة فلسطينيين من أوائل اللاجئين لمصر، جايين يغنوا معاها. طول الحفلة تقول "تحيا الستات"والناس تزغرد وأنا أضحك! كنت مبسوطة جدًا، مكنتش مصدقة إن ده بيحصل لي.

خرجت بعد ما دلال خلّصت، الرفقة اللي كنت معاها حبّوا يفضلوا قاعدين. اتمشيت، طلعت باتمشى على مهلي، من جوة عند المسرح لحد برة، في جنينة كده في مكان مرتفع قبل ما أطلب أوبر عشان أروّح. كلمت صديقي في التليفون.

حكيت له عن الحفلة، كان عنده برد فكانت ردوده مضحكة جدًا وكل حروفه بقيت "باء"خالص! قلت له إني لاقيت نجمتين في السما، قال لي "عظيم جدًا، ده ما بيحصلش كتير،"حكيت له عن دلال ولبسها وزغاريدها قعد يضحك. اتكلمنا ساعة ونص، وكنا في أغسطس وبردانة جدًا لأننا على ربوة عالية، بس كنت في منتهى، منتهى السعادة.
الحاجات الحلوة دي عشت عشان أشوفها. فضلت موجودة علشان تحصل لي.
.

-       مين ممكن يسقي الغابات اللي جوّانا بعد ما اتحرقت؟
-       حد تاني غيرنا؟ مفيش.
.

في كل مرة بارقص فيها من غير ما أقعد أقول "لأ شكلي وحش"أو "لأ جسمي معرفش ماله"أو "الناس ح تتريق عليا"كنت بانتصر، زرعة جديدة بتطلع جوايا، كل مرة باقف قدام المراية وأبتسم لنفسي عشان شكلي حلو، وما أقولليش خالص غير "شكلك على طول حلو، وإنتي عارفة كده كويس"، شجرة ورد جديدة بتطرح، لما بنتجمع كلنا وأصرّ إننا نتقابل وأشيل الكاميرا التقيلة وأعمل هدايا وأطبع صور ونتصور ونروح السينما وناكل ونغني ونرقص ونطبخ ونشوف أفلام في البيت ونجرّب ماكياجات جديدة، كان ييجي هكتار بحاله من الأرض المحروقة جوايا، بيطلع بداله زرع وشجر كتير وقوي وأخضر ومليان أصوات حياة وسما صافية وشمس ما بتلسعش.

في أغنية "اثبت مكانك"أمير عيد بيقول "أنا اللي من جوايا اتحرق"، وأنا كنت قشرة بني آدم، مجوّاهاش حاجة خالص.
 .

-       هو إحنا لسه مؤمنين بالحاجات الكبيرة دي يا دكتور؟
-       إنتي لسه مؤمنة بيها؟
-       يعني.. يعني.. أظن. آه مؤمنة بيها، الحق والخير والعدالة، مؤمنة بيها وعارفة إنها حقي، بس عارفة إني ما ينفعش أفتح بقي تاني. بقيت مدركة.
-       لسه الحاجات اللي حصلت، بيتعاد نسجها وتوليدها جوة دماغك؟
-       لأ، وآه، وطول الوقت.
.

في فيلم "Avengers: The Age of Ultron"جات لقطة كده، فيها كل واحد من الأبطال بيشوف هلاوس عنيفة، بتطلع له أسوأ مخاوفه. توني ستارك، عليه وعلى كل آل ستارك المحبة والجمال والسلام، شاف جثث كتيرة جدًا، من ضمنها جثث أصحابه، وواحد فيهم بيقول له "إنتا اللي عملت كده."

دي أسوأ مخاوفي.

أول مرة حسيت فيها بالذنب كانت أسوأ مرة. عقلانيًا، أنا مش شايلة المسؤولية، نفسيًا، خايفة عليهم فشخ، من كل حاجة: تعدية الشارع وحرق الأكل وفرقعة اللمض وتوقيف الكماين وخيبة الأمل، ومني.
.

