Quantcast
Channel: يرجع الصوت المسافر
Viewing all 362 articles
Browse latest View live

يا حسين..

$
0
0

على فكرة يا حسين، أنا لو كنت جارتك مثلًا أو شفتك في الحياة العادية مكنتش ح أبص لك مرتين.. إنت على السطح كده شخصية مقرفة ونكدية ولسانها طويل!
بس لو كنت عرفتك أكتر، زي ما سيف حفيد نادرة -نونّتك زي ما بتتريق!- عرفك كده، كان يمكن أحبك جدًا لدرجة إني أمسك لك شعرك وإنت بتتقايا، أو لو شعرك قصير عادي يعني كان ممكن أمسك لك المنديل اللي تمسح بيه بقك. كان ممكن عادي برضه زي ما سيف عمل، أسيبك تنام على سريري اللي هو كان سريرك في أوضتك اللي فوق، قبل ما تتعب من السلالم وتنزل تقعد في الدور اللي تحت. سيف اتخض لما لقاك نمت فجأة على السرير، ونام هو على الأرض.
أنا فكرت يا حسين إني أنزل أنام على الكنبة، ضهري واجعني مش حِمل أرض أنا. بس فكرت ليه سيف عمل كده؟ وقلت أكيد هو اتخض عليك، وقال أما ينام في نفس الأوضة يمكن تحتاج حاجة أو يقدر يعمل لك حاجة. بس إنتا جِلف عادي وقمت وسبته ومشيت.
يا حسين سيف محظوظ إنه شافك بتلعب عود. أنا بحب المقطوعة اللي بتعزفها فشخ، وشكلك حلو جدًا، حلو لدرجة الوَلَه بيك كده، وإنتا بتعزف على العود.
العود يا حسين..
تعالى أحكي لك حكاية:
أنا شغوفة بالعود من زمان، لحد ما في مرة قررت أتعلمه. أخدت قرار مجنون جدًا إني أنزل أتعلمه. ليه مجنون يا حسين؟ لأن أهلي المتشددين دينيًا شايفين تعلم المزيكا حرام، ومكنتش باشتغل ساعتها ومعيش فلوس كفاية.
نزلت أشتري عود من المكان الوحيد اللي أعرفه: خان الخليلي.
طبعًا اتضحك عليا واتنصب عليا وكل حاجة. كنا في 2010، وعندي 23 سنة بس، بس معيار النضج العقلي 15 سنة مثلًا! فكان عادي يتنصب عليا.
رحت الساقية -المكان الوحيد اللي أعرفه برضه- وسألت على دروس تعليم العود. كان مين بقا اللي بيعلم ساعتها؟ أيوة، برافو عليك: نفس المدرّب اللي درّب خالد أبو النجا في الفيلم: بلال الشيخ.
الحصص مكانتش غالية، بس اللي قطم ضهري حاجتين: المواصلات بنت الوسخة من مصر الجديدة للزمالك، وتجهّم المدرب وعصبيته.
كان عصبي جدًا معايا، خصوصًا إني جيت متأخر وهو حاطط كل الناس مع بعض: المبتدئين مع النص نص مع المحترفين. وأنا بخجلي الاجتماعي حسيت شكلي زبالة وأنا بحاول أحفظ السلم الموسيقي اللي أول مرة أشوفه في حياتي -تحياتي لميس الموسيقى في إعدادي اللي كانت بتهملنا كلنا وتمسك بنتين بس تحفظهم المزيكا اللي بيطلع عليها الطابور في الصبح.
بس جه الجزء الأصعب من ده كله: التمرين.
عشان أحفظ مكان الأوتار، وتعلم العود صعب فشخ يعني، وأحفظ السلم الموسيقي، كان لازم أتدرب في البيت، وزي ما قلت لك البيت مكان منغلق وبيئة متشددة ومكنتش باعرف أتدرب. قلت أروح الساقية بدري شوية أتدرب هناك بس مكانش بينفع طبعًا، طول عمري متأخرة على كل حاجة تقريبًا.
لما شخط فيا المدرب إن العود اللي جايباه ده للزينة مش للتدريب، وقال لي أنزل شارع محمد علي أشتري من هناك، اتخضيت جدًا جوايا لأني معرفش شارع محمد علي فين ولا أنزله لوحدي إزاي! مكانش فيه ساعتها جوجل مابس ولا كريم ولا أوبر ولا خدمة إنجزلي ولا مشاوير ولا أيييييييي حاجة.
رحت ودوّرت وحرصت إن الزمان يكون صبح، لقيت عود كويس ومش غالي، بس صاحب المحل اتحرش بيا فكريًا، يعني "فرض"عليا أفكاره اللي بتخالف أفكاري وما رديتش عليه ولا شخطت فيه ولا أي حاجة.
العود اللي اشتريته وحاسة بمرارة عظمى من الموقف، ومن إني بطلت أروح الساقية وبطلت أتدرب أو أسعى للتعلم، قابع في قلب الدولاب مستخبي ورا الهدوم الكتيرة فشخ، وزمان أوتاره دابت وارتخت واتنيلت بنيلة.
...
أنا آسفة يا حسين والله على النكد، مكنتش أعرف إن الحكاية ح تقلب نكد كده، بس أنا يعني حبيت أقولك إني منجذبة جدًا ناحية أي حد بيعرف يعزف على العود وميكونش متكبر ولا أي حاجة. في أي حفلة رحتها -وهما قليلين فشخ- كنت أسيب الناس كلها وأركز مع العوّاد جدًا لدرجة إني ممكن أعيط عادي في أغنية مبهجة، ما عدا حفلة "فرقة الشارع"اللي ركزت فيها تمامًا مع عازف البيانو "يوسف الشريعي"لأن أخويا الصغير كان قاعد معايا وكان مبهور بيه فشخ، وأنا اللي أصريت إنه يروح يسلّم عليه بما إنه كان مكسوف وكده.
...
دلوأتي يا حسين فيه مشكلة سخيفة جدًا وتقريبًا ملهاش حل في أوتار إيديا الاتنين خصوصًا اليمين، ما بعرفش أحركها كويس ولا أشيل أي حاجة تقيلة، وفي أيام كده مبعرفش أشتغل خالص كون إن شغلي على الكيبورد تحديدًا. مش ح أعرف بقا أمسك الريشة وألوي معصمي عشان أجيب الدو أو الري أو الصول. بس لسه بحب العود جدًا، ولما بلاقي له فيديو أو حفلة في التلفزيون لازم أتنح قدامه مهما كانت دوشة الآلات التانية مغطية على صوته.
...
أفتكر في حفلة ما مش فاكرة عنها أي تفاصيل، إن العوّاد كان شاب صغير ولابس إسود في إسود، وأنا كنت قاعدة قدام، قبل ما تتشهر الساقية وتبقى حفلاتها غالية ودوشة ومش منظمة كده. فضلت مركزة معاه وهو بيعزف بتركيز فشيخ وباصص للعود، وبعدين رفع راسه وبص لي. فضلنا باصين لبعض كتير جدًا وهو شبه مبتسم ولسه بيعزف، وأنا صوت ضربات قلبي عِلي جدًا لدرجة إن الناس في الشارع عملت مظاهرة للمطالبة بإيقاف الإزعاج، وخلصت الحفلة وكان نفسي أسلّم عليه بس كالعادة كتمت أمنيتي وروّحت.
...
"عايزين تسمعوا حاجة عِدلة؟"
على بلد المحبوب ودّيني.. يا حسين :))
https://soundcloud.com/azizcloud/villa69



