Quantcast
Channel: يرجع الصوت المسافر
Viewing all 362 articles
Browse latest View live

Article 0

$
0
0
هناك شيء ما، حزين جدًا ومفتعل، ولا عقلاني وسخيف، في استخدام أفعل التفضيل في كل شيء. "أسعد كلب في العالم"و"أجمل وجبة في الكون"و"أكثر الناس مللًا في تاريخ البشرية"، و"المدينة الأولى من نوعها"و"أضخم مول في القارة"وغيرها.

المبالغة سخيفة: هل رأيت كل كلاب العالم؟ هل أكلت كل الوجبات في الكون، أو خرجت أصلًا من كوكبك البائس هذا لتجرّب أكلات الكواكب الأخرى؟ هل عاصرت كل الناس المملة على مر التاريخ البشري؟ كيف تجزم، إذًا، بمنتهى السهولة أن ما تراه أمامك أو تعايشه هو "أكثر"شيء من نوعه على الإطلاق؟

في هذا نوع من محو التجارب الإنسانية الأخرى، أو جبّها، أو التقليل من قيمتها. هل كلبك أسعد من كلبي؟ هل طبخك أحلى من طبخ صديقتي التي وقفت في هذا الحرّ 6 ساعات متواصلة للفّ ورق العنب، وتجهيز الوليمة؟ هل هي مباراة في ضخامة مباني المولات وعدد المحلات التي تستطيع استيعابها؟ هل كلكم صبية حمقى تتبارون أيكم يملك أضخم بلية أو أكبر سيارة بريموت كنترول؟

لكن المحزن في الأمر ليس فقط فقر اللغة، لكن الرغبة التعسة لأن تثبت لنفسك أنك تعيش "أسعد"لحظات حياتك. هل تخاف من الحزن أو التعاسة؟ هل تخاف من التعبير عن المشاعر، فتقول إن هذا الطعام جيّد جدًا، لكنك أكلت وستأكل أحسن منه أو أقل جودة أو أي طعام عاديّ لتسكت به جوعك؟ هل تخاف تكرار التجارب الجميلة؟ هل تخشى تكرار الأيام المملة والسيئة والقهوة الرديئة والكتب التافهة والكلاب البائسة، لدرجة أنك تعّظم، لحدّ الهيستيريا، أي شيء جيّد يحدث لك؟ هل حياتك بهذا الملل حقًا ولا تجد فيها منبعًا للسعادة؟

لو هذا صحيح، فتّش عن الخلل وأصلحه، وارحم اللغة التي توشك على قتل "أفعل"في الصفات، من الملل.
.
5-10-5018

توّحش العاشرة ليلًا

$
0
0
وصلت الساعة للعاشرة
ووصل معها العَدمَ:
ماذا صنعت في يومي؟
.
أستيقظ بعد الظهر
هلوعًا، كأن شيئًا عظيمًا فاتني
أراجع مع ذهني نصف الواعي، واجبات اليوم
لا شيء.
لا مواعيد ولا زيارات أطباء ولا مكالمات.
يظل هاتفي مغلقًا لما بعد العصر
وأنهض متحررة
من أثقال كوابيس وأعمال غير منتهية وموتى يرفضون الاعتراف بآخر بلواهم.
.
ينقضي نهاري القصير في ممارسة الخفّة:
أطير بحثًا عن مقالاتي الأخيرة المنشورة
متلصصة على معدّلات قراءتها.
هل تتحسّن كتابتي؟
هل تفيدني دواوين الشِعر المنثورة كأغلفة البسكويت، حولي
والأفلام التي أراجع ترجمتها في ذهني قبل استكمال المشهد؟
هل استراح ظهري، بعد محاولة تفكيك عضلاته المتيبسة فوق بعضها
وفردها، أمس، كي تخدمني عددًا أطول من السنوات؟
أتلصص على الهاتف
أنتظر مكالمة لا تأتي
بينما "ضلّ شوقي أنا، شلال"
و"وإيه العمل؟"
تلتهمان ما تبقّى من صبري.
.
يأتي العصر بلون برتقالي
فأُشرق:
أنسى كوب الشاي
وأسحب إحدى المجلات المركونة في الصالة
بانتظار تعافي يديّ لحملها وركنها أسفل السرير.
أقرأ إحداها،
ويدخل أخي من الخارج، أخبره بعد التحية بأن بطوط نجح في إخفاء مدينة كاملة
فيضحك وادعًا منهكًا
ويترك الأرز باللبن في المطبخ
ويغفو.
.
أحسّ بالدَخَنة قبل أن أشمها
يتسلل إليّ ضيق وعبثية:
حياتي هنا عبث
وجودي نفسه مشكوك في أمره،
لم أجددّ البطاقة الشخصية!
رسميًا: أنا منتهية الصلاحية
فقرات ظهري توافق السلطات الرأي
وجيبي الخاوي يقيم حفلًا للإعلان المبجّل.

أنتبه للدخان فأغلق النوافذ
أقرر القراءة لوديع سعادة
وتهنئة ابن أخي على نظارته الجديدة.
يلطمني وديع بقوة:
ما نوع الوحشية التي صادفته
لتجعله يكتب شِعرًا كهذا؟
من بعض الأبيات أخمّن أنه لبناني،
أرتاح قليلًا: ربما الحرب الأهلية؟
هل الحرب المبرر الوحيد لسطر كلمات معجونة بالوَحشة
كفجوة روح تتطلع نحونا في بلاهة،
بغير أمل في ترميمها؟
.
أترك الديوان وأحرق نصف قرص عجّة.
.
راقدة على ظهري، أخاطب نسخة صديقي المستكينة
داخل الجانب الأيمن، من الحوداية الشِمال، في عقلي.
أقول له تعبت من الوجود
تعبت من القلق حيال كل شيء
لنترك كل شيء ونتحدّث عن القلق!
ورغم طرافة الجملة، فلم يضحك
وافقني وهزّ رأسه
"نعم نعم، أريد أن أنام الآن"
وانقلب على جنبه وهمس: تصبحين على خير.
.
أتركه وأعود للديوان
يهاجمني كابوس هذا الصباح.
أنام بعد الفجر فتمرح كائنات الظلمة بدماغي
طويلًا
طويلًا.

يا سيّدي الفاضل:
أعرف أنك متّ
وأعرف أنك تعرف،
لا تزرني من فضلك، لا تجعلني أحاول إقناعك بالعودة
لا تتركني باكية
وتقول لي "معلش"وتصعد.
أستيقظ وفجوات روحي تتسع أكثر
وأعرض
وأقوى.
أهكذا يشعر وديع سعادة؟
أهكذا يكتب دواوينه، بعد الاستيقاظ مباشرة؟
.
تلتهم العاشرة ليلًا أي محاولات لصدّ الهجمات.
.
أي خطط؟
أنهزم فيها كلها
والجيب الخاوي يزعق:
"مش من هنا، مش من هنا"
لم يستطع أن يشتري جبنًا وبيضًا ومربى
لأجل إفطاري صباحًا
أنا وصديقي داخل الحوداية الشمال،
فالقهوة توجع بقوة،
على غِيار الريق،
ولن يحميك من مرارتها
انحشارك داخل تلافيف رمادية مُنهَكة.
.
8-10-2018

عزيزتي معلومة الهوّية: الحياة معاكي، جميلة فشخ

$
0
0
بقالي فترة كبيرة باعاني.

كنت باقول لنفسي كده، إمبارح باتفرج على التلفزيون لقيت أفلام لحاجات حلوة وحياة حلوة بتحصل في بلاد برة، فقلت لنفسي "كل الحاجات الحلوة بتحصل برّة بس"مكملتش الجملة يعني مينفعش أحط فاصلة ولا نقطة وقلت لنفسي "بس أنا فيه حاجات حلوة جدًا حصلت لي وأنا هنا، جوة في الحفرة، وناس حلوة جدًا شفتها -بس هما مبيحبوش الشكرانية فا حاسكت- وأماكن جميلة رحتها، ومن الظلم نكرانها."

الحقيقة التدوينة دي لا تمدح في هذه البلد بأي شكل من الأشكال، أنا لسه عايزة أسيبها وأروح بلد بارد ومليان تلج -اشتميني يا منى براحتك- وبيحتفلوا فيه بالكريسماس! آه والله، أنا عايزة أسافر مخصوص عشان أروح بلد فيها كريسماس وشجر وزينة في كل حتة، بس في نفس الباكيدج، البلد دي تبقى آمنة ليا وفيها تأمين صحي واجتماعي وفيها إمكانية للشغل، واختيارات كتير في السوبر ماركت وفلوسها حلوة فيها البركة تقعد لآخر الشهر، ولما ييجي ديسمبر نزيّن الشجر ونطبخ فطير بالتوت، بدل البلد دي اللي مفيهاش توت ولا شجر ولا صحة ولا فلوس.

بس أنا عشت حاجات حلوة فشخ هنا.

من شوية كنت باوضّب، باسمع التسجيلات الصوتية الحلوة فشخ اللي بعتتها لي منى وباوّضب مكتبي. حطيت مفرش كاروهات -كان قماش بلوزات قديم جدًا وفاضل منه ييجي متر ما يعملش كمّ حتى- وزيّنت المكتب، وفتحت الأدراج ولاقيت أشياء ممتنة إني اشتريتها في وقتها. حاجات كنت باقول لنفسي وأنا مكتئبة وغالبًا مفلسة "يعني إنتي لما تشتري الحاجات دي ح تحقق لك السعادة الأبدية؟"أو "ح تعملي بيها إيه؟ روحي صلّحي حياتك الأول"ودي نفس الجمل اللي كانت بتتقال لي.

فا أنا يعني ممتنة للكيس القماشي المزخرف يدويًا، اللي اشتريته من كاترين في أول مرة أروحها تقريبًا، وممتنة فشخ لكل الحاجات المتعلقة بكاترين حتى الأحجار اللي كنت بالمها من الجبال وأنا ماشية، وخايفة حد يقفشني ويطلب مني تصريح لجمع الأحجار!

ممتنة لكل البوك ماركس - أو علّامات الكتب- اللي جمعتها واشتريتها عبر العصور، ولمجموعتي من الأصداف والقواقع اللي كنت باجمعها من وقت مبكّر جدًا، ولما آيات عرفت إني بحبها أهديتني حبة كتار جدًا منهم -ربنا يخليكي :* - ولهوَسي بالورد المجفف والأواني الزجاجية وأي شيء زجاجي عينيا بتشوفه بتتحوّل لورود وفراشات وقلوب وجليتر متناثر في كل حتة، وللشمعة أم ريحة "بياضات"اللي جبتها من السفرية الأخيرة للسعودية وصممت ما افتحهاش ولا أشغلها وبعدين أصبت بالحساسية الصدرية فمبقاش نافع، بس كل شوية أشمها أفتكر الندر اللي ندرتها له: دي ريحة الحياة الحلوة الجديدة اللي ح  أعيشها، معرفش فين وإمتى بس أكيد الشمعة دي ح تبقى مصاحباني.

أنا باجمّع الورق الملوّن والستيكي نوتس اللي شكلها غريب ومختلف والألوان.. عندي كرتونة صغيرة بس تقيلة فشخ مليانة ألوان كتيرة وبعضها مش بيلون حلو بس شكرًا لبينتريست اللي إداني استخدامات كتيرة وجميلة ليها، وباجمّع البلي الزجاجي الصغير -عرفت من رضوى عاشور إنه اسمه بنانير- ومشابك الغسيل اللي شكلها حلو، مش باشبك بيها الغسيل لأنها غالبًا ضعيفة وبتتكسر بسرعة، بالعب بيها.

كل فنجان أو مجّ من مجموعتي ليه تاريخ مختلف، في فترة سابقة كنت متحمسة جدًا إني أحكي قصة كل هذه الأشياء لأن غالبيتها جميل وبيبهجني. مفيش مجموعة أشياء على بعضها اشتريتها من مكان واحد: مش كل المجّات من آيكيا ولا اللاب توب بالكيبورد والماوس من كمبيومي ولا كل المونيكيرات من نفس المول، كل شيء ليه حكاية وذكرى حلوة أو أنا مع الزمن باخليها حلوة.

الشمعة بتاعت "الحياة الحلوة الجديدة"اتفتحت وريحتها مش قوية، بس لسه مش باشغلها، باشمها من وقت للتاني بس، لسه عايزة الحياة الحلوة تيجي بس بحاول أستمتع بوقتي هنا -البيت ده والبلد دي- بقدر الإمكان.

أنا حياتي مؤخرًا بقيت صعبة فشخ، مشاكل صحية ونفسية أكتر من اللازم، في أقل من أسبوع ح أشوف 4 دكاترة وعملت تحليلين واحتمال أعمل التالت لو فيه فلوس، إيديا بقا صعب فشخ أكتب بيهم وشكرًا إنهم كمّلوا التدوينة دي لحد دلوقتي، صعب جدًا أشتغل أو أقرا أو أقعد أو أمشي أو أنام، مفيش مزاج ولا صحة للخروج ومقابلة الناس، فا تقريبًا حياتي وقفت واتعطلت ومفيش مخرج.

بس أنا مصممة أجيب لها مخرج، بيني وبين نفسي قررت أمشي الطريق لآخره، ولو فيه أي وسيلة للتخفيف من الألم ح أتبعها، مش ح أسيب سكّة إلا لما أخبّط على بابها وأجربها. صحيح نقص الفلوس مرهق جدًا ومؤلم، لكن الحقيقة أمي بتحاول مساعدتي، وشكرًا جدًا ليها والله، وربنا يجازيها خير كتير.

لكن وسط كل ده، فيه متنفس إني أشوف فيلم حلو وانبسط بيه، ألوّن نص رسمة بس انبسط بيها، أكلم ناس حلوة قد البحر، وأشوفهم، آخد الدوا وآكل حلو وأحاول أعمل التمارين، وإمبارح حسيت بإحباط قوي فشخ لأن نتيجة التحليل مطلعتش ومعرفتش عندي إيه ومعاد الدكتور إتلغى، فا رحت مول قريب المشي جواه مش كتير، واشتريت 3 حلقان حتة واحدة من محل فتح جديد مكانش فيه مزيكا عالية ولا زحمة كتيرة، ودي معجزة عارفة إنها مش ح تتكرر.

قلت لنفسي وأنا مروّحة: "لو ح نكتئب يبقى نعملها وإحنا لابسين حلق حلو"، وناوية أنوّع ما بينهم وأنا رايحة للدكاترة، عشان منظري يوم الجمعة اللي فات -بعد ما صحيت بألم صارخ في ضهري لدرجة إني عيطت عشان معنديش مسدس في درج الكومودينو أطخّ نفسي بيه وأرتاح- وأنا رايحة للدكتور كان بئيس ومش عايزة ده يتكرر تاني.

عندي ناس حلوة جدًا وقواقع فيها صوت البحر وشمعة ونيسة وعياط كتير جدًا وزعيق في التليفون وفناجين من الشاي بالفراولة وزرعة نعناع كرمها باذخ وأخضرها مخجل من الجمال والوَنس والصحبة، وبارفانات ريحتها فريدة وبتتبخر بسرعة، وحلقان شيك بتقول إننا ح نزعل ونقع عادي، بس نعملها وإحنا واقفين.
.
شكرًا يا ستّ منى على رسايلك الحلوة وصوت المطرة :*
.
17-10-2018
.
-أما لهذا الألم من نهاية؟-



هَوْنًا.. هوْنًا

$
0
0
أفتقد الحديث إليك يا رفيق وقد أحاطني الكثير فشخ من الناس المملين، بقوة وبراعة غير عادية. يتحاربون أيهم يقول أكثر التعليقات مللًا أو ابتذالًا أو بُعدًا عن الحق. أسمع صوتًا “ما تستعمليش شامبو جونسون، قريت بوست ع الفيس بوك بيقول إنه كله مغشوش” فأكاد أدخل معها في حرب توضيحية “هو إنتي بتاخدي معلوماتك من بوستات الفيس بوك؟” ثم ينشغل عقلي بسؤالي “كم مرة دخلت هذه الحرب؟” فينحدر كتفاي درجة، للأمام. تعلّق أخرى “بس أنا جوزي ما بيسمحليش أعمل كذا وكذا” فأكاد أردّ “وهو مال أمه؟” لكن بما إن أمه كانت جالسة، أخذت بعضي وذهبت للمطبخ لأحصل على مزيد من المكرونة بالبشاميل وزحلقة على أرضيته المبللة، بالمرّة.

أفتح الفيس بوك فأجد نفس الإحساس القديم: العالم ضيق جدًا وكئيب على كل هؤلاء الناس، كلهم يجربون ذات الأشياء ويقولون نفس التعليقات. أمس رأيت صورة لكتاب هتلر “كفاحي” مع سؤال أسفلها “ما رأيك في هذا الكتاب؟” فراهنت نفسي أنني سأجد كذا وكذا وكذا، وفتحت التعليقات لأجدها بالملّي!

أفتقد القراءة جدًا، جدًا. يداي لا تستطيعان حمل الكتاب ولا الإمساك به ولا بالكيندل أو الموبايل. يقول طبيب الباطنة إنه التهاب بسيط، بينما طبيب علاج الآلام يهب في وجهي قبل أن أجلس على الكرسي حتى بأنني لا بد وأن أدبس معدتي أو أكممها أو أنيلها بأي نيلة لأن وزني زائد. أي نوع من الأطباء يصرخ في وجه مريض جديد لا يعرفه بأن عليه تعذيب بطنه، دون أن يسمع منه تاريخه المرضي ومحاولاته لأن يكون أفضل؟

أفتقد القدرة على فتح كتاب والاستمتاع به، الذهاب مع أبطاله لبلاد أخرى وقصص أخرى ومغامرات وأحساسيس وتعابير لغوية جديدة جدًا. لعباس العقاد مقولة إن القراءة تعيشه حيوات لم يكن له أن يعشها، ويعتقد محمد شادي بأن هذه المقولة سخيفة وتحصيل حاصل. لكن يا محمد، ألم يأتِ في بالك أن هناك محبوسون كُثُر في أجسادهم وقلة مالهم وظروفهم الطين، ويتمنون حياة أخرى، أي حياة، بحيث تنطبق عليهم مقولة العقاد السطحية البديهية جدًا؟

أتمنى علاج يدي التي لا يبدو أن لها حلًا. الالتهابات لم تفارقني منذ 11 سنة وهذا كثير جدًا وكفاية جدًا. لا يبدو أن لي مخرجًا رغم أني والله العظيم أعرف أن هناك مخرج وأن بقية آلامي تتحسن بمعدّل معقول جدًا وغير متوقع، وأن شيئًا من الرياضة المنتظمة سيجعلني أفضل وسيجنّبني التلقيحة بالحد الأدنى من الملابس أسفل يدي طبيبة العلاج الطبيعي التي تفعص عضلاتي كأنما تنتقم من أفعال العالم معها: غامضة عليّ لكن محسوسة، محسوسة أوي والله.
.
قضيت وقتًا أطول من اللازم مع هؤلاء الناس.