لما رحت المستشفى وأصحابي ساندينّي، كنت حاسة إنه "إشطة، let’s do it."لما رحت أعمل العملية في عيني، في النص التاني منها كنت هادية خالص، إنه "let’s cut the crap  خلينا نخلص بقا."بامدّ دراعي عشان أعمل التحاليل اللي الدكاترة طالبينها، باخد الدوا في مواعيده ولما يخلص باجيب تاني وأكمّل الجرعة، باجرّب أكلات جديدة وطرق طبخ جديدة ما تضايقش معدتي، باحاول ما استهلكش بلاستيك كتير عشان الحرّ ما يزيدش، باعيد اكتشاف أم كلثوم وأحبها، باحاول بدل المرة عشرتلاف إني أخلق جوّ حلو وجميل جوة البيت اللي بيجمع الأضداد المتنافرة ده، باضحك وأعمل أعياد ميلادات ونرقص وأعمل تورت وأحوّش عشان أجيب لأخويا ميدالية غالية لآيرون مان اللي قال لي إنه بيحبه، باعمل بيتي فور وأصحّي ماما ليلة العيد تعمل الكحك لأنه "العيد ح ييجي بكرة ما يلاقيش كحك؟ إحنا بنهرّج والله!"فا تعمل كحك وأساعدها في البسكوت وتسوِّيه ونرصصه ونرشه وتنزل تصلي العيد وأخش أنام أنا، أصحى ألاقيها مبتهجة جدًا إننا "عملنا الحاجة سوا"رغم إنها ما نامتش كويس، بس فرحانة إنها بتقدم لبقية إخواتي وخالتي وولادها من الكحك والبيتي فور والبسكوت اللي عملناه، بفخر حقيقي.

كل ما حد يقول قدامي إنه "مش عايز يعمل الحاجة الفلانية عشان مش شايف لها لازمة"بامسك نفسي بالعافية إني أقول له "أنا شفت الموت ورجعت منه، من جوايا متّ كتير أوي وسبحان من أحياني ولسه محييني لحد دلوقتي، الحياة ما تستاهلش إنك تضيّعها في علوقية إنك مش عايز تروح للدكتور أو تعمل التحليل العلّاني أو تطالب بزيادة في المرتب أو تكمّل دراستك أو تقول لأ مش ح أصالح فلان هو يصالحني الأول.. الحياة أقصر بكتير من كل العلوقية دي."

بامسك نفسي لأن، ويل، التجارب مش واحدة وإحساس الناس بيها مش متشابه، والتعالي مش حلو والله، ولأن اللي شاف روحه بتطير بس رجعت له تاني، بمعجزة مش فاهم سببها لحد دلوقتي، مش شرط يحس بالحاجة بنفس درجة اللي مشافش.
.

روز
26-8-2019

"وكل ما في الأمر أني لا أصدّق غير حدسي / لم أزل حيًا."

$
0
0
في الفيلم الولد رجع، رجع من الحرب متعب ومثقل، وكان مطلوب منه إنه يتصرف عادي، عادي جدًا كأن مفيش حاجة حصلت.
معرفش
.
في آخر الفيلم، بيقول لأخته "عايزة تعرفي إيه اللي حصل هناك؟ أنا أقولك، أساعدك تفهمي، أحاول أشرح لك إيه حصل هناك. أنا متّ. بس كده."
في كتاب "الساعات الشريرة"اللي معرفش اتّرجم ولا لأ، المؤلف الأمريكي اللي كان في حرب العراق، كتب في المقدمة اللي معرفتش أقرا بعدها، إن الناس عامة مش فاهمين اللي رجع من الحرب، مرّ بإيه. الناس تروح تركب الباص، تستنى على المحطة، تجري ناحية المترو، تشوف السوبر ماركت عامل تخفيضات ولا لأ، ده "ما يهمّها حقًا"، إنما لو حد حتى لو قرّيب منهم، حاول يشرح "بس أنا لسه جاي من الحرب!"ويحكي عن اللي حصل له، يدوّروا روسهم بعيد ويمشوا ويسيبوه.

في الفيلم، الراجل طرد ابنه، قال له مش ح أسمح لك تتكلم معايا بالطريقة دي تحت سقف بيتي. طرده من البيت، من غير فلوس، وسابه لمصيره.
.
بعد إصابتي بالكرب، اضطراب كرب ما بعد الصدمة، مكنتش قادرة أتكلم كويس.
بعد كل الخراب اللي شفته، والرصاص اللي تجاوزني بس لمجرد الحظ، لمجرد إني محظوظة أو إن قدري لسه مجاش، مقدرتش أتخيل إن فيه حياة عادية، حياة فيها الناس بتظبط المنبّه عشان تصحى الصبح بدري تروح الشغل، ويتخانقوا مين يعمل ساندوتشات للتاني، ويقلقوا على مجاميع الثانوية العامة، ويكووا هدومهم الصبح ويودّوا عربياتهم للميكانيكي. كل ده كان عادي جدًا لدرجة تثير الغثيان، لدرجة الإحساس إنه كله قلة أدب، وإن الحياة الحقيقية هناك، أو انتهت خلاص.

كان وعيي وإدراكي ويمكن حياتي نفسها، وقفوا عند اللحظات دي. بنهرب عشان نحمي نفسنا، بنوّطي راسنا عشان الرصاص ما يطولناش، لحظة الخوف بنحاول نحتمي في أقرب حد لينا بعد كده نصاب بالفزع لأنه "لو أخد الضربة مكاني وراح هو، يبقى أنا كده اللي موّته"وإحساس بالذنب مستمر لحد دلوقتي، 8 سنين عذاب، بتقلّ حدته آه بس لسه موجود.

كان صعب أتجاوز كل ده في ثواني، وأخفّ منه، وأرجع للحياة العادية اللي فيها كل شيء ثابت ورتيب وعايزينه يفضل ثابت ورتيب بلا حراك أو تغيير. حياتي أنا العادية فيها أقل القليل من الحب، أقل من احتياج فار بترمي له جزرة كل أسبوع وتختفي. كان لازم أتعامل مع كل ده لأنه "ما هو ذنبك إنك رحتي هناك"و"مش لو كنتي سمعتي الكلام كان زمانك دلوقتي بقيتي كويسة؟"و"إنتي ليه مش زي بقية البنات؟ بتحلم بالعرسان والخلفة مش بالحاجات الكبيرة اللي جايباكي ورا دي؟"
.
الولد في الفيلم مكانش قادر يحس بالحب أو التعاطف أو حتى الاهتمام، ومكانش قادر يدّيهم. كان ماشي طول الوقت يشتم أبوه وأمه وأخته، وهمّا مكانوش فاهمينه. أخته قالت له كلام صعب جدًا، راح عبّى المسدس وحطه في جيبه. أمه الوحيدة اللي حاولت تحتويه، بينما أبوه شاف إن دي قلة أدب ولازم يتطرد من البيت.
مكانوش فاهمين.
.
فضلت فترة ما أقدرش أحسّ بالحب. فضلت فترة محروقة فعلًا من جوايا، فترة كبيرة وطويلة، اتقضى عليا فعلًا. مكنتش أعرف دكتور نفساني كويس وأصحابي ساعتها، وكانوا قليلين، مش عارفين يعملوا لي حاجة، شوية بشوية بطلنا نتكلم أو نخرج. اتمسحت واتمسحت مقاومتي، وحاولت أنتحر.
اللي أنقذني كان سؤال "طب ما يمكن فيه حياة تانية أحلى من كده وأنا لسه موصلتلهاش؟"
.
تساؤلي عن "أي شيء آخر مختلف عن العذاب اللي عايشاه يوميًا ده"وإيماني بإن فيه أشياء ربما أجمل وأحلى وألطف وأخف وقعًا، ده مذهل. وسط الضلمة دي كلها وشعاع النور يطلع من جوايا؟ لا فعلًا، ده معجز، جميل لدرجة الألم.
.
لفترة بعدها مكنتش قادرة أحس. ولغاية دلوقتي، مبقدرش أستحمل حد يلمسني. بحب الأحضان ومبقدرش أحصل عليها، أقصى حاجة في السلام إني أسلّم بإيدي، قليلين جدًا اللي استريحت لهم وحبيتهم وممكن أحضنهم أو أسمح لهم يحضنوني. لحد دلوقتي باترعب من جوايا فشخ لما حد ييجي من ورايا أو يحاول يلمسني بأي شكل، وأنا مش واخدة بالي.
.
التروما لما أصابتني مسحت كل حاجة، زي هارد ديسك كده اتعمل له فورمات، وبحاول شوية بشوية، طوبة طوبة، إني أبنيه من أول وجديد: يعني إيه تعاطف يعني إيه حب يعني إيه حياة عادية يعني إيه حقوقي يعني إيه ما أصحاش من النوم وأسمع صوت الرصاص في ودني يعني إيه أحس بالأمان في بيتي، يعني إيه أتكلم وأطلع أصوات معينة من بقي تعمل كلمات وجُمل مفهومة، يعني إيه أحط رجل قدام التانية وأوزن نفسي عشان أمشي، ويعني إيه ما أحمّلش أهلي وأمي ذنب اللي حصل لي أو أعاملهم وحش بناء عليه.