ناس مملة ومكرورة ولا تعرف نفسها ولا مشاعرها. صار لي يومان أسأل نفسي: أنا في أي فيلم؟ هل تراجيدي ونهايته مأسوية أم مثلًا فيلم خفيف ظريف لطيف، ويتضح أنني آن هاثاوي طوال هذه الفترة ولم أعرف؟ أين لحظة التنوير؟ أين اللحظة التي سأستدير فيها لأختي الكبيرة لأخبرها بأن محاولاتها لإخفاء بؤسها خلف تعاليها ومحاولاتها فرض السيطرة علينا، غير مجدية بالمرة؟ متى سأهبّ في أمي لأقول لها “لن تنجحي في إتعاسي وتحسيسي بالذنب على أشياء لم أرتكبها”؟ ومتى سأكف عن تمني أشياء ومشاعر لن تأتي: لا المشاركة ولا الانبهار بالأشياء التي أحبها ولا حتى الطبخ الحلو سيأتي، ولا الكلمة الحلوة أو الابتسامة في وجه بعضنا أو حتى لا سمح الله قبول بعضنا لبعض، سيأتي؟

ومتى سأتوقف، أنا، على هذه المدونة ومدوناتي الباقية وبيني وبين نفسي ومع أصدقائي وفي الأجندة لو استطعت الكتابة، عن ترديد هذا الكلام؟

أمس قالت أختي لحمادة، أصغر الإخوة وألطفهم، إن ذوقه وحش في العطور وأنه لا يفهم شيئًا في اللبس، في وسط عشاء في مطعم قريب دعتنا إليه. على الفور حلل عقلي الموقف: هذه إساءة مغلفة بالإحسان، تمام جدًا سيفرح بكِ د. محمد طه لأنك مثال ممتاز لكل ما يحاربه. كان من المفروض أن نحجز له الطاولة المجاورة وندفع له ثمن البرجر ونأتي له بأوراق وأقلام، ونضع فوقه عباءة الإخفاء. ده كان ح ينبسط أوي.

اليوم قالت لابن أخي إنه عسّول وكيوت فقط لو أعطى لجدته حضنًا وبوسة! ما إيه الحب المشروط ده طفحنا قرف كفاية!!

لم أعد أحتمل.
.

لكن الحقيقة التي أهرب منها بشدة وبعنف أنني أفتقد نفسي جدًا.

اليوم وجدت منزلي السابق يهفّ عليّ بقوة. طوال اليوم أقول لنفسي “كنت أفعل كذا وكذا في بيتي، كنت أنشر الغسيل هكذا، كنت  أتفرج على كذا، كنت ألبس كيت” وأبتسم. حتى الضجيج ، سمعت خياله في ذهني وأزعجني جدًا، لكن اختفى بعد قليل.

لا أجد حاضرًا أعيش فيه ولا الماضي يمكنني الهرب منه والمستقبل غير واضح المعالم.

أنا، نفسي، غير موجودة.
.
أعتقد أنني لو قرأت لتشيكوف سينصلح الحال قليلًا.
.
20-12-2018
______________________
* رِفقًا.. رِفقًا

والعمل، إيه العمل؟ -للإجابة اقرأ آخر التدوينة-

$
0
0
يكاد النوم يغلبني لولا بقية من حياء ومعرفة وثيقة بحاجتي للمنوّم، عدا ذلك سأظل في مرحلة الهانج أوفر: مصاء الخييييييييييييير، أنا المرحومة أم كلثوم.

أستغل ما تبقى من طاقة في معصميّ -والنبي تكملي جميلك- لأكتب، لا بدّ أن أكتب وإلا لن أنام! معروفة ولا داعي للمناقشة.
.
اليوم كان مرهقًا جدًا.

بدأت صباحي بمحاولة للعودة لأرض الواقع. نسيت بماذا كنت أحلم، لكني أمس، مثلًا يعني، كنت أحلم بالبانشي، وهي عروس بحر آكلة للبشر، تغويهم بغنائها فيقفزون للماء ثم تأكلهم، ببساطة. تدخلت الديناصورات في الموضوع لكني أبعدتها -والله العظيم، أبعدتها بيدي- وقلت للمفزوعين أن نضع الموسيقى التصويرية لفيلم "طروادة Troy"على موجة عالية جدًا حتى يفيقوا من تأثير البانشي. لماذا لم أستجب لغنائها؟ لأني واحدة ست! اسئلتك غريبة.

بعد ذلك بدأت محاولة إقناعي للنزول من السرير. لم تفلح حيلة المثانة الممتلئة، فحان وقت المعدة المصابة بالتهاب في المعدة، والخاوية وبالتالي مؤلمة جدًا. اتنيلت صحيت بقا لأني للأسف لا بدّ وأن أطعم نفسي.

بعد اختصارات طويلة، وصلت لاجتماع العمل متأخرة عن ميعاد بدئه بثلاث ساعات. دخلت لأجدهم يمارسون بعض الأنشطة الإبداعية المتفق عليها سابقًا، وكل هذا عظيم جدًا والله، لكن ماذا يفعل كل هؤلاء الأطفال على الأرض وبين سيقاننا وفي حقائبنا؟ ما كل هذا الضجيج؟ كيف سأواجه؟
.
ساد ستوري:
صار لي فترة والقلق Anxiety نشط جدًا معي، ولا أدري ما العوامل التي أدّت لذلك، سأزور الطبيب غدًا على أي حال يمكن أجد العوامل عنده مستنيّة. لكن، وكأحد أعراض ذلك القلق، صرت أسمع كل شيء كقصف.
للأسف تعرّضت في حياتي لتجارب سخيفة جدًا منها الرشاشات المتعاقبة السريعة جدًا والرصاص المتناثر ومحاولة إحصاء الجرحى وحملهم والهرب. من وقتها وأنا لا أسمع أي صوت مماثل ولا أشاهد أفلام ضرب وجريمة وعنف ومطاردات عربيات، لأنها لم تعد مسلية، عندنا منها بس على أوحش، إلعب غيرها.

لكن، وعودة للوقت الحاضر، صرت أسمع القصف في كل شيء: ماء الدّش -خاصة لو بارد- صوت الخلاط ومضرب البيض، كلاكسات السيارات العالية، إشارة الاتجاهات أو الانتظار في السيارة، صوت المروحة وتكتكة الساعة، وأخيرًا: صراخ الأطفال وركضهم وطلباتهم المتعاقبة.
إند أوف ساد ستوري.
.
على جروب الفيس بوك التابع للعمل، تكتب الزميلات -وكلنا ستات- أنهن انبسطن واستمتعن وطلعن ونزلن. أتساءل: هل سأبدو ناكرة للجميل لو قلت إنني خرجت كمن تعرّض للكمة عنيفة في بطنه وما زال يعافر للتنفس؟

سيقول المعلّق الساخر -والبضين بطبعه- إنه ما ذنب الأمهات إذ لا يوجد مكان لترك أطفالهن فيه نهارًا؟ وسأردّ: وهل من قواعد العمل اصطحاب الطفل وتركه ليحدث كل هذا الضجيج في الاجتماعات، الاجتماعات يا ظَلَمة؟

.

عدت للمنزل أحاول استعادة هدوئي وتصالحي على نفسي، تعشيت وتناولت الدواء، وحانت مني التفاتة للصالة: وجدت أمي ترتب كتبي كيفما اتفق لأنها جمعت التراب وشكلها وحش فوق منضدة السفرة، حسب قولها.

ولمن لم يتابع الحكاية، كنت أعيش لفترة في بيت مستقلّ لي وحدي تملكه العائلة التي تذكرت ذلك فجأة وأنهم يحتاجونه فطردوني منه لأعود للحياة في بيت أمي. عادت حاجياتي لمنزل أمي الذي لا أرتاح فيه، شيئًا فشيئًا، ومنذ أسبوعين وصلت آخر دفعة من الكتب.

ولمّا كنت أعاني من آلام عنيفة في مفاصلي وعظامي وعضلاتي -لأ ثانية عشان المزايدة حلوة: وأوتاري- فقد تركت الكتب على السُفرة لتجمع التراب براحتها بقا، إلى أن أصبح في حال أفضل. طبعًا، قررت ماما أن تحلّ الأمر بطريقتها، وجاءت بمكتبة كبيرة وقبيحة من عمق البيت لتضعها في صدارة الصالة، وتكدس في رف وربع منها بقية كتبي.
.
أنا شفت كده واتجننت.

بداية، كان مبعث غضبي أنها تعبث بأشيائي دون أن تخبرني. ما أنا متلقحة جوة ما تقولي! امتلأ البيت بصراخي، ثم تعافيت على نفسي ونقلت كتبي لغرفة أخي التي احتلّ نصفها كمكتب ومكتبة بائسة لي، ورزعت الباب ورائي وانهرت في البكاء.
-ما تخافيش يا نيفين أنا كويسة، اتهدّي وكملي قراية للآخر-

بكيت كل شيء: أحلامي الضائعة ومحاولاتي العبثية تمامًا أن أكون بخير وأتغلب على الاكتئاب والقلق وكرب ما بعد الصدمة وآلام العضلات والمفاصل والأمراض الوراثية والتعويم والتضخم والجمارك والبؤس المجاني والمرطرط وعربات اللوري الزرقاء وأصوات سارينة الونش التي تخيف من يحاول الركن صف ثانٍ، أتغلب على كل ذلك وأنا طاقتي محدودة جدًا أصلًا، لأعمل وأنتج أموالًا بالهبل وأعيش في بيت لي وحدي لا أحشر مكتبي فيه في 2 متر مربع أو أكدّس كتبي تحت السرير. بيت أغلق ستائره كما يحلو لي وأملأ ثلاجته بما أحبه وأدعو أصدقائي للغداء وشرب القهوة وربما، لو طال بنا زمن التمني، لصنع أشياء ملونة لطيفة في ركن الأعمال الفنية المستوحى من بينتريست -سأضع فوقه استيكر لوجه مبتسم وعينيه مكانهما قلبين وجليتر، الكثير من الجليتر.

بكيت أنني لا أستطيع فِعل أي شيء وحدي، وهذا مؤلم جدًا. لا أشعر بأنني إنسانة.

قلت لأمي مهتاجة إنني سأجمع كل هذه الكتب وأحفر في الحديقة وأشعل فيها النار، كما فعل خالي حينما وجّهت له جدتي نفس التعليق: "الكتب بتلمّ تراب"فأحرق كل مخزونه من ميكي وسمير وسوبرمان وباتمان. أخذت ألعن حبي للكتب والقراءة ومحاولتي للحفلطة: فادتك بإيه الكتب؟ ثم أبكي أكثر وأقول بصوت عالٍ: ليتني كنت بلا عقل ولا رأي، يزوجونني لأول حمار يدق الباب وأعيش معه تعيسة وأقول لنفسي إن هذا قدري ومن الكفر محاولة الهرب من القدر أو تحديه وأرضى بالتعاسة والقرف بل أسعى لتحقيقهما في غيري. لماذا لم أكن بقرة أو جاموسة أو حتى نخلة، يقطعونها ويرمون جذعها لتوسيع الطريق فلا تشعر بما حدث لها وتموت في سلام؟

كدت أمضي لأخبرها بأنها تحاربني في كل شيء ثم تفرح بنجاحي وبالجوائز التي أحصل عليها، لكني تراجعت. هناك حد للإيذاء بالكلام، حتى أنا لا يمكنني تجاوزه.
.
ثم فجأة، وصلت في ترتيبي للصناديق القديمة، محتويات "ما تحت السرير"قبل نقلي لبيتي. فتحت الأكياس المتربة وأخرجت محتوياتها لأنقلها في أكياس جديدة ونظيفة، فسقطت من كومة الجرائد التي أحتفظ بها، أول جريدة نُشر لي فيها.

جريدة ورقية، بالصدفة عثر محرّر ركن المدوّنات بها على مدونتي، وكانت ساعتها تُدعى "في برزخ الصمت"، ونشر لي منها تدوينة. لم يستأذنّي، لم يكتب اسمي حتى -ساعتها كنت أسمّي نفسي "حنين"ولا أعرف السبب والنعمة- بل اكتفى بنشر رابط المدونة وعنوانها.

اتصلت بي مُنى في ذلك اليوم، وكان عظيمًا على كل المستويات، لتخبرني ببهجة أنهم نشروا لي. كنا في الميني باص في طريق العودة أنا ونيفين، حينما سمع رجل عجوز صوتي وأنا أزعق في التليفون "إيه؟ في الشروق؟"فأعطاني نسخته من الجرنان ممتلئًا بفرح أكثر مني، وراح يدعو لي ولنا كلنا. كدت أعلّق متشككة "بس إنتا ما قريتش التدوينة!!"لكني خرست، الحمد لله.

وضعت كل الجرائد في كيس أصفر نظيف، وتركت هذه النسخة على جنب، وحينما رفعت الكيس الصغير سقطت أخرى.. إنتوا متفقين عليا بقا!
ثاني جريدة يُنشر لي فيها، ولا أعتقد أنني وصلت لأي مطبوعات دورية ورقية من ساعتها، منذ أن كنت في الرابعة والعشرين.

كان تحقيقًا بطول صفحة كاملة، والجريدة أصلًا صغيرة وصفحاتها مستطيلة بالطول وليس بالعرض. فتحته مستعجبة: ماذا كتبت فيه؟ لا أذكر غير أنني كنت منفعلة جدًا وأتنطط في كل مكان لأجمع المعلومات، أول تحقيق أجريه وآخرها أيضًا، لا أملك صحة ولا مالًا، لا للتحقيقات ولا للسجن.

لكن، أكثر ما أعجبني فيه أنني "ضفّرته"بالشِعر العامي والفصحى وبأجزاء من مسلسل قديم. تعبير التضفير في محله تمامًا، ويعني إدخال الشِعر على النثر لأن -طبعًا- الشِعر أكثر فصاحة بينما النثر بيرطرط. أول مرة قرأته كان لدى د. أحمد خالد توفيق، ولم أحاول البحث أكثر.
.
شعرت بهواء بارد يرسل رجفات متتالية لكل جلدي، ولرأسي الناضح عَرَقًا. شعرت بأنني جاحدة للنعمة وغبية أيضًا: ناس مؤمنة بي وتنشر لي من قبل حتى أن أعترف في قلبي بأنني كاتبة، وقبل أن أسعى للنشر. فوق الكتب في الرف الأعلى من النيش/مكتبة توجد اللوحة المحفور عليها اسمي، وبجوارها شهادة المركز الأول في مسابقة أينعم عبيطة لكن المحكمّين فيها -وكنت حينها 22 سنة فقط- قالوا إنهم مبهورين وأمامهم موهبة حقيقية. وببقية من مفهومية في مخي حمدت الله على أن الحمار لم يأتِ وأنني لم أكن نخلة، فالنخل يا عزيزي لا يُصاب بالتهاب في الأوتار ومع ذلك يقضي نصف الليل يتكتك على الكيبورد: أعقل وأكثر حصافة وما بيجيبش لروحه الكلام.
.

لا يوجد حلّ سريع ونهائي لكل تلك المعاناة، لكن مع الأيام أجد أنني أفضل حالًا من شهر يونيو، وأنني أبلي حسَنًا أفضل من يوليو، وقد انتهى أغسطس بكوارثه فلنحمد الرب. بشيء من المعافرة والكثير من الصبر وأقل القليل من اتهام العالم بأنه قد خرج لمهاجمتي أنا وحدي، لأني دفعت الفاتورة خلاص أحسن يشيلوا العِدّة، والكثير جدًا من التكرار، سأخرج منتصرة أو على الأقل أفضل حالًا.

تمدح الست إيزابيل آيندي في التكرار. تقول كل يوم اكتب ولو ورقة واحدة، في آخر العام ستحصل على 365 ورقة يمكنك تحريرها ووترتيبها بحيث تصبح شيئًا مقروءًا. تقول املئي مخازنك، على طول وباستمرار. تقول أن نقرأ ونكتب ونشاهد الأفلام ونسافر للفّ العالم، لكني ما دمت لا أملك أجرة التاكسي لرصيف المطار -والكارتة، لا تنس الكارتة لا نرجع!- فلأشاهد الأفلام وأحاول القراءة. يجب أن أملأ مخازني.
.
لا تدعي الأيام الثقيلة يا روز تنهك روحك أكثر مما يجب، فبعض الإنهاك لا يمكن العودة منه. ولا تنسي أننا طالما أحياء حتى الآن، فهناك فسحة للاستمتاع وقِرَب الماء الساخن والزانتاك مع الكثير جدًا من هيركيول بوارو والمكالمات الضاحكة والتلوين والشوفان بالزبادي. وربما، لو فرد علينا الحظ طاقيته، سنصل إلى زمن نقرأ فيه هذا الكلام ونضحك ونمتنّ ونخبئ وجوهنا إن "يا رب ميكونش حد أخد باله!"

وآه بالمناسبة: صنعت منذ يومين قرطًا من الأصداف، واشتريت اليوم بلسم تحفة للشعر :)
.
روز
21-10-2018

ما بين الأمل والهزيمة، يوم كامل

$
0
0
اليوم الذي بدأ، ع الضهرية، بـ “اصحي قومي، ح نهدّ الكون ونبنيه تاني”، انتهى بـ”واحميني من الوطن الكمين، والانتظار في عيادات الأطباء.”

لم يتركني السعال منذ كثير جدًا، قررت اليوم ببادرة طيبة مع نفسي أن أذهب لطبيب الأمراض الصدرية. تشككت “ح يقول إيه جديد يعني؟” لكنني قررت الذهاب. أتصل بالعيادة لأعرف مواعيده وأنا في طريقي للعبور، لحضور آخر جلسة في العلاج الطبيعي. أسعد جدًا أنها آخر جلسة، لا أريد الذهاب للعبور ثانية.

في طريق العودة يقرر جزء من الطريق أن ينهدّ. أمس كان طريق السويس مزدحمًا جدًا بغير سبب، وعطّلني ساعة كاملة. وصلت متأخرة للطبيب النفسي، ألهث وأسعل بقوة، وأرجوه أن يعطيني الخمسين دقيقة كاملة. يضحك بإرهاق ويعطيها لي: تأخرت الجلسة السابقة عليّ وأخّر التالية لي. لا يسعني شكره كفاية.

نأخذ اليوم الأوتوستراد، طريقًا طويلة جدًا ومقرفة ومملة للغاية. يقرر السائق الاستظراف فأضع السماعات فوق أذني. أسرح للسماء: نجمة، أو طائرة، تعد بحياة جديدة، أي شيء آخر غير هذا السوء المرطرط. أفكّر أنني أريد سماع الموسيقى اللطيفة التي أضعها رنة، فتأتي فورًا في قائمة التشغيل العشوائي للموبايل! أمتنّ لها كثيرًا، وأسمعها للآخر.

أتذكر أنني سمعتها لأول مرة على مدونة “لستُ أدري” أيام عزّ المدونات، في 2006-2009. لم يكن الإنترنت متطورًا وقتها، وكنا نتبادل الموسيقى والأغنيات بصعوبة. تعرّفت من خلالها على “شجر البن” و”قهوة شعبية” لمارسيل خليفة، ثم “عزف الآنون لزياد رحباني”. تكتبها هكذا “آنون”، فنزّلتها على جهازي، وما زالت عندي بنفس التسمية. كانت أيامًا جميلة.

أصل للبيت فأستحمّ وأتغدى ثم أفتح الفيس بوك: حازم خرج بالسلامة، حازم أفاق وكتب مقالة.

كان هذا أفضل شيء حدث منذ وقت طويل جدًا، أفضل من كل ما عداه. عشت أسبوعًا من قلق لا حدّ له. كنت أبكيه سرًا وأفكّر في محاولات التمسّك بالحياة بينما الحقيقة أنه “ح نموت كلنا”. لكن حازمًا بخير، أحمدك يا رب.

اندفعت في بكاء مفعم بالفرح. كان في مقالته يصف مراحل علاقته بزوجته، هبة، منذ بداية تعارفهما حتى الزواج والإنجاب وسنده في رحلة علاجه الطويلة. جعلني هذا أفكّر: رحلتي أنا أيضًا طويلة وثقيلة ومقرفة، أحتاج لرفيق، أحتاج لسَنَد يهوّنها عليّ.

يتساءل حازم في مقالته عن مصيره وهبة، لو لم تحدث الثورة. يشكر تلك الفترة، ضمنيًا، لأنها غيّرت مسار حياته تمامًا، وجعلته يتعرّف على رفيقة عمره التي يمتنّ لكل لحظة قضياها معًا. أفكّر أنا أيضًا: ماذا كان ليحدث، لو مرّت حياتنا بلا 2011؟

أنا وحازم وآلاف من أصدقائنا وأصدقائهم، تضررنا جدًا وتمامًا من كل تلك الليلة السودا، ضعنا وسقطنا وتشاجرنا واتنيلنا بنيلة. لكني، كحازم، سعدت بها جدًا.

أتذكر ضحكات العشرات من الأصدقاء الذين لولاها لما تعارفنا، أذكر كلمات عبد المحسن الهادئة وهو ينصحني بأن أعبّر عن رأيي وأوقف خالتي عند حدّها، وأنا لا أكاد أصدقه “يعني عايزني أعارضها؟؟” قبل أن أتبين مقدار الأذى الواقع عليّ وعلى إخوتي وأولادها من تحكيمة رأيها السخيفة. آلاف الضحكات والدموع والأحضان والركض والحفلات والعزومات وحفلات الزواج والخطوبة والسبوع، لم تكن لتحدث لولاها. ظهري محمي جدًا، في أغلب أوقاتي، بسبب أناس تعرّفت عليهم في ظلها. عرفت نفسي وعرفت حياتي وأتجه لإصلاحها قويًا، بسببها.

أمتنّ جدًا للذكرى والضحك، أدخل على الماسنجر وأرسل لحازم قلوبًا حمراء وزرقاء كثيرة، وأتساءل بداخلي عن مدى تحفظه، لأن عيب الولاد المتجوزين نبعت لهم قلوب.

أصل للطبيب فأجد فيلمًا سخيفًا لتوم كروز يُعرض على شاشة صالة الانتظار، وأمامي حالتان. أجلس لأتابع الأستاذ كروز يمثّل بقلبه وخلاياه الوسيمة، يُضرب بالنار فيقع ثم ينهض تاني عادي جدًا، أحاول التشاغل عن ألم ظهري وإحساسي العارم بالمرارة بتحليل صفات الشخصيات وردود أفعالها، كعادتي كلما شاهدت فيلمًا. أفيق من تأملاتي على صوت رشرشة.

تقرر السيدتان شديدتا السخافة، الجالستان أمامي في نفس أم الصالة، وضع طن من العطر المقرف.

أسعل على الفور، لا تمنحني الرائحة فرصة لمعاتبتهما. تقترح إحداهما “طب اخرجي برة عشان تاخدي نفسك” فألومها “قاعدة في عيادة فيها طبيب للحساسية، أكيد فيه مريض للحساسية قاعد! ما ترشيش!” ثم أخرج مباشرة. أجلس في الحديقة الجميلة بالخارج، أتطلع للسماء بمرارة ساحقة، أدعو الله إن كفاية كده، كفاية مصر، وكفاية مرض وبني آدمين. كفاية يا رب. وغلاوة سيدنا النبي عندك، “احميني من الوطن الكمين” زي ما بيقول أحمد العايدي.

أدخل للطبيب بعد برهة، أحكي له عن كل ما حدث. أقول إن أنفاسي اتكتمت بسبب العطر فنشتم فيهما معًا، ثم يبدو عليه القلق عندما يسمع صدري.

يؤنبني أنني لم أحضر من قبل، ولم أتابع معه منذ آخر زيارة رأيته فيها. يعطيني مضادًا حيويًا جديدًا، ويقول إنني لو كنت بالخارج لطمأنني بأن كل شيء سيكون على ما يرام، لكن “إنتي في مصر، وارد جدًا مع كل كمية التلوث دي يجيلك الالتهاب ده تاني وتالت.” شدّد عليّ بأن أتناول المضاد الحيوي على الفور، وكتب لي دواءً للمعدة كي لا يبهدلني أكتر ما أنا مبهدلة، ثم كرّر مرتين أن أتواصل معه على الواتساب بعد يومين، وأزوره في العيادة بعد 4. قال إنه لن يتركني، ويريد أن يطمئن عليّ دائمًا.

ينتقل إليّ قلقه. أخرج من العيادة مهزومة جدًا وروحي ممسوح بيها البلاط. أصل للمنزل وأطلب الدواء من الصيدلية القريبة عبر خدمة الواتساب، لأنني لا أستطيع الاتصال والكلام. أكتب كل الأدوية الناقصة لديّ والتي أتناولها يوميًا: علبة من كذا، علبتان من كذا، إلخ. أعود لأمسح كل هذا: شريط من كذا وآخر من كيت. لا أملك نقودًا كافية.

أرثي حالي: كل نقودي التي لا أملكها أساسًا، أصرفها على الدواء وزيارات الأطباء. أنا أكثر شخص أعرفه في محيطي يمرض باستمرار، وأكثرهم زيارة للأطباء. أغلب الناس تقول اغلي لبان دكر أو اشربي قرفة، مع أن كليهما مضرّ جدًا بالحساسية الصدرية، لكنهم يفضلون المغليات على زيارة الطبيب. أذهب أنا للعيادات وللمعمل وتشكّني الإبر وأنام أسفل جهاز الرنين المغناطيسي وتضع الممرضة أقطاب جهاز رسم القلب على صدري بينما أكاد أموت من الخجل. كل هذا وأنا بخير، لا شيء قاتل أو لا يمكن التغلّب عليه.

طبعًا، لا أنظر إلى أنني بخير وسيذهب السعال قريبًا لو تناولت الدواء، وهناك احتمال كبير أن أُشفى من الاكتئاب أو حتى أروّض ميتين أمه. أتجاهل كل هذا وأشعر بالنقمة لأنني أصرف كل نقودي على الأطباء والأدوية وليس على الملابس أو الماكياج أو الإكسسوارات أو السينما. صار لي عام لم أذهب للسينما، بالمناسبة.

أدبي ليس قليلًا، ولا أنا منحطة لا أشكر نعمة ربنا. أنا فقط أتمنى لو انزاح كل هذا، لو قلّت المعاناة ولو بنسبة صغيرة، كي يمكنني أن أرى ما بالحياة من مبهجات، أي شيء يكسر هذا الملل.

أقول أمس للطبيب النفسي إنني لا أقوى على رفع رقبتي وتثبيتها في وضع مستقيم أفقي، لكنني أحاول. أضع الكتاب في مسند الكتب الخشبي، المستخدم لحمل المصحف، وأوقفه أمامي فوق صندوقين صغيرين، على المكتب. أجلس وأسند ظهري وأثبت الكتاب بمشابك غسيل في المسند، وأقرأ. مجهود ابن كلب، يرهقني أغلب الوقت، لكن من دونه لن أقرأ على الإطلاق. لا أستطيع حمل الكتب أو ثني رقبتي، ببساطة.

بهذه الطريقة أتعرف على خان الخليلي في مطلع الأربعينات وأضحك من نجيب محفوظ وأنتهي من ديوان محمد خير وأغوص في “سنة القراءة الخطرة” ويدق قلبي بعنف مع فتحي غانم، وأكاد أبكي مع علاء خالد وأدهش بقوة من إبراهيم داوود وأشعر بالاغتراب معه لكن لا أكرهه، وأنتهي من “اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة”. أتصوّرني تلك الفتاة وأشعر بزهو بالغ لأنني أحب الكتابة وأفعل أغلب ما تقوم به تلك الفتاة، وأتلفت حولي باحثة عمن أخبره بذلك الاكتشاف.

أقول للطبيب إنني لا أستطيع العمل لكني أشاهد أفلامًا جيدة وأدفع نفسي دفعًا للخروج مع أصدقائي والحديث معهم والضحك والتصوير، خططت لحفلتي عيد ميلاد لصديقي الجميل وسافرت لضواحي القاهرة الجديدة كثيرًا، كاد قلبي ينخلع أمس من جمال شجرة الصفصاف أو “المستحية” في البحيرة الموضوعة في قلب إحدى تلك الضواحي، أخبرت نفسي بأنني أشاهد شيئًا جميلًا جدًا لا تتوفر لي الفرصة كثيرًا لملاحظته. يثني الطبيب على محاولاتي.

يقول بصوت هادئ إنني البطل في كل تلك الحكاية. الفضل لربنا طبعًا، لكنني من فعل كل هذا، لا أهل داعمين ولا زوج متفهم -أحمد الله أنني لم أتزوج بعد، جدًا جدًا- ولا طبيب عبقري أتى بما لم يأتِ به الأولون. أندفع في حماس لأؤكد أنه طبيب عبقري والله، فقال إنه شخص عادي، يطبق ما جاء في الكتب وخلاص، لكن كل الشغل يقع عليّ أنا. أتذكر ما كتبه د. محمد الشيخ، الطبيب النفسي وأستاذ الجامعة المصري في برلين، أن العلاج النفسي ليس جلسات تدليك بل هو إصلاح للكسر ع الصاحي وبدون بنج. انبسط من كلام طبيبي وينشرح صدري.

أخبره وأنا في طريقي للخارج بأنني مبسوطة جدًا والله بهذا الكلام، أحب جدًا من يمدح في مجهوداتي لأني أتعب جدًا وأحب التقدير والشكر والمديح، جدًا والله العظيم. أغلب الوقت أنا تعسة تمامًا، مهزومة ومنيلة بنيلة، البيت جوّه نكدي جدًا وهادم، لو جاؤوا بمفكّات وأزاميل وأعملوها في روحي لما أحدثوا كل هذا الخراب. أغلب الوقت أتساءل “فيه مخرج؟ هل الخلاص موجود؟ هل فيه حياة تانية سعيدة، أي شيء غير القرف ده؟” وكبرى معاركي هي محاولات إقناعي للنزول من الفراش صباحًا، حتى الماء أحرم نفسي منه أحيانًا، بلا وعي. لذلك أحب سماع كل هذا.

يبتسم الطبيب في إرهاق ويقول إنني أنا من سعى لمحاولة العلاج الأخيرة، آخر المحاولات في الطريق كله ويلجأ لها الأطباء في الحالات الميؤوس منها، ليس عندما يكون المريض متنبهًا ويحلق ذقنه -رجالة وستات، يقول- وقادرًا على الحديث واتخاذ القرارات، لكني من سعيت إليها. ضحكت “أنا فعلًا ميؤوس مني! أنا مش عارفة أشتغل ولا معايا فلوس كفاية!” فمدحني ثانية. العلاج الجديد تدخلي، ربما يؤتي بثماره وربما لا، ولا خطر منه أو أعراض جانبية، لكنه يحتاج لشجاعة ومال كثير وتحايل على الظروف. قلت له إنني مستعدة لكل هذا وأكثر. ربما ستسوء الأحوال، لكنها لن تصبح أبضن من عمق الخرارة التي أرزح فيها حاليًا.

أكتب لنفسي هذا الكلام، حتى إن نسيت، أرجع له وأتذكر هذه الفترة: مطلع الشتاء، يكاد صدري يتمزق من السُعال، تناولت أول حبة من المضاد الحيوي الجديد، يتعاطف معي أطبائي جدًا ويقف أصدقائي في ظهري. أنا محظوظة جدًا.
.
روز
5-11-2018

فواصل مريعة، وأمل بالقادم من الأيام

$
0
0
أحادث أمس صديقي: أنا خائفة، خائفة جدًا. يردّ "طبيعي إنك تخافي وتقولي لا مش ح أعمل كده، وفي الآخر تعمليها، أو ما تعمليهاش وتقعدي تتساءلي طول الوقت "طب مش كنت مشيت الطريق لآخره؟"وتقرري بعد كده تاخدي الخطوة دي، أو تفضلي تشتكي وتسبّي للعالم."

أبتسم قليلًا، أقول في داخلي إنه يعرفني فعلًا: لن تخرج أفعالي غالبًا عن هذين الخيارين. ينطلق بعدها في الرغي حتى أطمئن. أحكي له عن شيء كتبته فيضحك، ثم استأذنه في النوم. يجعلني الاطمئنان أنام، يجعلني أستريح.

قلت لنفسي أمس إنه لا داعي للاتصال بأحد أو الحديث معهم، لكن صوتًا خافتًا عارضني، أخبرني -وهو يلعب في خيوط طرف السجادة- بأنني لو ذهبت للنوم وكل هذه المشاعر السيئة بداخلي، سأصاب بالكوابيس وأستيقظ مرهقة جدًا، لن أستريح. سمعت كلامه ورجوته أن يترك السجادة لأنها نحلت، واتصلت بذلك الصديق.

صحيح أنني أصبت بكابوس سخيف جدًا -تدّخلت في منتصفه لتعديل السيناريو، أيقظني جزء من عقلي "اصحي يا رزان ده كابوس!"فعدّلت أحداثه وأكملت النوم- لكن هذا بسبب الإثقال في الأكل قبل النوم مباشرة، خاصة وأن معدتي لا تهضم جيدًا وتعلن العصيان. لكن بعدما أفقت، تذكرت محادثة البارحة وابتسمت. رحت في نوم آخر، عميق ومريح، ومليء بالوسائد التي أستعين بها كنوع من الترضية للجسد المرهق، المعترض.

-أنام وحولي 4 وسائد بالمناسبة، وأستيقظ وكلها في الأرض، كأن حربًا قامت عليها، وأشخّر بصوت عالٍ جدًا، وأتقلب وأنزع الملاءة وأسقط زجاجة الماء من فوق الكومودينو.. لأ مريح مريح جدًا يعني!-

لكن، في الجزء الأخير من النوم، جاءتني رؤى.

صار لي زمن لا أعرف تحديده، تزورني الرؤى. أمس أحلم بأنني ذهبت لتنظيف شقة منى لأنها عائدة في إجازة، ووضعت لها في الثلاجة جبنًا وطماطم وزيتونًا وخبزًا، وعندما توجّهت للإفطار ولمّا أفق بعد، صنعت لابنتها، مريم، ساندويتش "جبنة صفرا"ونصحتني منى ألا أترك أمامها برطمان الزيتون لأنها مجنونة به، كل هذا وأنا أحشر لقيمات العجّة في فمي وأضع عليها -بلا وعي- الشطة التي نهاني عنها الطبيب. بعدها بقليل فتحت الموبايل لأجد تسجيلين من منى! يا سبحان الله.

اليوم كنت أتخيل إنني أحادث صديقي وأضع خططًا للمقالات واعتذارًا عن عزومة عائلية. في المحادثة، حكيت له عن عامين من حياتي، صار لهما فترة يترددان على ذاكرتي المعطوبة أساسًا، ثم أستيقظ وأقرر الكتابة عنهما، هنا.

.

يا صديقي اسمعني أرجوك.

في 2012 قررت أمي السفر للعمل بالسعودية. كانت الظروف صعبة وأرادت الحصول على فرص جديدة لنا ولها. أخذت تلحّ عليّ بالسفر معها لأرافقها، فرفضت. كنت أعمل وقتها، ولي أخوان في الكلّية والثالث متزوج، وأختي الكبرى تعمل. لماذا لا تأخذ أختي؟ تقول لي إنها صعبة في التعامل و"مش حنيّنة زيك". لو كنت أعرف أكثر، لقلت لها إن هذا ليس ذنبي: هذا نتاج تربيتها، ومش أنا اللي ألمّ الغلّة لأني مزرعتش.

عملت وقتها بدوام كلّي، عمل لا أحبه ولا أستطيع التركيز فيه. كنت مصابة حديثًا باضطراب كرب ما بعد الصدمة، وكان حادًا ولاسعًا ومنيلًا بنيلة. عانيت من كل أعراضه حتى غير المشهور منها، كل كلمة ذكروها في المواقع التي قرأتها، عانيت منها قبل قراءتي عنها! أمراضي عجيبة وتطبق ما جاء في كتب الطب بالملّي!

لكن عملي وفّر لي ترتيبًا معيّنا يتبعه يومي، بدل الفزع العظيم بأن "كل هذا الوقت أمامي ولا أجد فيه شيئًا لأفعله؟ حتمًا سيحدث لي شيء خطر جدًا ومؤلم."وجاءني بمرّتب ضئيل أينعم، لكنه كان يكفيني لثلاثة أسابيع من الشهر، المعجزة العصية على التحقيق في هذا الزمن. مع تلك الكفاية حققت نوعًا من الاستقلال المادي، الأمر الذي لم أجرّبه من قبل.

لم أرد ترك كل هذا والسفر للمجهول. كيف سأعثر على عمل في منطقة منسية من الزمن؟ إضافة لرغبة ضعيفة في المقاومة: لماذا أنا؟ أترك عملي أنا، وحياتي وأصدقائي وكل ما أعرفه، لأذهب في سفرية لا أعرف عنها شيئًا ولا يوجد لي معين ولا صديق، هناك؟

بعدها بعدة شهور حدث شيء بشع جدًا، في عُمر هذا البلد. ولمّا كانت أمي جديدة في مسألة الإنترنت والفيس بوك، ولديها أصدقاء مثلها لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم، فقد رأت الصور. صورًا كثيرة أفزعتها، فأرسلت لي إنها متألمة جدًا، ولا تستطيع البقاء وحدها، وتريدني أن آتي حالًا.

سبحان الله: "حالًا"تلك حدثت في شهر. في 30 يومًا تركت عملي ووضبّت أمتعتي واشتريت حقائب جديدة بعجلات، واشترى لي أخي الوسطاني لاب توب كي أعمل عليه، وكنت من قبل أستعمل كمبيوتر العائلة البي سي الضخم أبو سي بي يو تصدر مراوحه ضجيجًا يعادل طائرة تهبط، ودعوت أصدقائي كلهم للتجمع في حديقة الأزهر كنوع من حفل الوداع، وأخبرتهم بأنني أريد هدايا: أي شيء صغير خفيف الوزن أحشره في الحقيبة وأسافر به. قلت إنني سأشعر بالوحدة جدًا، اتركوا لي أشياء من رائحتكم.

أذكر وقتها أن ولدًا أسمر حضر قبل ميعاد الحفل لأن لديه عملًا في ذلك اليوم، وقال لي إنني شجاعة جدًا -الأمر الذي سيكرره كل أصدقائي بعدها- وأخذت لنا صورة طلب مني ألا أضعها على الفيس بوك لأنه لا يحب ذلك، ثم رحل. تقاطر بعدها كل الصِحاب: ما زلت مدينة بالفضل لدروس د. هبة رؤوف في جامع السلطان حسن، القريب من الحديقة، لأن أغلبهم كان يحضر لها، فلمّا انتهى الدرس لذلك اليوم جاؤوا جميعهم. كنا نحو 25 صديقًا وصديقة، أو أكثر ربما، وكانت تلك أكبر تجميعة تحدث لأجلي، في زمن طويل جدًا.

أحضر لي مصري رواية "الغابة النرويجية"لأنه يحبها كثيرًا، قال لي "يمكن ما تعجبكيش بس دي الرواية المفضلة عندي على الإطلاق، ولو ما حبيتيهاش أنا كاتب لك اقتباسات جوّة، دوّري عليها"فانبسطت جدًا والله. صنعت شوري كاب كيك أو كعك مكوّب لاحسن بتوع الترجمة يزعلوا، مرسوم عليه بالكريمة الزرقاء والوردية والبنفسجي، ونجوم وأشياء بتلمع بقا وآخر دلع، وكتبت  لي على كارت مرسوم عليه أرنب يقرأ "لا تحزني أبدًا، فلديكِ أصدقاء رائعون"بالإنجليزية. صنع لي عبد المحسن دي في دي عليه كل ألبومات عمرو دياب من ساعة ما قرر الغناء "من قلبه"إلى أن أصبح برتقاليًا يذهب لجيم واحد ويلعبون أغانيه في كل صالات الرياضة في مصر، رجالة وستات. جاءت ريهام قرب آخر الخروجة، تركض وتلهث ومتضايقة جدًا من تأخرها، وقالت إنها لم تجد الوقت لشراء هدية لي فطبعت لي مسوّدة كتابها "البنت اللي مليانة ديفوهات،"وأنا قلبي ارتعش جدًا لأنها تأتمنّي على شيء بكل تلك الأهمية. لا تعرف ريهام أنني، في تلك السفرية السخيفة فشخ، كنت أصطحب كتابها وتدويناتها على موبايلي لأقرأها مرارًا: كنت أنسى بمعدلات لا تُعقل، لكن هذا وفّر لي أوقاتًا أطول من الأمان مع تدويناتها الفاتنة <3 font="">3>
.
قالوا لي يومها إنني شجاعة جدًا، وأنا كنت حزينة أريد أن أخبرهم بأنني مسافرة غصب عني والله ولا أريد أساسًا التحرّك من هنا، من تلك الحديقة وكل هؤلاء الصِحاب الرائعين، لكني أحجمت. سافرت بعدها بخمسة أيام.