يعني إيه أنا اللي اتصبت وأنا اللي اتحرقت وفي نفس الوقت أنا اللي لازم آخد بالي منهم كلهم.
.
أنا جوايا كمّ هائل من القسوة، كمّ هائل من العنف والأنانية والشرّ، بجاهد طول الوقت إني أكبحه وأكتمه وأحجّمه، لأنه في المرّات القليلة اللي طلع فيها، ضرّ أقرب الناس ليا وأحبهم لقلبي، وأنا مش عايزة ده يحصل تاني.
.
أنا عارفة أنا باكتب الكلام ده ليه. من ساعة ما فتحنا صندوق بندورا مع الدكتور وأنا باهرب إني أكلمه أو أروح له تاني أو نتكلم في نفس السيرة تاني، وهو مصمم إنه يتكلم في النقطة دي لأننا ما ينفعش نسيب الصندوق موارب، لازم كل الأشباح والرعب اللي فيه يطلع، لازم كله يتقضي عليه. في آخر الصندوق، روح صغيرة محشورة في الركن، مستنية إنها تطلع. الأمل. وأنا مستنياها تيجي، بس خايفة من اللي ممكن يطلع قبلها لحد ما هيا تيجي.
.
أنا عارفة أنا باكتب الكلام ده دلوقتي ليه. موجة بي إم إس عنيفة، مشاعري بتضرب في بعضها وبتغربلني، بتزعلني فشخ. عارفة إنه وقت وح يعدّي، وبعد كده ح أبقى كويسة. بس أنا محتاجة أكتب الكلام ده. أنا بانسى. أنا حزينة وبانسى.
.
الكلام ده ما ينفعش يتنشر، مثلًا، ما ينفعش يتحط على تمبلر لأن الناس هناك مستنية صور لطيفة وحاجات حلوة، وكلام زي ده ح يخضها ويتعبها، ويعملوا لي أنفولو، وأنا بحب المعجبين الحقيقة. كلام زي ده ما ينفعش يتحط على الفيس بوك لأن الناس بتبقى قاعدة مستنية صور قطط وكلاب وفيديوهات بغبغانات، ولو قروه ح يمتعضوا ويتضايقوا وأبقى أنا السبب في مضايقة أصدقائي. كلام زي ده لازم يتدفن ومحدش يشوفه.

بس المعاناة بتجمع البشر أكتر من أي شيء آخر، والكلام عن المعاناة بيخليه عادي، عادي إن الإنسان يعبّر عن نفسه ومشاعره، مفيش داعي للخجل لما يبقى عايز يقول إنه بيشوف جثث طايرة في الهوا، وإنه مش عايز يغمّض عينه عشان خايف من اللي موجود ورا جفونه، وإنه بيخاف من أماكن معينة في المعتاد الناس مبتخافش منها، عشان بتفكّره بأشياء معينة، وإنه لسه محبوس جوّة لحظات بالنسبة له عمرها ما ح تنتهي، وإنه وحيد جدًا في معاناته، وإنه بيخاف أوي، بالنسبة له أفلام الرعب والروايات السخيفة اللي كلها ناس بعيون حمرا بتحاول تمثّل دور الشياطين أو مصاصي الدماء، سخيفة وبتخوّف، لأنه شاف اللي أسوأ منها على الحقيقة.

الكلام المستمر عن شيء سيئ بيحيّده، بيخليه مش سيئ، أو على الأقل يمكن التعايش معه.
.
روز
 9-9-2019
.
الفيلم المُشار إليه
"The War at Home," 1996
الكتاب
"The Evil Hours," by David Morris, 2015

مشاعر متوّهمة

$
0
0
رغم أنني استيقظت على ما يرام اليوم ونويت أن أبدأ عملي، وقلت لنفسي “لن أدع شيئًا يمنعني من العمل مهما حدث،” فبعدما أفطرت وطالعت جزءًا من تحديثات الفيس بوك، عادت ضربات قلبي للخبط بقوة. بدأ القلق في التوحش، ثانية.

ينصحون بأن نخلي هواتفنا من محتوياتها ولا نحمل كتبًا في حقائبنا، فأصاب بالذعر، وأتجمد. بعدها بوقت لا أدركه قلت لنفسي في الحمّام “هذه النصائح موجهة للأولاد فقط! أصلًا منظرك بالتربون ده خالتي الحاجة إصلاح ورايحة تقدّم ندر لسيدي أبو الحسن! تفتيش إيه اللي يفتشوهولك؟!” لكنني لم أستجب لذلك الصوت الساخر، الذي كان خافتًا، بالضرورة.