.

في تلك المدينة المنسية، في السعودية، هدأ كل شيء. حاولت أمي بمجرد وصولي أن تجد لي عملًا في المستشفى الذي تعمل به، وعرّضتني لمواقف محرجة جدًا آلمتني. بعد تلك الهوجة، هدأ إيقاع حياتي لدرجة كبيرة، وصار وقتي خاويًا جدًا. هدأت أعراض كرب ما بعد الصدمة فانزاحت لتترك مكانها للاكتئاب. اكتئاب عظيم، كبير وساحق، يطغى على كل ما عداه.
.
مما أمدح نفسي كثيرًا جدًا بسببه، مديحًا مهولًا لا أتحدث عنه كثيرًا لا أعرف لماذا، أنني كنت أحفر في الصخر. حفرت بأقصى ما استطعت، لأنني شعرت بقوة هائلة تشدني لأسفل. لم أستطع التواصل مع أصدقائي، وكلٌ انشغل في حياته، والطبيب النفسي الذي كنت أتابع معه وقتها ضرّني بقسوة. كنت وحدي تمامًا.

لكني قاومت.

كنت استكشف المكان المحيط. وجدت على مقربة منا، شارع طويل مليء بالمحلات التجارية، حتى إن اسمه "الشارع التجاري"! وبعد عدة محاولات للتسوّق مع أمي، مضنية وعصبية ومرهقة، قررت الذهاب وحدي. كنت أمشي في شارع طويل رأسي، يصل ما بين سكن المستشفى وذلك الشارع التجاري، ونظرات الناس المدهوشة تلاحقني. لم يكن غيري يمشي في الشارع، لا رجالة ولا ستات والله، كما إنني ألبس طرحًا ملوّنة ولا أغطّي وجهي، أكيد كنت عَجَبة! كان ملّاك المحلات يخرجون من محلاتهم لاستطلاعي. في البداية كنت أحرج وأغضب، لكني تعلمت أن أتجاهلهم، ثم عندما احتاج موبايلي للتصليح تعرّفت عليهم، وبالحديث والنظر في العينين بثبات احترموني، وتجاهلوا مسيراتي الطويلة للشارع التجاري.

هناك، تصاحبت على محلٍ للأدوات المنزلية، وأصبح وجهتي المؤنسة للخروج والفُسحة.

كان جزء منه مكتبة للأدوات المكتبية، يسمونها قرطاسية. مكتبة عظيمة ومبهرة، مكدسة فيها البضائع تكديسًا، فكنت أعرج على كل سنتيمتر منها علّني أجد شيئًا مدهشًا أشتريه. ابتعت أكوامًا من الأدوات المكتبية التي ما زلت أستخدمها حتى اليوم، لكن بالأصل كنت أهرب إلى الألوان والمقصات والأشياء الصغيرة والأقلام المليئة بالجليتر والأجندات والأوراق الملونة، من حياتي الرمادية المؤسفة. كنت أقاوم تساؤلات في عقلي "ح تجيبي ده ليه؟ إنتي مش محتاجاه!"فأسكتها بإنني ربما أحتاجه فيما بعد.

لم أكن أقضي وقتًا طويلا في ذلك المحلّ، لأنني كنت ملزمة بميعاد انتهاء دوام أمي لأعود قبلها إلى المنزل وأحضّر العشاء. كلما تذكرت تلك التفاصيل يؤلمني قلبي جدًا، والحكاية ربما طريق شفاء الراوي، لذلك سأحكيها.

أول ما وصلت للسعودية ابتهجت أمي كثيرًا جدًا، لدقيقتين تقريبًا، ثم أعلنت بأنها ستدعو زميلات العمل للعشاء. بعدها مباشرة دعت أطفال العمارة على كيك وشاي، ثم أعلنت بأننا سنذهب للتسوّق بعد الدوام. كل هذا وأنا مذهولة تمامًا: المفروض أن أُدعى أنا للعشاء ويُصنع الكيك والشاي لأجلي وأستريح أول يومين على الأقل من الركض للحاق بموعد الطائرة!

ما اكتشفته فيما بعد أن أمي تتخذني عاملًا مساعدًا للحياة: في وجودي تزهر وتثمر وتقدّم أحسن ما عندها، للآخرين. كنت أستغرب جدًا، عندما اصطحبها للعيادة وأنا بعد صغيرة، أن المريضات يقلن عنها إنها طيبة جدًا وخدوم ومعطاءة، وأننا محظوظون بها كأم، وأتساءل بداخلي "أومال مين اللي بنشوفها في البيت دي؟"

من نراها في البيت، طبعًا، النسخة المرهقة المتعبة من العمل طوال اليوم، فلا يعود بإمكانها أن تقدم أي عطف أو تفاهم أو حنان أو أي شيء. النتيجة أنها أفرخت 5 أبناء لا يعرفون تلك الأشياء.

قبل أن أسافر لها، لم تكن تطبخ أو تأكل. تكتفي بالخبز والجبن والماء، حتى الشاي لا تصنعه، ولا يوجد لبن ولا نسكافيه في البيت. لا تعرف كيف تعيش وحدها أو تعتمد على نفسها.

أمي غلبانة جدًا: وهي صغيرة نشأت على الكفاف، مصر كلها والله كانت كفاف جدًا، في ظل الجمعيات والتموين والانفتاح والسادات والفلوس التي ضاعت عند الريّان -ظلّت جدتي إلى ما قبل وفاتها بقليل تبحث عن أي أخبار عن النقود التي لها عنده- فتعوّدت على أن الضروري جدًا فقط هو ما نحضره، والباقي تفاهات. لكن الظروف تحسنت فيما بعد، تحسنت وأصبحت جيدة وفي فترة ما امتلكنا أكثر مما نحتاج لصرفه، لكن العقلية لم تتغير.

أمي لا تعرف أن هناك حياة أخرى، حيوات كثيرة جدًا أخرى، فيها توابل ووصفات جديدة وخضار يُصنع بطرق شهية، فيها سفر ورحلات واسترخاء على الشاطئ دون القلق حيال الغداء وح نشتري السمك منين ولازم يكون طازه. لا تعرف أن هناك خطوط موضة جديدة والملابس يمكنها أن تكون زاهية وملونة وفيها ورد أو أي شيء يفتح النِفس على الحياة. لا تعرف شيئًا عن الأفلام أو الكتب أو الروايات، ولا أي شيء آخر سوى الشقاء والتعب.

قد تكون أمي ضحية، أغلب طبيبات النساء هكذا، من حكايات أصدقائي عن أمهاتهن، لكنها في السكّة نسيت الفرح والضحكة والابتهاج والدعم والحنان والحب والتقبل غير المشروط. لم أعرف مع عائلتي كلها أي تقبل، لا عادي ولا بشرطة.
.
في تلك السفرية رأيت ما تفعله أمي، بوضوح، وإن لم أدرك تأثيره عليّ أو أتمكن من مقاومته. ما زلت أذكر محاولاتها لمنع الطعام عني كي لا يزيد وزني أكثر من ذلك. كنت ساعتها أتناول دواءً المفروض أنه مضاد للاكتئاب، لم ينفعني بشيء وإن نالتني كل آثاره الجانبية، منها فتح الشهية. لكنه فتح شهيتي للطعام وليس للحياة، فكنت آكل وأنا تعسة جدًا، لا أستطعم أي شيء أضعه في فمي، لكني أسكت جوعي القارس. بعد ذلك التاريخ بأربع سنوات، قرأت تدوينة لهيفا، الكاتبة الناجحة جدًا، تذكر فيها تاريخها مع محاولاتها لضبط شهيتها المفتوحة دومًا، وكيف أنها وهي صغيرة كانت أمها تبعد الطعام عن يدها أو تقرصها أو تضربها على كفها لتتوقف عن الأكل. بكيت عند تلك الجزئية، لأني تذكرت تاريخًا مماثلًا.

كانت أمي تعود من العمل ليلًا منهكة، تتوقع العشاء معدًا وقد اشتريت الماء -هناك الماء العذب يُشترى ولا ينزل من الحنفيات- وأحضرت الطلبات وغسلت الغسيل إلخ إلخ. وعندما تجلس للعشاء، تحكي عن يومها.

كانت تمتص تيار الحياة من داخلي. ربما يبدو التعبير كليشيه مبتذل، لكنها فعلت ذلك بالحرف. كانت تحكي عن كل الأشياء السيئة التي حصلت لها وتتوقع مني حلّها! كيف وأنا نصف عمرك تقريبًا، يا ست؟ وعندما أقترح عليها حلًا فيه أي شبهة مواجهة، تتراجع، وتقول بإنني لا أفهم شيئًا، ثم لا تسمع أي حكاية عني يومي أو مشاعري أو عملي أو أي أمر آخر يخصني، وتؤنبني على أي شيء تراه ناقصًا أمامها ولا تكف عن التعليق على حجمي الزائد وتنصحني بالنوم مبكرًا كي أستيقظ مبكرًا أو أكف عن تناول المنوّم لأنه هو ما يجعلني أنام 14 ساعة في اليوم والبركة في البكور رغم أنني لا أملك شيئًا أفعله في الصباح.

.

مما يُعجب له أنني قاومت. قاومت كل ذلك واحتملته وما زلت حية، أقاوم.

لسنوات بعدها صُدمت بقوة، وكثيرًا جدًا، عندما عرفت أن الحب يُعطى بلا مقابل ولا ثمن، وأن التقبل غير المشروط واجب على الوالدين. عرفت أن اللمس أو الأحضان واجب بشري على كل من يريد الخِلفة، وأن الأبناء ليس من واجبهم أبدًا الاستماع لمشاكل والديهم، أصدقاء والديهم وشبكتهم الاجتماعية هم من يقع عليهم هذا الدور. عرفت أن "الشبكة الاجتماعية"للدعم فيها الأصدقاء ومن نرتضيه كتمًا لأسرارنا وناصحًا لطيفًا، وليس أي شخص نجده في وجوهنا والسلام. عرفت أن الحب من حقي، والحياة الآمنة السعيدة، والابتهاج، من حقي جدًا وتمامًا.

ما زلت أسعى للحصول على مساحات آمنة لي، أخلق بعضها في المنزل وأركض في براح الأصدقاء، قوية، خارجه. ما زلت أومن بأن من حقي السعادة والله، وأسعى إليها بكل طاقتي الضئيلة أصلًا.

بعد غدٍ، أتوجه للمستشفى كي أحصل على علاج جديد للاكتئاب، ربما يأتي بنتيجة. يقول لي صديقي بعدما سألته "ولو ما نفعش؟"إن الاحتمالات 50-50، وأننا بنعمل اللي علينا وخلاص. ما لم أصححه له إن الاحتمالات 70-30، والسبعين هي الشفاء والنجاح والتقدم وحاجات كتير تانية حلوة فشخ. لكني خائفة جدًا.

أول مرة بنج كلّي وامتناع عن الأكل والشرب لنصف يوم وأول مرة أشياء أخرى كثيرة جدًا، خائفة وأرتعد، قلبي يرتجف من جوة ثم أعود وأذكّر نفسي بانتصاراتي على غول الاكتئاب المريع في سنتي السعودية، وأنني كنت ساعتها وحدي تمامًا، فا مش ح أقدر على دي وأنا معي طبيب بارع وأصدقاء في منتهى العظمة؟ لأ عيب عليا بقا.

أرتجف ثانية ثم أتذكر تاريخي ومعاناتي، وكلمة تامر "إنتي حاولتي كتير وبكل الطرق الممكنة، مفاضلش غير ده، اعمليه وشوفي"وتعبير شادي عما أفكر فيه تمامًا "تستحقي أجازة، أيّ بريك من التعاسة المستمرة دي، وإنتي شفتي كتير، الله يعينك"وأمتنّ جدًا.

أعتذر عزيزي القارئ والقارئة على كآبة التدوينة وسخافتها ومشاعرها الثقيلة أو عن دموعك التي انهمرت وأنت تقرأ، آسفة والله مش قصدي، لكن الكتابة علاج لي، ولأسباب تقنية متعلقة بمتلازمة النفق الرسغي، لا أمسك القلم. وما دمت كتبت على اللاب توب، أنشر بقا :D

معلش تاني والله، وادعُ لي كثيرًا جدًا، وذكّرني بأن أبتاع لبنًا بالموز لأني أنوي شربه بعد الجلسة :))
.
روز
8-11-2018

1

$
0
0


This world is typically: weary.

It has fewer things to amaze you. I woke up this morning with a memory of the 11-year-old me, and it took me considerable time to gain the whole aspect of “the 20 years between them.” How did I reach here? When this all happened? When did I finish exams, graduate, find work, if I do? Why am I not married? Why I still live at my parents’? I had a lovely home.. Where did it go? Was it really that noisy there? Couldn’t I really keep it?

Where is “home” exactly? Why I feel that overwhelmed and so lost? and why I live here if this is not my home?

Then I started to remember: My Abha years, my first house/flat that I lost, my work. But I failed to remember a lot about myself.

What I seem to grasp firmly is “the fight or flight skills”: My brother got ill, so I nursed him till mother came back. I made breakfast, took my medicine -and admired the simple system I put to distinguish the night medications from the morning ones- put my clothes in the washing machine and watched “Downton Abbey”. I needed something very familiar to lean on. Every time I checked Facebook or the TV, I find horrible things happening, very disturbed images and words written. I’m terrified.

.

I still can’t figure out how to deal with this world. Being “newly born” in a grownup body is so devilishly exhausting and dull. But I’m trying. At least, I know how to manage my feelings. Years of experience are finally yielding fruit. I must be congratulated for that.

I’m not sad, nor very much afraid. I just feel alone, so alone that I can’t bear it.

I can’t seem to remember the boy I love. Pity.

I’ll see the psychiatrist tomorrow, we’ll discuss things thoroughly.

.

For those who knew from the beginning: I’ll be fine.

For those who didn’t: I can’t explain now, just pray for me :)

I’ll be fine :))

Sat.

17-11-2018


يعني إيه شغف؟

$
0
0


تستأذن إحدى السيدات في أن تطرح سؤالًا تصفه بأنه غير علمي، ثم تقول بلهجة مترددة : "حضرتك كنت قلت إنك لاقيت الشغف في عيون البنات دولت وراهنت إنهم ح يمشوا بعد شهرين تلاتة، بس فضلوا مكملين لحد الآخر. جابوا الشغف ده منين؟"

يجيبها د. هشام سلّام، رئيس البعثة العلمية التي واظبت على الحفر والتنقيب إلى أن وجدت الديناصور "المنصوراصورس"بأن الشغف موجود عند "ناس كتير جدًا، بس محدش بيوظفه صح. فيه بنات كتير جدًا عندهم نفس الشغف وأكتر بس ملاقوش حد يسمع لهم"يشير لنفسه، بأنه المتشكك في قدراتهن منذ البداية، قد أبهرنه بالنتائج التي حققنها، وبفخره العظيم جدًا، حينما طلب "دكتور، قامة علمية كبيرة جدًا في المجال ده"بأن يتصور معهن هن فقط، في أثناء المؤتمر لإعلان نتائج البحث وتسلم الجوائز.
.
أسرح في السؤال.

ما شغفي؟ ما الذي أريد تحقيقه؟

أتذكر ما قاله لي صديقي شادي في الأسبوع قبل الماضي، عندما شكوت له، وأنا التي أحاول استعادة ذاكرتي حديثًا وإعادة التعرف على الحياة والأشياء والأشخاص، من دهشتي وضيقي بأن الحياة ضيقة جدًا عند الناس المحيطين بي في تلك الفترة، وهم أهلي  بطبيعة الحال، وبأنهم مهما سافروا أو رأوا من أفلام أو احتكوا في أعمالهم ببني آدمين آخرين، لا يتعلمون جديدًا، يزدادون عنصرية وضيق أفق، وكل شيء مغلف بطبقة باردة من السخرية، على كل شيء وكل شخص، وعلى بعضنا البعض. قلت له إنهم لا يحلمون بالتجديد، وبأنني متضايقة جدًا من هذا.

انتظرني شادي حتى انتهيت من وصفي لهذا الملل كله، ثم قال إن هذا "معتاد جدًا"لدرجة الطبيعية والعادية. قال إنه في عمله القديم، رأى هذا النمط بمعدل تكرار يكاد يتحول لقانون: "يشتغلوا يعملوا قرشين يحوّشوا يشتروا عربية فيات يتعلموا عليها بعد كده فيرنا ولو ربنا فتح عليهم أوي يجيبوا فور باي فور. المصيف يا في جمصة يا راس البر، العيال تبلبط شوية وهو أسبوع واحد في السنة وخلصت. العيال تخلص مدارس وكليات وتتجوز ويبقوا أدوا رسالتهم في الحياة. بيحاولوا يهربوا من البيت وعيشة المتجوزين بعد خمس سنين بالضبط من الجواز. بيفقدوا الشغف -استخدم هذا اللفظ تحديدًا- ومفيش عندهم مفهوم المتعة، إني أعمل حاجة عشان بتبسطني. مرة زلّ لساني وقلت إني رحت المكان الفلاني -خارج جمصة وراس البر طبعًا- بصوا لي على إني العيل العبيط اللي بيضيع فلوسه في كلام فاضي، رغم إن الرحلة ما كلفتش 50 جنيه على بعضها. حياتهم بتقف عند التلاتين، عند 30 سنة بالضبط من عمرهم، بيبقى انتهى."
.
ما زلت أحاول التعامل مع حقيقة أن "حازم مشي"، ولا أستطيع. يعني إيه؟ لا أفهم ولا يمكنني التعامل.
.
يطردني أخي الصغير من غرفته التي أضع بها مكتبي، كل يوم في العاشرة أو الحادية عشرة ليلًا، بحجة أنه يريد النوم. يتحادث همسًا -يسمعه من في البيت كله، يا سبحان الله- ويضحك خافت، لساعات الصباح الأولى التي يصادف أنني أسهرها. أتساءل بيني وبين نفسي: كل أولاد هذه العائلة -إخوتي الذكور- تزوجوا أو في طريقهم لذلك، وأنتِ وأختك ليس بعد، هل أنتِ حزينة؟

سألت نفسي السؤال ذاته في الأيام القليلة التالية لانتهاء علاجي الجديد من الاكتئاب، في أثناء محاولاتي للتوازن حرفيًا ومجازيًا، ومحاولات استعادة الذاكرة -ينصحني أصدقائي بإنه "افتكري إننا قلنالك ما بلاش". أسأل هل أنا متزوجة أم لا، ولماذا أعيش في بيت أمي؟

عندما أتذكر، تعود إليّ الإجابة: طرحتها على نفسي قبل أسبوعين فقط من بدء العلاج، عندما لاحظت فجأة أن أغلب قريناتي، مَن هم في مثل سني وأصغر، اللاتي عرفتهن من قبل، قد تزوجن وأكثر من 90% منهن أنجبن. إنتي زعلانة إنك لسه ما اتجوزتيش يا روز؟

لأ.

كنت أقف في حمّام مستشفى الجنزوري، أحاول استعادة آدميتي وسكب نصف زجاجة البارفان على بلوزتي المنقوعة في العرق، قبل أن تصل د. إيمان صديقتي الجميلة جدًا، للكشف ومطالعة الأشعة. أواجهني في المرآة وأسأل: زعلانة؟

لا.