رحت، يا صديق، أفتش عن كيفية تأمين هاتفي، والعثور عليه في حالة إغلاقه أو سرقته وضياعه، واتصلت بك استأذنك بأنني أريد وضعك على قائمة “من أتصل بهم في ساعة الطوارئ” لأنني أعرف أنك تجيد التصرّف.

بعدما انتهيت من كل هذا، رحت أحاول إقناعك بألا تركب المترو ثانية، أو تحمل كتبًا في حقيبتك. أجبتني بهدوء، فنّدت مخاوفي، واستغربت هدوءك. صمتّ. تركتك وقد أذّن للمغرب.

التفتّ عن شاشة الكمبيوتر وأنا أتساءل بضعف عن أين أنا، وماذا أفعل هنا، وفي أي يوم نحن، وما كان المفروض أن أنجزه في ذلك اليوم تحديدًا. دخلت لأستلقي على سريري والنور مطفأ.

.

في العاشرة والنصف نهضت. بحثت عن شيء لأشربه لأن الحموضة أشعلت أعماقي، وفتحت كتابًا لأقرأه. كنت في حالة أهدأ كثيرًا.

أعمل هذه الفترة على شيء متعلّق بموضوع الكتاب، ولأول مرة منذ فترة طويلة، أرّكز في القراءة بشكل ممتاز. رحت أكتب في أوراق جانبية صغيرة، كعادتي، ملاحظات لأستخدمها فيما بعد، كيلا أنساها. نهضت لأنشر الغسيل، واستغربت منظري في المرآة: شعري مترّب، مبعثر بشدة، لا يجيد إلا الوقوف مثل شعر ساحرة هربت من أزكابان، ويضايقني. نسيت أن أغسله، مجددًا. 

عدت للكتاب، انتهيت من جزء الأعراض، وقبل أن أدخل للجزء الخاص بالذاكرة، صوّرت جملة تقول “فرط الانتباه، أو الشعور بالحذر الدائم، والبحث عن مصدر الخطر القادم.” نويت أن أرسلها لك، لكني شعرت بالخجل من نفسي، و”كيف سمحت لمشاعري بالسيطرة عليّ هكذا؟ مش تمسكي نفسك شوية؟ ليه الرعب ده؟”

يثقل جفني الآن إحساس متوّهم بالنوم، أعرف أنه سيطير بمجرد وضع رأسي على الوسادة، لساعتين على الأقل، وأربط شعري بمشبك غسيل كنت أسند الكتاب به، وأحاول الكتابة كي أفرغ رأسي وأنام.

.

الصالة

1:16 صباحًا

24-9-2019

تمشي..؟

$
0
0



-       إنتي جاية تمشي دلوقتي؟ وإنتي في عزّ نجاحك؟
-       (بانفعال) أنا عايزة أمشي من عشر سنين! أنا بقالي عشر سنين باخد فرص تانية، وزهقت بقا. كل شوية أقع وأقوم، أقع وأقوم، وزهقت.
-       بس ده معناه إنك you know the drill. بقيتي عارفة تعملي إيه في المواقف دي، عندك خبرة. ما تكلمي الدكتور؟
-       ح يقول لي إيه يعني؟ ما الدوا ما بيشتغلش معايا. ح يقول لي إيه جديد؟ "خليكي مع أصحابك،"ما عرفت!
-       آه، بس عشان هو authority figureح تسمعي كلامه، وإحنا أهو، ح نروح فين؟ كلمينا!
-       بس أنا زهقت..
-       إنتي جاية دلوقتي وإنتي ناجحة وتقولي إنك زهقتي؟
-       أنا ناجحة؟
-       إنتي مش شايفة؟ إنتي اتغيرتي خالص، إنتي ح تبتدي حاجة جديدة جدًا، حياة جديدة، إنتي بقيتي ألطف وأهدى وأذكى. عايزة تسيبي كل ده وتمشي؟
-       لأني مش شايفاه..
...
-       عارف؟ فيه سبب بيخلّيني باقعد أتفرج على الأفلام والمسلسلات بس، بافضّلهم على التفاعل مع الناس العاديين، بارتبط بيهم بسهولة أكتر من الناس اللي حواليا. عارف في سلسلة الأفنجرز؟ ما بشوفهاش من الأول وجديد بالترتيب، شوية أفلام بس، بس أنا بحب توني ستارك خالص. أنا عارفة إن روبرت داوني جونيور كان عايز يمشي من الأفلام عشان زهق وعايز يعمل حاجة جديدة، وعشان عنده 54 سنة وكبر بقا، بس أنا كنت حاسة إن توني ستارك كان عايز يمشي. عينيه كان فيها ذنب رهيب.
-       لأ، مش متفق معاكي.
-       في الآخر خالص، لما هو اللي لبس الأحجار وفرقع صوابعه، كان عايز يمشي.
-       (بانفعال شديد) يمشي إزاي؟ ده كان أكتر واحد عايز يقعد، فيه كائن صغيّر كده، مورجان وزي العسل، يسيبها إزاي؟ بس هو كان في وضع ابن وسخة، لو مخلصّش اللي بيحصل ده أهله مش ح يعرفوا يعيشوا. أنا مش موافقك خالص في اللي بتقوليه.
-       (ما اسمعوش) أنا كمان عايزة أمشي عشان زهقت، وحاسة بالذنب.
-       إنتي بس downشوية، واللي حكيتيهولي ده يهدّ جبال، طبيعي تكتئبي جدًا من اللي حصل، ربنا يكون في عونكم ويقدّركم. آخر مرة حسيتي بكده كانت إمتى؟
-       من سنة تقريبًا.
-       شفتي؟ بقالك سنة مستحملة أهو، ومكنتش سنة سهلة. معلش، كلمي الدكتور وكلمينا، إدّي نفسك شوية وقت، اشتغلي شوية، اشغلي نفسك، ما تفكّريش كده، حاولي ما تفكّريش كده.
-       أنا مش قادرة أستحمل..
....
-       فكّري في اللي بتحبيهم.
-       (بزعيق) إنتا عارف إن ده عمره ما كان بيساعد! إحساس الذنب اللي ح ييجي معاه بيزوّد الحالة وأنا أصلًا عندي أطنان من الذنب فا أقوم بقا هوب (حركة المسدس إلى جانب الصدغ) وأبوكو كلكو!
-       (صمت) بس ده بينفع معايا.
-       ....
-       أنا فقدت ناس كتير وعارف الحزن اللي بيسببه موت حد، وما أحبش أعمل كده في الناس اللي بحبهم.
(عايزة أحضنه عند "فقدت ناس كتير"بس ما يصحّش. مصر الجديدة لا تحب الأحضان أو المؤازرة، على ما يبدو).
-       أنا ليا ناس كتيرة بيحبوني وبحبهم ومش عايز أعمل كده فيهم، وده أكتر حاجة بتوقفني عن التفكير في شيء مماثل.
-       كويس، أتمنى إنك عمرك ما توصل للتفكير في شيء مماثل. أنا كمان مش عايزة أفقدك.
-       شفتي؟ ليه نفس الكلام ما ينفعش معاكي؟
-       لأني مش شايفة لحياتي معنى..
...
-       تفتكر إني.. (ابتسامة خجول) الدكتور أصله بيقول لي أوّسع دايرة معارفي.
-       اعملي كده.
-       تفتكر إني، ح ألاقي حد؟
-       الناس كتيرة أهيه!
-       لا، أقصد، يعني، "حد".
(تليفونه يرنّ، عايزينه في الشغل دلوقتي).
-       أنا مضطر أمشي، خمس دقايق وأوصل لهم، ح تعملي إيه؟
-       ح أعدّي هنا، أشتري أي حاجة.
-       آه، ح تلاقي طُرح وحاجات كتير بينك وتوك للشِعر، للأسف أنا ح أقعد أتريق ومش نافع معاكي في المشوار ده!
-       عارفة، عشان كده ح أروحه لوحدي.
-       (صمت، ينظر إليّ، دون أن أبادله النظر) تعالي أعدّيكي.
-       ...
-       ح تبقي كويسة؟
-       آه.
-       كلميني، keep in touch.
-       توصل بالسلامة.
...
روز وصديقها المقرّب،
30-10-2019

Article 1

$
0
0
- انبسطتي في الكلية؟

- اممم.. غريبة السؤال ده، خصوصًا في أول مرة نتقابل فيها. خلّيني أشوف: أنا مفكرتش أوي في الموضوع قبل كده، يمكن عشان مكنتش باخد الحاجة على بعضها لوكشة واحدة. أنا دلوقتي وأنا كبيرة كده حاسة إننا كان ممكن نتعامل أفضل في الكلية، نتعلّم حاجات جديدة وكتيرة بطرق أفضل بكتير مما اتعلمناها. كان ممكن نطلع المكتبة أكتر وكانوا هما ممكن يهتموا بالمكتبة ويمسحوا التراب اللي على الكتب أكتر! أنا دلوقتي عارفة إن الحياة فيها خيارات أوسع جدًا مما كان مطروح لنا ساعتها، لكن وأنا صغيرة مكنتش عارفة ده أوي، ومع ذلك كان فيه إحساس خفي إن "هو ده كل المتاح؟"عدم رضا، تقدر تقول كده.