لو كنت تزوجت من قبل، وحتمًا أنجبت، كانت حياتي ستختلف كثيرًا جدًا جدًا. لم أكن لأجد وقتًا لاستكشاف نفسي، ولم أكن لأشارك في الثورة -اتفقنا أنا وحازم رحمه الله أن الثورة خزوقتنا كلنا لكنها مهمة جدًا، لم يكن منها مفرّ- وبالتالي تزيد معرفتي بنفسي والعالم والناس -أتذكر في تدوينة سابقة أنني كتبت "لولا الثورة لأصبحت شخص بضان جدًا لا يكترث لعذابات الآخرين وتعاساتهم لمجرد أنه لم يعشها"- وأصبحت أكثر رحمة. أقول "رحمة"لأنني أعرف تمامًا طريقة تفكيري الآن. كل المرّات التي فضّلت فيها الآخرين، أصدقائي وأناس لا أعرفهم، على نفسي، لحظات التهور بنت الكلب التي كادت تضيع حياتي أو عيني أو أي شيء آخر عزيز جدًا، وأنقذتني منها ذراع تدفعني أو تسحبني أو صديق يضعني في تاكسي ويزعق بأن أذهب للبيت حالًا. لست أحسن ولا أفضل من أحد، فعلت فقط ما أملاه عليّ ضميري ساعتها.

في النقاشات التي أتجنب بجهد دؤوب الخوض فيها مع أغلب أفراد العائلة الممتدة، أجد الأخدود العظيم: فراغ وضيق أفق وعنصرية وجهل، الكثير جدًا من العوم في مية البطيخ، والعنطزة الفارغة. صرت لا أجلس معهم، ولا أعرف كيف هي الحياة مع عائلة داعمة مدفئة، وأشتاقها جدًا.

لكن في تلك الجلسات أرى نسختي الحالية وأقارنها مع "ما كنت لأصير عليه"بحساب التطور الطبيعي للأيام والأشخاص والزواج والخلفة والعمل في الخليج والتجهم الدائم وهجر الاستمتاع والانبساط، وممارسة العنف مع الأبناء. أقارن وأحمد الله كثيرًا على تهوّري، منذ 8 سنوات.
.
لكن الأهم من هذا كله، وما زلت أجيب نفسي عن "زعلانة إنك لسه ما اتجوزتيش؟"رحلتي مع الاكتئاب.

ما كنت لأخوضها أصلًا أو أندفع لحلّها بذلك الحماس -على قد طاقتي، طبعًا- وأسقط وأنهض ثانية، بفضل ربنا وبمساعدة الطبيب وأصدقائي الرائعين جدًا، ولأنني مؤمنة بنفسي جدًا جدًا. ربما هذا هو الشغف الذي يحرّك حياتي حاليًا.
.
لكن، يكفي حديثًا مقبضًا. هذه التدوينة أصبحت تعسة بشكل أثار استيائي.
.
اليوم صباحًا أدفع نفسي دفعًا للنهوض من الفراش. يسألني الطبيب عندما حكيت له عن سوء المزاج الصباحي "بتعملي إيه عشان تخلصي منه؟"فأجبته بأنني لا أعرف، وإن كنت أحيانًا أخدع نفسي وأضحك عليها كطفلة وأحمسها بأننا "ح نعمل بان كيك ونشوف فيلم حلو"فيضحك الطبيب ويخبرني بأن جسمي وعقلي يعرفان الإجابة بالفعل، ويخدعاني أنا. مالها الأفلام الحلوة؟ اللهم كتّر منها.

بعدما تناولت قهوتي -كلما وجدت لبنًا جيدًا في المنزل أستغل الفرصة وأصنع بان كيك ونيسكافيه بالرغوة- وانعدل ضغطي ومزاجي، راجعت في ذهني جدول اليوم فتذكرت فجأة ميعاد المحاضرة في الدقي، مساءً. اندفعت في محاولة للترتيب: ح أطلع الغسيل وأنشره وأوضب سريري وما أنساش آخد الدوا إلخ إلخ. لا يوجد كثير وقت، ومواجهة وحوش كوكب أرغوران أهون من مواجهة كوبري أكتوبر في ميعاد خروج الموظفين، وانخفاض الضغط شيء مقزز تمامًا، لكني ذكّرت نفسي بأنني أردت مقابلة د. هشام وعضوات فريق البحث -وكلهن بنات- منذ الإعلان عن اكتشاف الديناصور، وأنني أتمنى لو تسمح لي ظروفي بزيارة المنصورة والمشاركة في إحدى رحلات التنقيب -مرحبًا بالرمل داخل شعبي الهوائية المصابة بحساسية مزمنة، اتفضل اتفضل خش برجلك اليمين- وأن هذه أول مرة يلقون فيها محاضرة في القاهرة، وإن عيب يعني الراجل جاي من المنصورة وأنا مش عايزة أسافر من مصر الجديدة للدقي؟ عيب والله، فكويت ثيابي واستعديت للنزول.

أمام المرآة، أطرح جانبًا السؤال الذي انتويت عرضه بلهجة مازحة "هو فين بقية الديناصورات من القطيع بتاعه؟ ولا هو كان وحيد؟"وقلت لنفسي إنني لست على هذه الدرجة من السخافة يرحمني ويرحمكم الله. أضبط الطرحة وأقول:

"أنا مبسوطة جدًا من الدكتورات عضوات فريق البحث لدرجة عظيمة، إنهم فضلوا ورا حلمهم لحد ما حققوه. طول الوقت بتوع التنمية البشرية زهقونا بإن "اتبع حلمك خليك ورا حلمك"لحد ما ابتذلوا المفهوم نفسه "أتبعه منين يعني؟"بس هما ما سألوش أو اتريقوا، هما مشيوا وراه فعلًا لحد ما جابوه وعرضوه في أكبر مجلة علمية مكانة في العالم كله. يمكن الكلام يبان ملزق وتشيزي، بس هما ملهمات جدًا جدًا لدرجة ما يتخيلوهاش. أنا ممتنة ليهم للأبد."
.
لم يتسن لي الوقت كي أقول هذا في المحاضرة، فقررت كتابته هنا.
.
أعتذر لو التدوينة مشتتة نوعًا ما، ما زلت أجاهد مع التركيز.

روز
القاهرة، في 10-12-2018

طعم البعاد صبّار

$
0
0

"ده أنا ليا فيها النيل

وليها فيا الروح
ما أختارتش إني أروح
ما أنا جوعي كان كفران
ملعون أبوك يا طموح
آخرك تشوف لي كفيل
لكني مش قلقان."
.
اختارت الأغنية دي بالذات إنها تطلع بصوت عالي مجلجل من ركنة بيع طرح وإيشاربات والباندانات السوري الجديدة اللي بتقفش على الراس قفش عشان ولا شعرة تهرب من تحتيها. باتمشى في أمان الله مصممة تمامًا على إني أستمتع بوقتي وأتجاهل كل اللي ممكن يضايقني، اللي اكتشفت بعدها إنه وحش عملاق من استديو جيبلي ومعنديش قوى سحرية للتغلب عليه. ماشية زي القطر وبسرعة والشارع زحمة فاضطريت أقف ثانيتين زيادة عشان الست اللي قدامي تعدّي، سمعت الأغنية.

.

"طعم البعاد صبار

والغربة ليل بهتان

يا قلبي يا موجوع

إياك تكون قلقان

أنا مش في بلدي عويل

لكني مش باتشاف

زهرة سنيني عجاف

مع إن ليا عزيز..

أفتوني في رؤياي

لمّوا الأماني إزاي؟"

.

الصدفة خليت الست وبناتها التلاتة يعدوا ببطء، وأقف على جنب تمامًا، والبياع، المراهق اللي مكملش 20 تقريبًا، واقف سارح مش بينادي على بضاعته عكس اللي حواليه، والغضب على وشه. الأغنية مطلعتش لوحدها، ده مش راديو ولا تلفزيون متشغل بلا وعي بيطلع منه حاجات محدش بيركز معاها ولا بيفهمها، ده حد حاططها، وأنا حاسة إني قلت الكلام ده قبل كده.

.

"أحلامي صبحت بور

ممنوع عليها الضي

لكني مش قلقان.

(...)

يا حضن ما بيساعني

واحتجت له باعني

ساعة ما مد إيديه

شاور وودعني

لكني مش قلقان."

.

بقالي يمكن شهر باعيد اكتشاف الدنيا والناس من حواليا، لظروف حقيقية جدًا وواقعية جدًا وشديدة التخيل، يعني باشوف الناس والحاجات والعلاقات بين كل ده بعيون جديدة كإني نازلة من كوكب آخر –اعذروا ابتذال تشبيهاتي- وفي نفس الوقت باقول إنها مش ممكن تبقى بالقبح ده، فا باتخيل حاجات ووحوش عملاقة يمكن التغلب عليها، في بعض الأوقات، بنفخة، تقوم تطلع فقاقيع الصابون الملونة تفرقع فيها فا تختفي.

لكن في إعادة الاكتشاف لاقيت إن فيه ناس كتيرة، كتيرة أوي أوي يعني، مش متشافين ولا معروف عنهم حاجة. أنا معرفش عنهم حاجة؟ لأ عارفة لأنهم شبهي جدًا رغم اختلافاتنا، بس مكنتش أعرف إنهم كتير.

الشاب الصغير بائع الطرح قرر إنه يشغل أغنية ممكن ببساطة يتحبس عليها، باشتري صدف وقواقع من عند القلعة فسألت، عَرَضًا، البائع عن "السور الأزرق الحديدي اللي وراه واللي حاجب البحر"فضحك وقال إن الجيش بيعمل كوبري جديد جوه البحر، ولما لاحظ إني مفهمتش ضحك أكتر وقال لي "مش لاقي حاجة يشغل بيها وقته."

باتكلم مع أ. علاء خالد –آه كنت محظوظة فشخ إني أقابله :))))- فجات سيرة الهزيمة والثورة. اتكلمنا كتير، كنا قاعدين في قهوة محاطين بناس كتير، فيه ناس ورايا وجنبه ووراه، لازقين جدًا فينا، متأكدة إنهم سامعين كل كلمة بنقولها، ورغم ذلك مبانش على أ. علاء إنه خايف. سألني إن كنت باقرأ لحد من جيلي كتب عن الثورة، قلت له إني مش فاكرة خالص، بصدق والله، فسأل باهتمام ليه مش بافتكر، لكن ده حديث آخر.

قلت له حتى لو معرفش، لكن أكيد فيه حد كتب عنها. أكيد آلاف التفاصيل اللي أنا –فخورة فشخ- وغيري عاشها، قدي وأصغر مني وأكبر، عاشها واتدعك فيها، مش ح تروح هدر. الجواكيت اللي كنا بنبدلها بين بعضنا بعد ما اكتشفنا إن قضاء الليل في الشارع أبرد من قلب كافر، والفلوس القليلة اللي كنا بنجيب بيها أكل للناس اللي قاعدة ومناكلش منه ونروّح، الماسكات اللي كنا متلهفين عليها وبعد كده اكتشفنا إنها أتفه من الورق، الخناقات مين صح ومين ح يضيعنا كلنا، القهاوي اللي كنا بنشرب عليها السحلب والشاي والكاكاو في الشتا والكركديه والعناب في الصيف، بالجارسونات الصموتين، وأول ناس باعونا –مش كلهم-، النكت واستكشاف النفس والآخرين والأفكار وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والنظريات والآمال والطموح –ملعون أبوه- ثم النزول على فاشوش..

كل ده لازم يتكتب. التفاصيل الصغيرة أوي أوي واللي قد تبدو تافهة جدًا زي انكسار الشمس في عينين ولد لحظة غروبها وبعد الغروب مباشرة اتهرينا ضرب، لمعة المطر حوالين عواميد النور قبل ما تتطفي، أغنية بنسمعها هروبًا من نفسنا وظروفنا فراحت الظروف وفضلت الأغنية، الغمازات اللي ما بتظهرش إلا عند الضحك بقوة وبالتالي هي نادرة جدًا.. كل ده لازم يتكتب. من غيرها "الحدث الكبير جدًا"ح يظهر مفرّغ جدًا ويمكن تافه كمان، ومثير للغضب أو السخرية. من غير التشابك الإنساني لدرجة السيحان على بعض، والعلاقات اللي طلعنا بيها وفضلت مستمرة لأنها قوية جدًا، ح يبان كإنه بالونة كبيرة ملهاش أي معنى، وكويس إنها فرقعت.

كل ده لازم يتكتب.

.

"لو طالت المسافات

أنا والأمل إخوات

وتالتنا كان الليل."

.

حاليًا باسأل نفسي بقوة وبلا هوادة لدرجة الإرهاق: أنا باعمل إيه هنا؟ أنا حياتي عبارة عن إيه؟ أنا باكتب ليه؟ وح أكتب أساسًا تاني ولا لأ؟ وليه؟ يعني أنا مين؟ وكتاباتي كلها كئيبة وبتوجع كده ليه؟

يمكن مقدرتش لغاية دلوقتي أتخلص من الخوف لحد كبير، باحاول أدخل مكتبة إسكندرية لقيتها متحوطة بحواجز ثم فيه مدرعة جنب بوابة الدخول الصغيرة فشخ، اسأل نفسي "هما احتلوا المكتبة؟"ثم ألاقي بعدها مباشرة رتبتين معديين من جنبي فأحيّد أفكاري تمامًا "أصلهم بيعرفوا يقروا الأفكار."ساكنة جنب فندق جديد للقوات المسلحة مليان مطاعم وكافيهات، طول الليل سارينة الشرطة شغالة عشان "افتح الطريق افتح الطريق".. طب الرعب ده كله لمجرد إنكو تخلوا العربيات ما تركنش صف تاني قدام المطعم؟ رتبة تتخانق مع سايس الحصان جنب القلعة، الرتبة تمشي والسايس يبرطم بكلام كتير جدًا مسموع ومفهوم: غاضب. من جوايا خايفة فشخ إني أكتب الكلام ده، أنشر الكلام ده، ح أتلاقى والسجن تجربة مش محببة أوي.

أخرج مع صاحبي فا نتكلم ونقلش جامد ونضحك على آخرنا. أفكر إني أنفع أكتب سكريبت كوميدي، يلحقني على طول "شادي أبو زيد لسه محبوس"فأتغمّ جدًا. أفكر أخرج مع حد تاني يمكن ما يغمنيش كده، وبعدين أفتكر إن مفيش! على الأقل معاه لسه بنعرف نطلع الضحكة من قلب أحشاء الوحش اللي عايش حوالينا وماشي جنبنا في كل حتة، وهي أحشاء قذرة ولزجة بس بنعرف نتجاهلها ونبعد عنها، ويمكن نطلع وصفات لطبخها لو نجحنا واصطدناه وتغلبنا عليه.

الأسبوع اللي فات أتخانق مع نفسي وأعافر جدًا إني أنزل وأروح ندوة د. هشام سلّام عن الديناصور اللي اكتشفوه. بعد خناقة مع الدقي كلها وصلت، وفي آخر الندوة دكتور من جامعة كولومبيا بيسأله بإنجليزية صعبة جدًا "حصلت على تصريح إزاي؟"يتهرب د. هشام من الإجابة باستظراف في الأول بعد كده بيجاوب بجدّ. يسأله الأمريكي "طب والجيش؟"يسكت د. هشام لمدة أطول، القاعة كلها تشعر بالحرج وأتمنى لو الأرض تنشق وتبلعني. الدكتور الأمريكي عجوز جدًا: شعر أبيض وجلد مجعد وأصابع بتحارب الروماتيزم وقاعة محنية، لكن صوته قوي، والأهم: غاضب. في قلب القاعة ألاقي د. ليلى سويف فأسلم عليها وتقول لي بابتسامة "وشّك مألوف"فأنبسط بشكل يفوق كل توقعاتي.

يسألني أ. علاء عن الصدفة اللي خليتني أسمع الأغنية من محل الإيشاربات الصغير: "ح تعملي بيها إيه؟"قلت له الصدف بتخوفني جدًا لأنها بتقول لي آخد أكشن، أعمل أي حاجة، وأنا معرفش إيه الفِعل المناسب ليها: أيوة أعمل أنا إيه دلوقتي؟ فيضحك ويقول لي إنها اتزرعت جوة دماغي، وأكيد ح آخد الفِعل ده في وقت ما، أنا لسه معرفوش.

.

أنا معرفش أنا باكتب الكلام ده ليه.

16-12-2018
....

https://soundcloud.com/ahmed-m-mostafa-1/nb0muxay97ff

تدوينات آخر العام ومحاولات للفهم والكتابة

$
0
0
في بعض الأوقات تغريني القراءة لآخرين بالكتابة، وفي أوقات أخرى ينهمر الكلام من داخلي، فقط هكذا، ومع الوقت اكتسبت خبرة ترتيبه وتقسيمه لفقرات ووضع علامات ترقيم. لكن، في أغلب الأحيان، ينحبس الكلام داخل عقلي.

في هذا الأسبوع الذي وصلنا لآخره بحمد الله، بأقل الخسائر، كنت أعاني من صمت. صمت طويل وعميق جدًا، حتى داخل عقلي صمت. لم أعتده منذ زمن، ولما كانت ذاكرتي لا يمكن الوثوق بها -طول عمرها والله- فلا أعرف هل جاء من قبل أم لا. فقط تذكرت الخواء: بداخلي خواء كبيت مهجور تصفعه الرياح الباردة. طوال الأسبوع هناك برد، برد حقيقي حتى إنني أرتدي ثلاث بلوزات من الصوف وأنا نائمة، وآخر يدفعني للارتجاف حتى وأطرافي دافئة تمامًا: أرتجف من العمق.

يدفعني فزعي من الخواء للاتصال بأصدقائي، أمس مساءً.

أتصل بصديق لي حادثته 4 مرات هذا الأسبوع وحده. شعرت بأنه ملّ مني للأعماق، ثم تساءلت وهو على الخط "هل أنا من يشعر بالزهق مني أم هو؟ هل أزيح مشاعري ناحيته، كعادتي دومًا؟"ثم أصمت وآخذ في الحديث إليه. كلامي لا يخرج واضحًا ولا مرتبًا، أبذل جهدًا خرافيًا للتركيز كي تكتمل جملي وتصبح مفهومة. أحكي له عن الخواء "مش عايزة أروح هناك تاني"فيصمت.

نقضي على الهاتف 24 دقيقة، ما بين محاولة الرغي والصمت. نتحدث عن الفيلم الذي شاهدته حديثًا، ولا أفهم مزاحه الساخر فيضطر لشرحه لي، وأشعر بالتعاسة لاضطراره. أعتذر فيما بعد لأن "الآي كيو بتاعي بينزل جامد لما عقلي بيبقى بلانك"فلا يعلّق، بكرم مدفئ منه.

آخر دقيقة نمضيها في الصمت، أقول له إن علينا أن نغلق الخط الآن. أخاف بداخلي من الصمت غير المريح: لو كنا جالسين مع بعضنا لصمتنا عادي جدًا لأن الإنسان منا طاقة برضه، لكن على الهاتف؟ يصبح الوضع مربكًا جدًا. نغلق الخط وأشعر بالتعاسة: هل يستحق الأمر الاتصال به وإتعاسه؟ مش أستنى كده يمكن بكرة أحس إني أفضل، وأكلمه وأنا مشرقة زي شمس الشتا السخيفة اللي كل شوية بتروح وتيجي؟ ثم أسكتّ عقلي "خرا عليكي وعلى نادرة"جملة حسين الأثيرة لي، واتصلت بصديقة أخرى.