- زي إيه؟ عدم رضا عن إيه؟



- طيب، بدل السؤال ده، خلّيني أحكي لك من زاوية تانية: أنا شايفة إننا كنا محظوظين جدًا. يعني مثلًا، كان عندنا دكتور صغير في السن نسبيًا، وكان بيعاملنا وحش وكل حاجة، كان بيقول علينا ألفاظ مكنتش عارفة معناها وما اهتميتش إني أدوّر في القاموس، بس الإحساس بتاعها نفسه كان مهين، وكان عنده جوّ كده من التعالي على شوية فارغي العقول اللي قاعدين قدامه وجايين يعطلوه ويضيعوا وقته دولت. لكن ورغم كل ذلك، كان واحد من قلائل معدودة جدًا كان بيخرج عن موضوع المحاضرة والمنهج عشان يربط ما بينه وما بين العالم الخارجي. مش الناس في الشارع وكده، لأ، العالم الثقافي.



وأنا كنت ساعتها، في تلك الأيام الباسمة من 2005-2006، باشتري الدستور في إصدارها الثاني الفخيم، أيام ضربة شمس وهذه الأشياء المبجّلة العظيمة، وجرنان أخبار الأدب أيام المرحوم جمال الغيطاني، لما كانوا بيكتبوا حاجات في منتهى الجمال والعظمة في كل ملليمتر متاح حتى الهوامش بتاعت الصفحة، وكانت بـ2 جنيه بس وسميكة، وكنت باجيب برضه العربي الكويتي. كانت أول جرايد أجيبها خارج نطاق الأسرة، خارج الأهرام وأخبار اليوم المعتادين، باجيبها لنفسي وبنفسي، ومواظبة على قرائتهم كلهم. صحيح مش من الجلدة للجلدة عشان برضه، الإنسان لا بدّ يذاكر أو يتظاهر بذلك على الأقل، لكن كان فيه حاجات باحرص عليها. مكنتش مهتمة بالسياسة ساعتها فا كنت باتجاهل بضمير مستريح مقالات إبراهيم عيسى وغيرها، لكن صفحتين ضربة شمس -وبعد ذلك صفحة واحدة، للأسف- كانوا بيتذاكروا بإخلاص تام.



أنا فاكرة مرة قرأت في مجلة العربي الكويتية مقالة صغيرة عن رواية "عوليس"أو Ulysses لمحيّر البشرية الأول جيمس جويس، ومفهمتهاش -طبعًا، اللي قرا الرواية نفسها مفهمهاش، وغالبًا اللي كتبها وترجمها ونشرها!- فا شيلت المجلة في الشنطة ورحت بيها الكلية، واستنيت لما المحاضرة خلصت بتاعت الدكتور المتعالي ده، ورحت له غرفة الدكاترة. استنيته لما خلّص مع الطلبة التانيين، وتقدّمت للمكتب، وفتحت المجلة، وقلت له "لو سمحت، أنا قريت المقالة دي ومفهمتهاش.. ممكن تشرحها لي؟"



لما شاف المقالة وعنوانها زَفَر في ضيق كده، وقال لي "أنا لسه طالع من محاضرة وح أدخل واحدة تانية، وكمان ح أشرح جيمس جويس؟!"فأنا بصيت له باحتقار ولمّيت المجلة منه وأنا باقول في سرّي "ليه؟ عندك حاجة أفضل تعملها؟"واستعديت إني أمشي، راح قال لي "خلاص خلاص، سيبيها، ح أقراها وأرجع لك."ولمّا كنت ساعتها، إحم، زي دلوقتي، ما بسلّفش مجلاتي ولا كتبي، قلت له لا شكرًا، اشرحها لي دلوقتي! أخد مني المجلة وهو بيبص لي بطريقة "لو أن النظرات تقتل"وقرأ المقالة سريعًا، وقعد يشرحها لي ويحاول يشرح لي الرواية، بعد ما سألني بابتسامة خفيفة "قريتيها؟"قلت له لأ، فضحك، وكمّل شرح. خلّص، سألني "فهمتي حاجة؟"قلت له لأ، ولميت حاجتي ومشيت، وأنا ندمانة جدًا إني اتأخرت على المحاضرة اللي بعدها عشان قعدت أسمع كلام فاضي عن رواية هبلة واضح إن كاتبها نفسه مش فاهم هو عايز إيه في الدنيا، واستغربت إن مجلة تقيلة زي العربي تدفع فلوس لناس بتكتب كلام فاضي. إيه مضيعة الوقت دي!