كانت عملية كثيرًا "من إمتى حاسة كده؟"معها تترتب أفكاري وتتضح داخل عقلي: الأسباب كذا كذا لكن هذا غير معتاد على الإطلاق وغير مبرر ويخوفني جدًا. تقول ألا بأس، وترد على سؤال "طب أنا أعمل إيه دلوقتي؟"بأن علي الطلوع للمنزل -كنت بالأسفل أشتري لبنًا من الكشك وألقط شبكة- ومشاهدة أي فيلم لطيف أو قراءة رواية، ونصحتني بالكتابة.

سألتني سؤالًا دقيقًا أهرب منه بعنف "إيه اللي يخليكي ما تكتبيش؟"فقلت لها، والمساحة بيننا تسمح بألا أخاف منها واطمئن إليها، إنني أشعر طوال الوقت أن ما أكتبه تافه وبلا قيمة، وأنني لن أنجح أبدًا، وعليّ التركيز في الترجمة أكثر لأنها بتجيب فلوس أكتر، وأنني أضيع وقتي وخلاص.

لم تدعني أكمل كلامي، ولو كانت أقل تهذيبًا لشتمتني بأشياء يخجل الهاتف نفسه من نقلها. قالت إن كل ده كلام فاضي، وإنني أكتب جيدًا، وأن الكتابة تحفزني على العمل -تعرفني جيدًا، بسم الله ما شاء الله- وإنها تحب جدًا أن تقرأ لي. قالت بحماس إنها لا تذكر أنها قرأت شيئًا سيئًا لي. كدت أصحح لها المعلومة -أكتب أشياء كثيرة قالشة- ثم صمتّ: محتاجة شوية أبينيفرين، أي زقة لقدام تحرّك العجلة اللي صدّيت.

شكرتها كثيرًا وصعدت للمنزل.

اليوم أستيقظ فجأة وأتذكر أنني سكبت زجاجة الماء على سريري وأنا نائمة، وأن من يعرف سيظن مواسيري سايبة -ترجمة رديئة لنفس المصطلح بالإنجليزية- وسيجلب عليّ السخرية، فضحكت من نفسي ونهضت لأغسل أسناني وأفطر. استغرقت وقتًا أقل للفوقان، أتصل بأميرة وأخبرها بحماس إنه كل سنة وهيا طيبة لأن اليوم عيد ميلادها: أتمت 31 سنة، العمر الذهبي بالنسبة لي لأنني، ولم أنته بعد من الـ31، عملت أشياء كثيرة جدًا جميلة طوال هذا العام. أحكي لها عن أسبوعي فيتضح في ذهني: كنت مرهقة للأعماق لذلك قضيت أسبوعًا صامتًا منيّلًا بنيلة. أضحك معها ونتفق على ميعاد للقاء فيما بعد.

ربما لو لم أتصل بأصدقائي أمس، وأنا في قمة القاع -حلوة دي؟- وأتعس أحدهم وأغيظ الأخرى، أقرفهم في عيشتهم يعني، لما أفقت اليوم وأصبحت أقرب ما يمكن لتكوين جمل مفهومة والتعامل مع الناس، وربما الخروج لشراء متطلبات أسبوعي الأخير من السنة. ربما الكلام معهم ينوّر أشياء داخل عقلي ويستحثه على التفكير وتنظيف نفسه بدلًا من الصدأ المزكمة رائحته. ربما ليست الأمور بهذا السوء، وأنني كلما تحدثت مع أعزاء يفهمونني، أصل لمرحلة جيدة من فهم نفسي.

ربما، لن نعرف أبدًا :)

كل سنة وإحنا طيبين بمناسبة اقتراب الكريسماس، وهابي آخر السنة بقا، ولا إيه؟ :))

روز
20-12-2018

قاع القاع

$
0
0

بشكل ما باتكلم عن الاكتئاب كتير، بحيث يبدو إني ما بتكلمش عن شيء غيره. ممكن مثلًا أشوف فيلم حلو أو أقرا شيء ممتع، بس ما بتكلمش عنه، لأن طاقتي بتخلص. لما الفيلم بيخلص وكل الانطباعات والحاجات اللي بتعلق في دماغي، بيبقى صعب أكتبها. يمكن باستنى لما أشوف حد أقوله؟ يمكن مبحبش أكتب لأن الحاجات الحلوة بتبان "حميمية"أكتر من إنها تتكتب وأستنى تعليق أو لايك؟ وعلى كده، الأشياء الكئيبة أقل حميمية وممكن نبتذلها ونحطها ع الفيس بوك مثلًا، فا تجيب لايكات، تقوم خوارزميات الفيس بوك تجذب لي المزيد من البوستات الكئيبة وتحدفها في وشي كل ما أفتحه؟ هل فيه مخرج من الدايرة دي؟

.
بيقولوا أكتر وقت سيئ بيواجه المكتئب هو الصبح، بينما أفضل أوقاته في المساء، أو بالليل، على حسب المزاج ساعتها. كل ما أقرا كده أو أفتكر كده باتضايق: بقالي فترة باهرب من تعبير "أنا مكتئبة"أو "عندي اكتئاب". شكل الكلمة نفسه، المصدر، بيضايقني، مقرف. تجميعة الحروف دي جنب بعضها بتوجع، مش حلوة.

بقالي فترة باقول لنفسي إني مش مكتئبة ولا حاجة ويالا نشتغل ونعمل ونهد الدنيا ما نقعدهاش. وهي الدنيا اتهدت عادي يعني، بلا تدخل مني أو بتدخل مش فارقة.

الصبح، أول فترة بتواجه الواحد لما بيصحى. ده الغول. الوحش اللي لازم نحاربه ونقاومه، لغاية دلوقتي معرفش إزاي. طيب نحمس نفسنا بالقهوة والفيلم الحلو؟ نفضل في السرير حبة زيادة حاطين اللحاف فوق وشنا؟ نقوم قافلين وشنا عشان محدش يكلمنا من أهل البيت لأنهم –لأسباب غامضة تمامًا وغالبًا سخيفة- عندهم تصوّر كده غير منطقي إن الناس أول ما بتصحى من النوم بتبقى مستعدة للتواصل والكلام والرد على أسئلة أقل ما يقال عنها إنها سخيفة وغير منطقية زي "أطلع الفراخ أسيبها برة تعمليها لما تسيح؟"أو "عايزين نعزم مرات أخوكي، أنسب وقت إمتى؟"طيب سيبوني أشرب القهوة! أفطر أي شيء وبعد كده نشوف الفراخ راحت لمرات أخويا ولا لأ!

طب إيه؟ إيه الوصفة السحرية؟ إيه الوصفة اللي بتخلي الواحد يصحى ويقوم كده بشوية زعل أينعم مش ح نكفر أصلنا، بس بعد وقت صغير جدًا يروق ويستعد لمواجهة العالم اللي في أغلب الوقت بيبقى الأطباق اللي متغسلتش في الحوض أو الماسورة اللي بتتصلح في الجراش أو الكهربا القاطعة؟

.

بقالي فترة باكلم نفسي أكتر من بقية الناس، أكتر من اللازم في الحقيقة.

جوايا داير كلام على طول: حكايات، حكايات طويلة ومتشعبة وبتضحّك أو بتزعل، حكايات من ماضيّ، ربط ما بينها وبين الحاجات اللي بتحصل حاليًا أو الأفلام اللي باشوفها، ولو قريت بيبقى ربط ما بين الروايات وحكاياتي. أبطال الروايات بيتطابقوا مع أبطال حكايتي بشكل لا يثير دهشتي على الإطلاق، بل إن اللي ما ألاقيلوش شبيه في الروايات بازعل عليه، باحسه اتنسى أو في وضع يثير الحزن جدًا، رغم إنهم ممكن يكونوا اتوفوا أو عايشين ومش على بالهم أساسًا الهري اللي جوة دماغي، وممكن جدًا يكون ليهم أشباه في روايات أخرى ما قريتهاش لسه، وغالبًا الحزن اللي باحسه نابع من جوايا وفي غير محله. هو موجود وخلاص.

حكايات حكايات، رغي منساب ومتدفق بشكل يعصّب، ينافس انسياب مية الدش وسخونتها ودوشتها في ودني المصابة غالبًا بالتهاب أو عندها حساسية مزمنة من الأصوات العالية. رغي ربما يكون حلّه الجميل في كتابته. ليه ما بكتبش؟ غير مفهوم بالنسبة لي، غير مفهوم ليه باهرب.

وسط الرغي ده كله بالاقي تناتيف لو حطيتها جنب بعض ح تفسّر كتير من أوضاعي الحالية: ليه بخاف من كذا؟ ليه مبروحش المكان الفلاني؟ إلخ إلخ. ذاكرتي معطوبة –الاكتئاب بيضلّم مساحات في المخ منها الذاكرة- فا بانسى جدًا. أعتقد إن مهمة العلاج النفسي هي التذكير! عشان لما بنحط إيدينا على السبب ممكن جدًا نحلّه أو نتصالح معاه أو أي خرا مشابه، إنما طول ما هو مدفون؟ عامل زي البطارية النووية الخامدة: في لحظة لو اتنشطت ح تنفجر. هي أي قنبلة خاملة ممكن تعمل كده لكن كلمة "نووية"أشيك أكتر.

لكن لما باكتشف "التناتيف"دي لوحدي؟ ده مؤلم جدًا ومقرف وبيضايق.

.

يناير جاي. يناير جه بكرة أساسًا يعني. مع يناير الجديد، بقية الدعم ح يترفع، بالتالي الحاجات ح تزيد أكتر، كل الأسعار ح تزيد، والفلوس هيا هيا، ومش قادرة أعمل غيرها أو أكتر منها.

ليه مبقدرش أشوف الدكتور أكتر؟ لنفس السبب عاليه. هل أقدر أحافظ على نفس مستوى الحياة اللي كنت/أنا فيه؟ شيء مستبعد تمامًا. هل فيه أماكن للخروج مهياش Overpriced وفي نفس الوقت مفيهاش دوشة أو شيشة وفيها حمامات نظيفة؟ على زحل ممكن، في المريخ ممكن، في جنينة بيتي الخيالي ممكن، جوة دماغي ممكن.

هل أقدر أشوف أصحابي أو أكلمهم في التليفون أكتر؟ هل الناس عندها وقت؟ في القاهرة؟ ده شيء مستبعد.

.

حاسة بالوحدة جدًا وفاقدة بوصلتي جدًا، وده تعبير بضان ومتخلف، لكن الحقيقة أنا مبقيتش عارفة أنا مين ولا عايزة إيه. أنا عايزة إيه؟ أقدر على إيه؟ بقالي فترة مش حاسة أوي بالأزمة لكني الحقيقة مفتقدة بيتي جدًا دلوقتي! مفتقدة مساحاتي الخاصة وإني أمارس هبلي وعبطي ومشاعري كلها جواه. صحيح كان دوشة فشخ لدرجة تحطم الأعصاب وبعيد جدًا وبرد وأغلب الوقت معيش فلوس، لكن البيت عند أمي زحمة ودوشة وناس خارجة وناس داخلة وقرايب بينطوا في أي وقت ومتوقعين إني أسلّم عليهم وأقعد معاهم! كل يوم بيتضمن خناقة غير مرئية ولا محسوسة لأني باضطر أتنازل وأعمل مواءمات بيني وبين نفسي: بداية من الأنوار العالية جدًا والشبابيك اللي بتدخل الشمس القوية والحيطان الفاضية عشان عاجبهم لونها وحاجتي المكركبة في كل حتة والزحمة، مفيش أوضة بتستحملني زي ما أنا، لازم أخبي اللي حاسة بيه أو بافكر فيه. ده محطّم للأعصاب جدًا.

كان لازم ده كله يحصل؟ كان لازم أي حاجة منه تحصل؟

مبعرفش أواجه ومش قادرة أواجه. فيه بنت متعرفنيش كتبت لي ع المدونة "فيكي قوة ح تخليكي تكملي"وأنا مستعجبة هيا جابت الكلام ده منين؟ مش شكله كلام إنشا وخلاص، ولا فضّ مجالس. تامر بيقول لي الأسبوع اللي فات “you are not alone, you have your friends"ومن شهر كلمته قلت له إني فاشلة، رد بعصبية "إنتي مش فاشلة، إنتي لسه واقفة على رجليكي". إيمان بتقول لي حاجات مشابهة، منى ونيفين كتّر خيرهم والله، كلامهم بيشجع وبيدعم ساعات.

لكن في آخر اليوم؟ في أغلب الأيام؟ قاعدة لوحدي معايا، مع أفكاري ومشاعري وصراعاتي ومعاركي اللي ما بتخلصش، والحقيقة مش قادرة أستحمله أكتر من كده، ولا عارفة أواجه، ونفسي في أجازة فشخ.. أجازة طويلة جدًا مبيبقاش مطلوب مني فيها إني أعمل أي حاجة، ولا أخرج ولا أقابل حد.. يمكن الدنيا تظبط شوية.
.
محدش مضطر أو مطالب إنه يعمل حاجة تجاهي، محدش "لازم"يصلح لي أي وضع، شادي بيتعصب لأنه عملي "أيوة أنا أعمل إيه أو أتصرف إزاي تجاه ده؟"نيفين بتحس بقلة الحيلة، منى تحس إنها بعيدة، وأنا بانكمش على نفسي أكتر.

الحقيقة محدش مطالب بأي حاجة ناحيتي، بأي حاجة. مفيش حاجة تتعمل يا شادي ونيفين مش قليلة الحيلة ومنى على الرغم من وجودك في قارة تانية بس أقرب من ناس كتيرة في نفس البلد، فا فككوا يعني. القلق مش حلو، مش ح يجيب نتيجة.
.
It’s just so hard to be me.

31-12-2018

حنين

$
0
0
أحاول العمل أو قراءة المقال المفروضة عليّ ترجمته وتنسيقه قبل غدٍ، لكن "وكنا أربعة: أنا وأنتِ، وأنا وأنتِ"بصوت فؤاد حدّاد، تقول لي أن أتريّث قليلًا.

تأخذني القصيدة للعام 2006. تالتة كلية والعمر أمامي ممدود ومزهر ووردي وجميل، المستقبل مشرق، أجرّب الكتابة فأجدها ممتعة وأحبها، أجرّب القراءة لكتّاب لم أعتدهم من قبل، فأحبهم جدًا وأجد الموضوع مشوّقًا فأستمر فيه لآخره. أسمع عن "فؤاد حدّاد"ولا أعرفه، لكن أسمع القصيدة وأقرأها لدى هاجر "إيبيتاف" -ما زال اسمها على هاتفي المحمول باسم مدونتها- فأحبها جدًا وأقرر الاحتفاظ بها لديّ.

العام 2006 والعمر ممتد. أحب "يوليوس قيصر"في الكلية وأقرر أن شيكسبير كاتبي المفضّل، أجتهد في فهم الفلسفة فأفشل تمامًا فأتخذ قرارًا قاطعًا بأنها مادة سخيفة ولا ضرورة لها في الحياة. أركب باص عم سيّد وأحاول فهمه فلا أستطيع، تقول لي نيفين نظريات ولا أجدها منطبقة على الواقع فأصرف الموضوع كله من رأسي. زميلة لي في القسم، اسمها ريهام شيء ما، يضغط أهلها عليها بشدة للزواج من رجل لا تعرفه ولا تحبه ولا تطيقه، تبكي لنا بين المحاضرات فينصحها أصدقائي بالتجلّد، وأقول لها مذهولة إن عليها الرفض، فتبتسم من وسط دموعها مشفقة على جهلي، وتردّ بأنها لا تستطيع. يسقط هذا المشهد من ذهني تمامًا، وتدعونا لحضور زفافها فأرفض بينما يحضر البقية.

نجلس أنا وصديقاتي في الصف الأول من المدرجات، دائمًا الصف الأول في تنافسية طفولية مقيتة وغِلسة تمامًا. يكرهنا بقية الفصل والدفعة كلها، فلا نكترث. تلحّ عليّ صديقتي سارة بأن أقرأ هاري بوتر فأبدي لها اشمئزازًا لأني "ما بقراش حاجات عيال"، عندي 19 سنة بحالها فكيف أقرأ عن سحرة صغار؟

أفتتن بمدّرس لدينا في القسم، يتحدث عن الثقافة والقراءة، عكس كل الكتيبة والحفيظة الذي يدرسون لنا، فأحضر له عددًا من مجلة "العربي"الكويتية التي كنت أقرؤها بانتظام ونهم وقتها، كي يشرح لي مقالًا عن "جيمس جويس". عندما رآها صاح "وكمان ح أشرح جيمس جويس؟ لأاا!"فتساءلت في سرّي "ومتشرحش ليه يا أخويا؟"وبدأ الافتتان في التخافت. فيما بعد تذكرت أن المقالة كانت عن رواية "عوليس"، وأكثر الظن أنه لم يفهمها، ولن أجد من يفعل لا في مصر ولا في إنجلترا ولا آيرلندا نفسها.

أحصل على نسختي المصوّرة من كتاب "تاريخ اللغة الإنجليزية"، فأبدأ في تلوين الخرائط بداخله لأنه كله أبيض وأسود ومصوّر ونسخته سيئة وطباعته مقرفة. ألوّن كل الخرائط وأحدد عليها تقدم الجرمان ثم النورمانديين إلخ، وأضع خرائط زمنية في آخره تساعدني على الحفظ. أتذكر الآن أن هذا كان في السنة الرابعة، بدأت وحدتي في الإعلان عن نفسها، صرت أكثر انعزالًا وكآبة، لا تبدي صديقاتي أي اهتمام بمحاضرات تاريخ اللغة بينما ألتهمها التهامًا، وأصابعي تكتب أو تدوّر البلية الزجاجية الخضراء بينها، كنوع من رفض التخلّي عن الطفولة تمامًا. في محاضرة أخرى، جلست أنا ونيفين إلى جوار بعضنا، وهي من فصل مختلف عني لاختلاف الحرف الأول من اسمها، وقد خططنا كثيرًا كي نحضر معًا آخر محاضرة في رواية "طاحونة على نهر فلوس"لجورج إليوت، التي قرأنا فصلها الأخير معًا وبكينا، وعندما شرحت الدكتورة باقي الرواية وسردت أحداثها لمن لم يقرؤوها بكينا مجددًا. أذكر أنها لمحتنا: إلى جوار بعضنا ونحيلتين جدًا في ملابس باهتة، نحاول كتم دموعنا ومسحها بسرعة قبل أن تغرق وجهينا، فابتسمت وقالت بالإنجليزية "يبدو أن هناك من يتمتع بالإحساس، في هذا الفصل!"وأكملت بسرعة. رهاني الذي أكسبه حتى الآن أن أحدًا لم يفهم ما قالته.

في أعوام لاحقة سأتعرّف على شِعر أمين حدّاد، وسيظل حتى الآن شِعر والده ملغزًا إلى حدٍ كبير بالنسبة لي. سأحب شِعر ابنه، أحمد، وأحضر حفلات قليلة لفرقتي "إسكندريلا"و"الشارع"قبل أن تأتي 2013 وتكتسح كل شيء وأي شيء عداها وسواها وضدها ومعها. سأحفظ "حيّوا أهل الشام يا أهل الله"وستظل "لم أزل منصور ولم أُهزم"شعاري في أوقات مظلمة ومضيئة، على حدٍ سواء. سأرى بهاء جاهين في أمسية شديدة اللطف للحديث عن فؤاد، وسأعرّفه بنفسي وألتقط صورة معه، مبتهجة جدًا بها. سألتقط صورًا كثيرة مع أمين، وأشتري كل ألبوماته الصادرة مع الشروق وميريت، مع أنني لا أستطيع العودة للانتظام في القراءة.

سأتوقف عن شراء أعداد العربي الكويتية، وسألتهم مجلات ميكي بحرارة غير مسبوقة، وسأقرأ كل روايات هاري بوتر بالعربية ثم أسمعها بالإنجليزية وأدخل أفلامه الجديدة في السينما، وأنتظر "جرائم جريندوالد"في نوفمبر 2018. سيتبخر تمامًا افتتاني بدكتور الكلية المتبختر وأراه على حقيقته: مغرور وغبي وعاجز عن التعاطف. سأنسى تمامًا ريهام وحكايتها، بعدما فشلت في استكمال سنة رابعة في الكلية. سأشعر بتأنيب ضمير قوي لأنني لا أتواصل كما يجب مع سارة، مع أنها تعرف أنني صرت مفتونة بقصة الولد الذي نجا، لكن طفليها وزواجها التعس لا يتركان لها مساحة للخيال.

بالنسبة للآن، فإني أتذكر تالتة كلية بحنين لطيف جدًا، يدفع ابتسامة جميلة لقلبي. ما زالت حكاية الكتابة تعجبني، وأريد استكمالها. لم أزل منصور، ولم أُهزم.
.
روز
مدينة نصر، في 3-8-2018

ديمنتور لا اسم له

$
0
0
Some people cannot imagine how hard it is to make oneself an omelette.

رنّت الجملة السابقة في عقلي بصوت "جيم ديل"، الذي يقرأ روايات "هاري بوتر"ويؤدي أصوات كل الشخصيات بنفسه، والذي أصبح صوته عالقًا داخل رأسي: كلما أردت قول شيء ما بالإنجليزية، رنّ بصوته.

يتعذر على كثير من الناس بالفعل، تخيّل مدى صعوبة أن يصنع الإنسان لنفسه الإفطار: يضرب بيضتين ويصنع أومليت، أو يدهن شريحة خبز بالجبن الأبيض وفوقها قطعة طماطم، أو في حالتي أنا ملعقة من المربى -لا يمكنني تناول شيء مسكّر دون طعم حادق إلى جواره، والعكس بالعكس. يعني، بالنسبة للعامة: ما صعوبة أن تمدّ يدك وتسخّن رغيفًا وتأكل؟

كل أنواع الصعوبة التي في الدنيا، في الواقع.
***

كنت أحكي لصديقي الجديد أحمد، منذ عدة أيام، أنني في آخر محاولة للعمل بدوام كامل حاول المدير وضع مسؤوليات أكبر بكثير مما اتفقنا عليه في البداية، فوق عاتقي. وعندما رفضت وقلت إنني لا أستطيع، سألني هازئًا عن السبب، فحاولت قدر الإمكان التحكم في أعصابي وأشرح له إننا لم نتفق على ذلك، وأنه لا يقدّم زيادة في المرتب، كما أنني -يعلم الله- أقف أمامه بصعوبة كبيرة: لا يعرف مقدار المجهود الذي أبذله لأخرج كل يوم من منزلي بملابس نظيفة وشعر مغسول ومهندم، وأطعم نفسي وأحملها حملًا للعمل. كل هذا المجهود يفوق طاقتي، فلا يعود بإمكاني أداء واجباتي المعيّنة لي أصلًا، فضلًا عن المزيد! يعني اتقوا الله في البني آدمين.

لا يترك الاكتئاب مجالًا لأي شيء آخر.

في روايات "هاري بوتر"تصف جوان رولينج المؤلفة، الديمنتورات أو حرّاس سجن أزكابان، بأن حضورهم مقبض للغاية: يسحبون كل أمل ومشاعر جيدة، ويبثون الخوف والحزن العميقين، ويبعثون أسوأ مخاوف المرء من أعماقه، حتى تلك التي لا يعرف أنها موجودة. حكى رون في أول مقابلة له معهم بأنه شعر كأنه "لن يشعر بسعادة ثانية أبدًا"وكان خجِلًا من قولها.

الأدب، في كثير من الأحيان، يعطينا مساحة لكتابة ما لا نستطيع قوله مجردًا. لو كتبت رولنج أن هاري يحارب الاكتئاب الذي يعيقه عن عمله ويسحب من داخله الأمل والسعادة ويتركه حزينًا وغير قادر على المواجهة، لما باعت من رواياتها ثلاث نسخ على بعضها. لسبب لا أعرفه، لا يحب الناس الحديث عن المشاعر بشكل مباشر، لا يحبون وصف مشاعرهم وبالتأكيد يهربون منها.
***
 تشبه الإصابة بالاكتئاب أن تعيش بشكل دائم وثابت بإصرار يُحسد عليه، مع ديمنتور يعمل جاهدًا بلا نوم على امتصاص كل السعادة من داخلك، كل الأمل والإصرار على أن تجعل نفسك في حالٍ أفضل. يعزلك عن أصدقائك ومن تحبهم، يغرّبك عن أهلك ويكسر ما تملك من قوى تحاول توجيهها من أجل العناية بأطفالك وبنفسك أو حتى بقطتك. تحاول الخلاص منه فيعود، تلقيه في القمامة فتجده قد سبقك على المنزل، يصاحبك في المصايف وسفريات العمل وإفطارات العائلة في رمضان وتجمعات العيد، يحدّق فيك من شاشة السينما مراقبًا أي علامة على البهجة أو حتى الاندماج في أحداث الفيلم، ليمتص روحك ثانية.

تُعاد لك روحك كل يوم بالليل، مهما كان نومك مضطربًا أو قلقًا، تنبت ثانية فتصحو لتجد نفسك مضطرًا لخوض نفس المعركة. طبيعي، والحال هكذا، ألا تستطيع إطعام نفسك.
***

صار لي ما يقرب من أسبوع لا أتناول الغداء.
في البداية لم أنتبه لهذا الأمر: أفطر في الثانية عشرة ثم أظل للثامنة مساءً بلا طعام. لا أشعر بالجوع، فقط بالدوار، وعندما أراجع في عقلي هل تناولت دواء الضغط أم لا -حتى هذا أنساه كثيرًا- أجد أنني لم آكل. أنهض وأعدّ لنفسي أي شيء، وآكله.

قد يبدو هذا غريبًا. في الأسبوع الماضي، تحادثت مع أصدقائي كثيرًا، تعافيت من نزلة قصبية -ما اصطُلح في الماضي على تسميته بنزلة شُعبية، طلع اللي بيلتهب القصبات الهوائية مش الشُعب!- وكتبت كثيرًا. كنت أضحك وأتكلم، لا أنام كما يجب لكن "باعرف أتعامل يعني"وتمضي أيامي.

يوم الأحد الماضي خرجت لميعاد مع طبيبة جديدة. بمجرد نزولي من البيت هاجمني حزن غريب، تجاهلته، وصفت لي الطبيبة دواءً ونصحت بأن أسأل أكثر، اشتد الحزن. نزلت في الشارع فوجدت أنني قريبة من محل كذا وكذا، وأنني بحاجة لملابس تدفئني وجوارب مبطنة، فتوجهت لشرائها. وقفت في منتصف الشارع لا أعرف إلى أين أتجه: كيف يعبر الناس الشوارع؟ كيف يوقفون السيارات ليعبروا هم بلا إصابات كثيرة؟ يعني، ماذا يفعل البشر في هذه المواقف؟
هاجمني الخوف.
ظللت خائفة جدًا بغير سبب، اشتريت بلوزة قطنية وجوربين، مشيت طويلًا، شعرت بالتعب الغامر، طلبت سيارة ووصلت للمنزل.

ظلّ الخوف والحزن يطحنان فيّ طحنًا، رفضت تناول العشاء وفتحت التلفزيون أشاهد أي شيء، قاومت في النوم بعنف بانتظار أن تصفو سمائي، لكنها لم تفعل. في النهاية استسلمت وذهبت للفراش في الثالثة صباحًا. بكيت كثيرًا جدًا حتى تغلّب المنوّم على قلقي في النهاية ونمت.
***

يأكل الاكتئاب في الروح ويترك لها القلق والحزن والخوف، بغير ما سبب.
لسنوات عانيت من الخجل، أو بالعار لتملّك هذه المشاعر عليّ. التربية التي تلقيتها والجو الديني الزائف المنتشر بشدة، يقولان دائمًا إن "مش تقولي الحمد لله؟ ناس كتيرة معندهاش ربع النِعم اللي عندك.. إنتي معندكيش رضا وربنا ح يسحب منك النِعم دي."والردّ الوحيد الممكن على هذا الكلام لا يسمح لنا التهذيب بكتابته هنا، يوجد آنسات صغيرات يجلسن معنا.

بعد فترة زال الخجل. صرت أقدر على التعبير عن مشاعري، استطعت أن أقول وأكتب إنني حزينة أو خائفة أو أشعر بالوحدة. صرت أتصل بأصدقائي وأقول لهم "أنا حاسة بالوحدة"ونضع معًا الخطط.
لكن هذا لا يمنع أنني في أوقات كثيرة لا أعرف كيف أتصرف. ما زلت أتعلم يا أحمد، ما زلت أحاول قدر إمكاني، كالنحت في الصخر، أن أظل واقفة على قدميّ هاتين، مرتدية ملابس نظيفة وشعري مغسول ومرتب، وأنام على ملاءات نظيفة. عندما أمرض أذهب للطبيب فيصف لي مضادًا حيويًا مثلًا، أو دواء لعلاج التهاب الأذن المستمر، وأحاول جاهدة تذكر دواء الضغط، وأشرب الماء وأجاهد، بصعوبة، لصنع طعام مغذٍ لي. أين يقع "العمل الذي يدرّ دخلًا"من كل هذا؟ لا أعرف، وإن أريد بشدة أن أعرف لأتمكن من حلّ المعادلة.

ستتمكن أنت أيضًا من الفهم والوصول لحلٍ جيد، ستعرف كيف تتغلب على الديمنتورات المحيطة بنا، وستصبح مع الزمن أكثر قدرة على مواجهة الخوف والوحدة والحزن وكل ما لا يمكن تسميته من مشاعر تأكل في قدرتنا على المقاومة :)

روز
22-1-2019
_______
أعتذر عن ركاكة أسلوبي هذه المرة، لأني أقاوم النعاس ولا يمكنني التركيز.

خلّيك هنا خلّيك، بلاش تفارق

$
0
0
معرفتش ألبس إسود النهاردة يا حازم.
بقالي كتير مبعرفش ألبس إسود، لا في الخروجات العادية ولا في العزايات، باتخنق منه. أصلًا مفروض ما أروحش أي عزا بس مقدرتش، كنت عايزة أروح حفل التأبين To pay my respects.

أنا ممتنة لشادي إنه كلمني وقال لي ممكن نروح سوا، مكنتش ح أعرف أروح لوحدي برضه، المشوار تقيل أوي عليا، مكنتش ح أعرف أواجهه. سألت شادي في السكة "أنا مش عارفة أعمل إيه"فقال لي "وأنا كمان"وكملنا كلامنا في الكتب والحاجات اللي جابها من المعرض. مش عارفين نواجه.

مكنتش أتخيل إني أقعد في تأبين أو عزا صديق ليا. كل اللي جه في بالي والناس بتتكلم عنك "بس ده أصغر مني!"وحاولت أقنع نفسي بالمنطق إن ده مش مبرر إنه ما يروحش عند ربنا، مفيش منطق في المسائل دي، إحنا اللي عقولنا بتتعبنا طول الوقت.
والناس طالعة تتكلم عنك يا حازم قالت كلام حلو، بس اللي جه في بالي "هو ممكن ييجي عليا يوم أقف أتكلم عن صديق مقرّب ليا واتوفى؟ حد من الأخوية؟ ح أقول عنه إيه؟ كان بينجدني وقت ما أحتاجه، على طول بالاقيه؟"دي احتمالات مرعبة جدًا، ومقبضة لأقصى درجة. بعد الشر.
.
أول ما قعدت في القاعة كنت باقول "ليه يا حازم؟"وكنت زعلانة منك. كنت زعلانة إنك ما خليتناش نشوفك، مكنتش أعرف أساسًا إنك عيّان أوي كده، مكانش فيه حد بيطلع يشوفك أو يسلّم عليك. ليه يا حازم؟
إمبارح قعدت أفكّر إني لو تعبت أو عييت ح أخلي الناس تطلع تشوفني وتسلّم عليا، مش مهم بقا شكلي حلو ولا لأ، المهم يشوفوني. الموت ده حاجة وحشة أوي. النهاردة قلت لنفسي إن ده تفكيري أنا ومش شرط يمشي على كل الناس، مش شرط كل حد يعمل زيي، وحازم كمان معروف عنه كبريائه واعتزازه بنفسه، فا يعني اتلمي و grant him that last wish.

قعدت أفكر بعدها إني مش زعلانة منك على قد ما أنا غضبانة وعايزة أوّجه غضبي على حد. غضبانة من ربنا، ليه يعمل كده؟ حاولت بعدها أقنع نفسي بالمنطق إن مفيش في إيدي حاجة أعملها، يعني غضبي ح يخلّي الشهرين اللي فاتوا ما يحصلوش مثلًا؟ فا سكتّ بقا.

بس أنا مبقيتش زعلانة منك يا حازم..
.
والناس بتتكلم عنك الجرح اتفتح، اللي كتمته طول الوقت ده طلع: مقدرتش أقول لك إنت قد إيه جميل وعظيم وملهم، وإنتا عايش. نفس الإحساس القذر بتاع إني فوّت فرصتي، لما اتوفى د. أحمد ومكنتش قلت له أبدًا قد إيه إني بحبه وقد إيه تأثيره كان عملاق وأساسي جدًا في حياتي، ومن غيره حرفيًا أنا ولا حاجة. كنت باتكسف، مقلتش لد. أحمد كده، وكنت معتقدة إنه ميعرفش حتى اسمي بس طلع فاكرني، وبيضحك في وشي، وبيكتب لمحمود "عايز أشوفك"لما قلت له إنه بيشتغل ومش قادر يطلع من شغله ييجي المعرض.
إنتا مهم جدًا يا حازم وملهم وعظيم وجميل جدًا، وأنا بحبك جدًا يا د. أحمد، أينما كنتما، عارفة إن كلامي واصلكم.
.
لما شادي اتصل بيا ومكنتش لسه فقت ولا عارفة أتعامل إزاي، سألني "ح تعرفي تتعاملي مع الأخبار الوحشة؟"فا اتخضيت، قلت له يقول لأن أي شيء ح يتقال مش ح يبقى أسوأ من تخيلاتي دلوقتي حالًا، فلما قال لي إنك مشيت عرفت إني بامارس المبالغة بحماس كأنها الدين الجديد: ده أسوأ من كل تخيلاتي.

إنتا كنت بقيت كويس وكتبت مقالة ولما قريتها بعت لك قلوب زرقا في الماسنجر، وسألتك قبلها على استحياء "هل ينفع أبعتها لك؟ لأن الرجالة المتجوزين بيتضايقوا من القلوب الزرقا في الماسنجر"فا ضحكت وقلت لي إنك سهرت مخصوص تقرا تدوينتي ورسالتي، وإنك مستعجب من سؤالي "وابعتي يا ستي براحتك قلوب زرقا"ودي بقيت An inside joke بيني وبينك، كل ما آجي أبعت لحد قلوب وألاقيه متجوز، أسأله وأرجع أقول لك ونضحك، حتى لو في خيالي.

كان بقالي كتير ما كلمتكش يا حازم.
أسوأ شيء في النسيان المستمر العنيف ده إني بانسى أصحابي. أنا ناسية آخر مرة كلمتك إمتى، آخر مرة شفتك، باركت لك على الجواز ولا لأ، عرفت بمرضك من 3 سنين ولا لأ.. أنا ناسية خالص.
إنتا الوحيد، خارج الأخوية، اللي عرفت موضوع العلاج الأخراني اللي أخدته عشان أعرف أقف على رجليا -فهمت دلوقتي معنى كلامك يا تامر، سوري- لأني اخترت أقولهولك. اخترت أشاركك الموضوع ده لأني حسيت إني ممكن أديك أمل إنك ح تبقى أفضل وتتحسن وتخف، آمال ساذجة بس معندناش غيرها والله. إنتا استغربت الموضوع جدًا لأنك أول مرة تسمع عنه، بس قلت لي "مبسوط إن أصدقائك كانوا معاكي، ربنا يخليكم لبعض"وده كان أجمل شيء ممكن يتقال، ساعتها ودلوقتي وعلى طول.
.
تامر قال لي إن مكانش في إيدي حاجة أعملها، أنا نفسي مكنتش مدركة أنا فين وإزاي والحياة دي بيحصل فيها إيه، كنت باحاول بقوة إني آكل وأشرب الدوا وأنام وأعرف أنا مين وح أعمل إيه في حياتي. قال لي إن الإحساس بالذنب هواية عندي "بس ما تعمليهوش المرة دي والنبي"وقال لي أدعيلك. حسيته عملي أوي وعنيف شوية ولا مبالي. اتضايقت.
النهاردة تامر معرفش ييجي، كلمته ولما قلت له إني في حفل التأبين قال لي "شدّي حيلك"فضحكت: أشد حيلي ليه؟ أنا كويسة أهو. لما ابتدى التأبين والناس طلعت تتكلم حاولت أتنفس معرفتش، حاولت أتماسك معرفتش، افتكرت كلمة أوساز مجدي لما جه يدّي الميكروفون لهبة مراتك، وقال لها تقول كلمتين وتحاول تتماسك وهيا بتقولهم، ده لو شافني باعيّط ح يخطف الميكروفون من اللي بيتكلم ساعتها ويقول الست اللي قاعدة ورا ولابسة بينك يا ريت تتماسك شوية! قادر ويعملها الحقيقة.
طلعت وقعدت برة عشان أعرف آخد نَفَسي، عيطت شوية، وافتكرت كلمة تامر "شدي حيلك"و"مكانش في إيدك حاجة تعمليها."وده الحقيقة ساعدني كتير. غسلت وشي ورجعت أقعد تاني.
.
لما خلصنا ورحنا نقعد على القهوة، سبيل سألتني "عارفة تتمشي في وسط البلد؟"والحقيقة امتناني لسؤالها خلاني أقعد شوية بدل ما أطلع أجري أروّح زي ما كان خوفي بيقول لي. ياسر سألني كتير بعد ما التأبين خلص "إنتي كويسة؟ عاملة إيه؟"وقلت له إني بخير، وحسام قال لي كذا مرة إنه ممتن إني جيت، الحقيقة أنا نفسي ممتنة إني جيت، مكنتش ح أقدر أعملها بس كان لازم، وربنا يخلي لنا شادي.

لما كلّمت إيمان، تاني يوم بعد ما عرفت إنك مشيت، قلت لها "مش عارفة أحزن، يعني أعمل إيه؟ أبقى حزينة إزاي؟"فقالت لي "بلاش، ما تزعليش لأن ده ح يأثر عليكي وعلينا، ومش ح نعرف نتصرف ساعتها.. افتكريه بالخير وادعيله."أنا رحت النهاردة مخصوص التأبين عشان "أعرف أحزن"، من غير كده كان ح يبقى فيه إحساس قوي بالنخر في قلبي، باب مفتوح وصعب يتقفل وداخل منه الهوا. رحت عشان أقفله.
.
وإحنا قاعدين برة مستنيين القاعة تتفتح، كنت عايزة أسأل "ح أواجه حزني إزاي؟ I don't know how to do it."فا الإجابة نطّت على لسان هيرمايني جرينجر، وهيا ماسكة إيد هاري، وبتقول له "Together."
.
الحب كله يا حازم، رحمة ونور :)
.
26-1-2019

شلّة الأطفال المزاجيين الذين لا يعجبهم الزرع أو الحواوشي

$
0
0
يؤسفني أن أخبر نفسي بأنني في فترة الـPMS أو "متلازمة ما قبل الدورة الشهرية."وهذا مدعاة للأسف لأنني في تلك الفترة أفقد حس الدعابة لديّ، رغم صوته الخافت المقاوِم بالداخل.