- (يضحك) وعملتي إيه بعدها؟



- ولا حاجة. فضلت أضحك في سرّي لسنين طويلة بعدها، لحد دلوقتي، كل ما أفتكر نظرة الاحتقار اللي رميتها للدكتور، وإحساسي بـ"مضيعة الوقت"لما مفهمتش جويس. بعدها بشوية لاقيت "أهل دبلن"نازلة مُترجمة مع مكتبة الأسرة، ترجمة كويسة كمان، ولاقيتها -Dubliners- بالإنجليزي في إحدى غزواتي لسور الأزبكية، اللي كنت متعوّدة عليها كل فين وفين كده، أنزل الجمعة الصبح بدري أيام ما كنت باصحى بدري، أغزو السور أقلّب فيه وأرجع بعد الصلاة. أنا ممتنة بالمناسبة لغزواتي دي، لأن عندي ذكرى حية جوة مخي لشكل السور زمان، قبل ما يتهدّ لحساب مترو الأنفاق وأشياء أخرى.



جويس بقاله معزّة خاصة في قلبي. مش شرط أفهمه أنا خلاص كبرت وعرفت، ده أنا ممكن أغامر وأقرا لبروست كمان وأتفاخر إني مفهمتوش عشان "هذه هي الحياة، نقرا وما نفهمش"وعادي يعني مش قضية، بس أنا بقيت باعزّ هذا الأيرلندي جدًا. عارف ليه؟



- ليه يا ستي؟



- عشان إحنا كنا محظوظين جدًا. إحنا كان عندنا ناس ممكن يخرجوا عن المنهج عشان يقولوا لنا شيء عن جويس والواقعية السحرية ويشجعونا نكتب قصص قصيرة ويقولوا لنا إنه ييجي منّا، بدل ما الحكايات كلها عن المجد الغابر والعزّ الفائت والنقمة الهائلة إننا جيل معفن ما بنفهمش مفيش مننا رجا وآخرتنا الجواز والقعدة في البيت بنربّي العيال. سو وات لو قعدنا في البيت نربّي العيال؟ مش لازم ننبسط شوية ونعرف حاجة أو اتنين عن أدباء آيرلندا وأمريكا الجنوبية والحركات الأدبية التي أثّرت في التاريخ؟



مين دلوقتي يقدر يختلف مع الدكتور بتاعه، أو يتضايق منه لأنه مشرحلوش شيء برة المنهج قرأه في مجلة ثقافية؟ مين دلوقتي بيقرا العربي، اللي أصلًا بتنزل يوم 20 عشان تتسحب يوم 28 من الشهر؟ الجو العام المقفول والاختلافات والانقسامات السياسية طلّعت أسوأ ما في الناس، هل في المناخ ده تقدر تتجادل حوالين إذا كان جويس يقصد شيء ما بروايته الكارثية ولا كتبها وهو شارب حاجة ومات قبل ما يشرح ده عشان يحيّرنا كلنا لأبد الآبدين؟ تقدر؟



لأ، لأنك ساعتها ح تبقى عامل زي اتنين هدومهم مبهدلة ومقطعة ماسكين قطعة خبز قديمة وبايتة وقاعدين على أطلال مدينة في عالم ما بعد المحرقة وبيتجادلوا هل استجابة اللغة لمتطلبات عصر ما بعد الحداثة ده في مصلحتها أم كان لازم تتمسك بمفردات العصر الإدواردي!! وده، كما ترى يا عزيزي، شيء غير منطقي ومش في مصلحتك.



- بالعكس، أنا شايف إن حتى لو أنا قاعد على أطلال ما بعد المحرقة زي ما بتقولي، لازم أتمسّك بالحاجة اللي تخليني أنبسط، حتى لو كانت مجرد جدل حوالين استجابات اللغة للتيارات الأدبية اللي حصلت في من سابق عليا. لو ده يسعدني، ح أعمله بإخلاص حقيقي.



- وهنا نختلف. بس أنا شايفة وجهة نظرك.



- أنا مبسوط إن عندك ذكريات سعيدة عن فترة مكانتش باسمة أوي.



- إيه في الحياة باسم أوي؟ سي لا في يا عزيزي، سي لا في..

.

(جزء من حوار مُتخيَّل، لكن الوقائع الداخلية حقيقية)

6-11-2019


Viewing all 362 articles
Browse latest View live