منذ بداية الأسبوع والإرهاق العنيف يهجم بلا مبرر. أراجع في رأسي الأنشطة التي قمت بها والخروجات، أجدها لا تتساوى مع محصّلة الإرهاق النهائي حتى لو قسمناه على اثنين. أسألني متى آخر مرة تناولت فيها فيتامين دال والكالسيوم؟ أجدني مواظبة عليهما، أراجع كثيرًا مع نفسي حتى أتوصل للاستنتاج العبقري: إنها الـPMS.

أتجنب الناس كلهم حتى أهلي، أدخل في صمت اختياري لسببين: الأول أنني لا أستطيع تكوين جمل مفهومة، وأهلي بالتحديد لا يفهمون بسهولة أو لا يعرفون القواعد المنطقية التي يسير بها تفكيري، أنا مثلًا، أو تفكير الآخرين، مهما شرحت في تلك القواعد، لدرجة أنني أحيانًا يساورني ظن قوي جدًا بأن علماء اللغة وعلم الاجتماع -الاتنين- سيجدون في دراستهم أشياء شيّقة جدًا ونظريات تستدعي التدوين الفوري، وربما نشرها في مجلات رصينة مثل Evolution Today وThe Peabrain Chronicles.

السبب الثاني، وربما الأكثر أهمية، أنني غاضبة.

تأتي هذه الفترة/المتلازمة معي في صورة غضب شنيع، غضب من أي شيء، وبلا مبرر تقريبًا. أتحوّل لكائن عنيف ولسانه مقذع وصوته عالٍ، لدرجة الإساءة لمن حولي ممن بالضرورة لم يتسببوا في هذه السوْرة. لذلك أتجنب الناس كلهم وأتوقف عن الكلام، لأنهم لا يستحقون تطيير أعناقهم لمجرد "صباح الخير."

لكن اليوم، تراجع الغضب وجاء الحزن. حزن غير مبرر أيضًا، يا سلام يعني دي محتاجة شرح؟ حزن على أي شيء، كأن طفلًا بداخلي يجلس على الأرض ويختار منها: "إيه ده؟ ده زرع؟ طب أنا زعلان من الزرع. إيه ده الشمس واصلاني؟ طب أنا زعلان من الشمس. إيه ده بتجيبي لي الأكل اللي بحبه؟ طب أنا زعلان من الأكل."وهكذا طول الوقت.

أرقد على الكنبة أشاهد ولا حاجة، أقلّب بين فيلم وآخر، وأنسى وضع اللاب توب في الشاحن فتنفد بطاريته سريعًا. أشعر بالحزن لأن الأمريكان الأفارقة لم ينالوا حريتهم بعد في أحد الأفلام، ولأن بطل فيلم "ليلة في المتحف"يشعر بالوحدة، وأريد بشدة وبقوة وعنف سروال جينز جميل كالذي ترتديه البطلة وتمرره بين صديقاتها، ثم أعلن أن هذا يكفي وأنهض.

أعرف أن فلانًا، الذي أحبه سرًا وعلانية وكل حاجة، ومنبهرة بكل ما يكتب أو يفعل عدا أدواره الأخيرة في عدة مسلسلات ورا بعض، قد "عمل لي لايك". أشعر بسعادة حقيقية، واو أنا بقيت مشهورة! ثم أبحث عن شخص أخبره بذلك فلا أجد. يصيبني الحزن.

آكل شطيرة حواوشي بالمسطردة والكاتشب، يعجبني طعمها جدًا في البداية ثم يحزنني جدًا. أريد بيبسي لكني ممنوعة منه بأمر الطبيب، فأحزن جدًا، أتذوق شيئًا من كيكة الأمس فأجدها مسكّرة جدًا فأزعل برضه شوف سبحان الله! أصاب بالملل في النهاية من كل هذا الحزن وأعلن لنفسي أنني مستعدة للنوم الآن.

أعرف أنني حزينة ومحبطة وغاضبة ربما وحيلي مهدود جدًا، لكن عليّ تحضير ملابسي للغدّ -شحنت الكاميرا خلاص- لأنني احتمال أستيقظ وأقرر الخروج، هناك احتمال ولو بعيد أن أقابل أشخاصًا حلوين يفهمون القواعد المنطقية والأساسية للحديث البني آدميني ويستطيعون استنباط النكات منه أيضًا -إيفولوشن توداي: إحنا هناك مستنيينكم- فا يعني لو استيقظت وقرر الطفل الجالس على الزرع أن أذهب، أجدني مستعدة ولا يعطلني شيء.

أشعر أحيانًا بأنني جليسة أطفال فاشلة: أتركهم يفعلون ما يريدون ويأكلون كل السكريات التي يحبونها ثم يتعبونني في رحلات الحمّام ليلًا! مش معقول كده ما يصحّش! بشكلٍ ما، أريد استدعاء ماري بوبنز لتسيير أموري ولو قليلًا، خلينا نخرج ونتصوّر وأحكي للناس على اللايك الجديدة.
.
زهقنا PMS... مش كفاية بقا؟!
.
روز
7-2-2019

ليس للكوب أن يَفرَغ

$
0
0
عزيزي..

صار لنا أسبوع نتحادث كل يوم تقريبًا. أهاتفك للتنسيق من أجل حضور عيد ميلاد صديقنا الثالث، والذي سعدت جدًا عندما قرر أحد معارفك -الذي رتّب لعيد الميلاد المفاجأة- أن يرسل لك “وخلّي روز تيجي معانا”. شعرت بأنني جزء من الحفل، جزء سيسعد بحضوره صديقنا الطيب جدًا، خفيض الصوت.

اتصلت بك عدة مرّات لأعرف كيف سنسافر معًا من أقصى شرق القاهرة لضواحيها الغربية الجديدة اللعينة، ثم تحوّلت المكالمات لـ”ألف سلامة” لكلينا: متاعب موسمية معتادة، تصرّ على ألا تتركنا وحدنا أبدًا، مع أننا نعرف والله كيف سنتصرف في غيابها، حلو جدًا!

أسبوع من المكالمات شبه اليومية، نلاحظ فيها معًا تغيّرات مزاجينا، وبحّة صوتك المريعة وانسداد أنفك، وإرهاقي وألمي الواضحين في صوتي. نغلق الهاتف سريعًا، نطمئن على بعضينا ثم نتجّه للنوم. نصاب بالعصبية أو “قفلة المزاج” ونرفض أن نتحدث لأحدنا الآخر، ونكاد نغلق الخط في وجهينا عشان “قرفنا بقا.”

نشبه، يا صديقي، عدوّين قديمين قررا الاجتماع معًا لمحاربة عدوّ ثالث. طول الوقت يتجنبّان صحبة أحدهما الآخر، يكرهان الأوقات التي يضطران فيها للعب بنظافة، ويحاربان معًا حينما يواجههما الخطر. أحدهما، ليس الأضعف ولا الأقوى، يستيقظ صباحًا كل يوم ليجد بجواره كوبًا كبيرًا من الماء العذب النقيّ.

على مدار أسبوع، حَمَل صوتك بكل ألوانه وتمويجاته وانغلاقه وبساطته وضحكه وعصبيته وسِبابه، كل طيبة وجمال ذلك العدو/الصديق المضطر للقتال بجواري، الذي يكره ظلّي طالما أتحّرك -أو أوجد- حوله، لكنه يضع بجواري كل ليلة، كوبًا عملاقًا من الماء، لأنه يعرف جيدًا مبلغ عطشي بمجرد استيقاظي من النوم.

ولأجل هذه الأشياء، يمكننا أن نحيا..

.

كُن بخير :)

روز

10-2-2019

روائح مخادعة للصباح

$
0
0
كل صباح، أستيقظ رافضة أن أفتح عيني. يعود إليّ وعيي ببطء، ببطء بالغ أسير من أرض الأحلام نحو الواقع: أتذكر ما فعلت أمس -بشكل ما، كل صباح يحمل لي جملة “لا تعتذر عمّا فعلت” فأقول لنفسي “والله ما كنت ناوية يا أخويا!”- ويعود إليّ إدراكي بقبح الواقع، واقعي، وحياتي هذه. أرفض بقوة فتح عيني.

أغمضهما وأتقلّب، أغوص ما بين الأحلام والواقع، ويتموج السرير تحتي. لا آخذ حبة الضغط في ميعادها أبدًا، والنتيجة أنني أغرق في تلك التموجات أكثر. ثم يداهمني الخوف.

خوف بدائي من أشياء لا أعرفها، يهجم على وعيي. أتمسك بحافة اللحاف، أو البطانية أو كليهما، وتنكمش ساقاي نحوي. أمدّ يدي بصعوبة لزجاجة المياه كي أشرب: حلقي جاف جدًا. يرفض الخوف غير المنطقي مغادرتي.

ثم تأتي الرائحة.

رائحة خفيفة جدًا، تكاد تكون طيفًا غير محسوس، تأتي من مكان لا أعرفه. في بعض الأحيان هي فانيليا، خفيفة وعذبة مثلما تحملها الشموع المعطّرة. لكن شمعتي في الغرفة المجاورة وكلا البابين مغلقان!

في أحيان أخرى هي خشب، شجر مقطوع حديثًا وغير مشذب، رائحة قوية تغمر أنفي. اليوم مثلًا، كانت مسحوق غسيل، خفيف جدًا ومنعش، يحمل طفولة واضحة في كون الملابس نظيفة فقط لأن رائحتها “صابون”.

تلفّني هذه الروائح، ببطء ونعومة كبيرين. تحثّني على الابتسام، ولا تقول لي شيئًا أو تأمرني بشيء. بعد برهة قصيرة، أفتح عيني، وأقرر إنزال ساقي من على الفراش، لأبدأ يومي.
.
روز
10-2-2019

عنقاء رمادية ما بين الخوف وانتظار القيامة

$
0
0
النهاردة يوم تقيل، تقيل جدًا..
ما بين أخبار الإعدامات إمبارح، وحبس صاحب مكتبة تنمية النهاردة، وإحباطات شخصية، اليوم رفض يعدّي. ده من الأيام اللي تبص فيها للساعة، في أي وقت، وتقول هيا ليه الساعة ماشية وح أعمل إيه بكل الوقت ده؟ ويعني إيه الساعة تمشي؟ وليه الوقت موجود؟
مش قادرة أشيل من دماغي صور الطفلة الصغيرة، ابنة أحد المحكوم عليهم بالإعدام. فيه مقولة ثابتة إن دم ضحايا الظلم لعنة على ظالميهم دنيا وآخرة، ومش قادرة أتصوّر إزاي فيه حد ميعرفش المقولة دي بحيث يحكم إن أولاد وأحفاد المظلومين يلعنوه وهو حيّ وهو ميّت وهو قدام ربنا. مش قادرة أتصوّر فعلًا ولا قادرة أتكلم.

من حوالي ساعتين كتبت على تويتر "أنا خائفة"ونقطة. دي كانت التويتة، سبتها وأنا عارفة إني مش طالبة تفاعل ولا تعاطف من حد، كنت باكتب حاجة للذكرى لو فضلنا عايشين سنة كمان، أو سنتين. كانت الاعتراف الوحيد المنطوق -أو المكتوب- بخوفي. أنا خايفة.

إمبارح خرجت واتكلمت كتير مع صاحبي، تامر، وقلت له حاجات باخاف أقولها. معرفش ليه خايفة، بس أهو أنا حاسة بكده وخلاص. النهاردة باكلم نيفين قلت لها وسط الكلام "أنا عندي Major anxiety disorder"وكمّلت كلامي عادي، بس حسيت بنغزة جوايا.

تامر بيقول لي "عادي والله، فيه ups and downs وإنتي حاليًا داون، إيه المشكلة؟ إدّي نفسك وقت، محدش بيستعجلك"وأنا استريحت من كلامه. النهاردة المفروض أخرج وأحاول أشتغل، أعمل أي حاجة، معرفتش. كل اللي عايزاه إني أتقوقع في السرير ما اتحركش. كل ما أتحركش أخاف أكتر، أشغّل فيلم أنسى شوية، أقفله أخاف وأحس بالوحدة، أفتح الفيس بوك أتغمّ زيادة، أقف أطبخ لأن يا سبحان الله مفيش حد من اللي قاعدين في البيت افتكر إن فيه شيء اسمه غدا أو إن الناس محتاجة تاكل بأي شكل ومحدش طبخ، فا أقف لأن "دي مسؤوليتي تجاه نفسي إني أساعد نفسي ما أستناش مساعدة من حد"وأنا عصبية ومتنرفزة ومش طايقة كلمة لحد، وينتهي بي الحال إني أعمل الأكل ليهم كلهم، ولما خلص محدّش عمل غيره.

أنا عارفة إن ده أسلوبهم بس أنا طهقت.

مستنية الأكل يستوي، تيجي في بالي مشاهد متخيّلة مقتحمة، دخلت دماغي عنوة: بنجري على صاحبنا لأنه حاول ينتحر. قلبي ينقبض فشخ، أدرك إن ده من القلق اللي مصابة بيه، أحوّل المشاهد/السيناريو لحاجة تانية: بنقابله وبنضحك سوا، بنقعد نتكلم ومستريحين في حضرة بعض. أهدى شوية.

ترجع المشاهد المقتحمة المنيّلة بنيلة فأغيّرها، تيجي في بالي أبيات لمحمود درويش فا يوحشني وأنا عمري ما شفته. على بالليل متأخر أتصل بصديقي أتطمّن عليه، وأحاول أخفف القلق في صوتي عشان ما يحسش هو بالذنب. أقول لنفسي إن مشاعري هو ملوش دعوة بيها ولا ذنب فيها، قلقي طالع من جوايا وهو سليم وبخير. ما يلومنيش، ردّ فعله مطمئن وجميل، أنبسط وأقفل الخط.

الساعة 12 منتصف الليل، المفروض أنام عشان أقابله بكرة. باخاف أنام، باخاف أدخل في النوم، باخاف من اللي ح ألاقيه لما أنام. التصرف الصائب في هذه الحالات إني أهدّي نفسي، أتكلم معاها، بقينا نعرف بعض خلاص ومستريحين مع بعض ومتطمنين لبعض، فلما أكلمها ح تتقبل كلامي ومش ح تزعل مني. إمبارح كنت متنرفزة إني ما شيلتش الغسيل في النهار فا ندّى واتبل تاني، شتمت نفسي فا قالت لي "كلمة تاني وح تنامي على الكنبة النهاردة!"فا سكتّ واحترمتني بقا بكل الشخصيات اللي جوة، اللي زهقانة جدًا وعايزة اليوم يخلص بأي طريقة ومع ذلك ما بتستريحش في النوم! أنا احترت في أمرك والله يا نفسي.

تامر بيقول لي إني قطعت شوط طويل، ولما حكيت له بمرارة إني مقداميش خيار تاني إلا الاستسلام فا انفعل كده وقال لي "لأ مش بعد كل ده!"فا ضحكت.. شارك كتير جدًا في رحلتي، الأوستاز العزيز تامر، وبشكل ما I owe it to him إني ما استسلمش خالص.. المفروض أكمّل حركة، أكمّل المشوار، أكمّل السعي وربنا بيبارك في اللي بيسعى.

وكان بيقول لي كمان إني عملت مجهود جبّار وهايل، ومش سهل أي حد يعمله. انبسطت بكلامه حبة وقت صغيرين، بعدين رجعت أتضايق تاني.

لما أصحابي بيقفلوا معايا الخط أو يسيبوني عشان أروّح/هما يروّحوا باخاف. لما باتساب لوحدي باخاف، لما الفيلم يخلص باخاف. لما باحاول أنام.. باخاف.

حسين، أو خالد أبو النجا، في فيلم "فيلا 69"كان وحيد وخايف. في أول الفيلم لما حيدر، المهندس اللي عنده في المكتب، ييجي له البيت وفجأة يتكشف قدامه ضعفه ومرضه، طرده من البيت، ومدّد على الكنبة في أوضة المكتب شوية وفي خلفية المشهد حيدر بيمشي من الفيلا. حسين كان خايف وحزين، من مرضه أو من وحدته أو من بكرة أو من أي حاجة تانية. كان خايف وبيكابر.

في آخر الفيلم نادرة أخته بتقول له إن الطباخ بتاعه/المساعد الشخصي، عبد الحميد، كلمّها وقال لها إنه مش ح يقدر يقعد مع حسين لحد ما يموت. نادرة قالت كده "لحد ما.. لحد ما تموت". حسين سكت خالص، وقال لها "بكرة أصحى ما ألاقيكيش يا نادرة، والمرة دي بجد."

في وسط الفيلم بيتوّنس بسيف حفيد نادرة، بيقعد معاه ومع أصحابه يعزف على العود، نظرته تايهة. بيعلمه يقرا شِعر ويحكيله عن تاريخ الفيلا دي، بيقول له "أنا عمري ما شفت الدور التاني"لفيلا العجمي، الدور اللي كان ساكن فيه أبوه وأمه، والفيلا اتهدّت. بيدّيله سيجارة حشيش من نوع نضيف، ويقول له ما يشربهاش في البيت، ويشخط فيه عشان يسيبه ينام.

أهو أنا حسين ده: في خوفي وعُزلتي وعصبيتي وطولة لساني، مش عايزة حدّ يقرّب مني وفي الآخر أضحك بعصبية "ما هو عشان كده محدش بيشوفني.. إنتي مقرفة، مقرفة يا نادرة، بس خليكي، ما تمشيش"وطول الوقت مستنية نادرة بتاعتي ومجاتش، بس اكتشفت إن أصحابي ممكن يكونوا "نادرات"كتار أوي. وخايفة طول الوقت، والحزن غير مبرر ولا منطقي ولا يُصرف لا بالتبريرات ولا المنطق، وعايشة في الماضي بشكل كبير.

حسين في آخر الفيلم خرج. لبس واتشيّك واستعد ينزل فا المطرة مطرّت، بحظه النحس المعتاد، ولمّا خلصت جه ينزل فا سيف وآية شبطوا فيه. سمح لسيف إنه يسوق العربية وطلع بيها برة، عدّى كوبري قصر النيل ونور الشمس وضلّ السُحب بيتغيّر على وشه اللي خرّجه من الشباك، مبتسم.

أنا مستنية قيامتي، خروجتي برة والشمس تسلّم على وشي وروحي، والقلق والعصبية والخوف والإحساس باللا انتماء لأي مكان يروحوا، أو حتى يخفّوا شوية.
.
22-2-2019

أرض الحب ليست بعيدة

$
0
0
عزيزتي:
اليوم يحتفلون باليوم العالمي للمرأة. منذ الصباح وأنا غائمة.
ينتهي اليوم. لا معنى له سوى ساعات أخرى عشناها مجبرين على أرض لا تحبنا ولا نحبها.
أنتظر أخبارًا سعيدة. لا تأتي. أهرب. أنام، أحلم بكِ. أحلم بنا كلنا. أصحو، وأكتشف دواءً جديدًا ينقذ البشرية في أحلام اليقظة، أفيق وأكمل الترجمة المملة. أحاول التلوين، فتقف غصة في حلقي. أتذكر: عدّى أسبوع. الغسيل في الغسالة ينتظر من ينشره وأنا أكره حياتي الآن.
عزيزتي:
الغياب يؤلم، الغياب يقتل. الغياب رمادي. الغياب غائم. الغياب معتم. وأنا روحي معتمة الآن.
عزيزتي:
نقول إن الحياة لا تستقيم مع البُعد أو الألم أو القهر، لكنها تمضي وتستكمل حلقاتها وقريبات تحملن ثم تلدن وإخوة يتزوجون وتنتهي امتحانات الثانوية العامة -في الواقع، وليس في كوابيسنا المستمرة- بنجاح كل الناس، ونُترك نحن -المُبَعدون والمتألمون والمقهورون- نتحسس الفجوة الملتهبة على حواف صدورنا، ونتساءل: طب وأنا؟
.
كل يوم مرأة وأنتِ طيبة.
Viewing all 362 articles
Browse latest View live