في حب مصطفى القادم من مجرّة تضم الطيبين جدًا في هذا العالم :)

$
0
0
فيه ولد فشيخ في حلاوته، اسمه مصطفى سليمان. أنا اتعرفت عليه من مدونته على تمبلر، بس مش ح أحكي القصة كلها دلوأتي، خليها في وقت آخر.
..
السنة اللي فاتت، مرّ عليا وقت صعب جدًا وقذر كده، وكان هو جنبي فيه، مع 3 صديقات تانيين. كنا بنتكلم في التليفون كتير، وبعد كده قطعت معاه شوية ومع كل الناس.
بعت له ايميل بعد كده، قلت له إني زعلانة من ربنا.
بعت لي إيميل شديد العذوبة والجمال، قال فيه كلام كتير أوي، ومن ضمنه "اتمني تكوني بخير وبصحة وسلامة ، اتمني كمان العالم يصالحك كمان وكمان ـ ازعلي من ربنا وقولي ليه ـ معتقدش ان ربنا بيتضايق من دا ف قولي وقولي وقولي يعني."
مصطفى أول واحد يقول لي إني عادي لو زعلت من ربنا، وعادي إني لما أزعل منه أقول له "يارب أنا زعلانة منك عشان كذا وكذا ومستنياك تصالحني"لأن ده معناه إن فيه بينا عشم، والعشم شيء جميل، يدل على المحبة.
..
مصطفى دايمًا بيحسسني إن الكون مش ضيق زي ما أنا متعودة على إني أشوفه. دايمًا مع مصطفى فيه براح في كل القضايا أنا مكنتش شايفاه قبل كده، براح يساعني ويبقى حنيّن عليا وعلى المتضايقين والغلابة زينا كده.
عند مصطفى نظريات غريبة لتفسير كل حاجة، مش فاكرة منها حاجات كتير، بس كان مثلًا مؤمن إن الرغي الكتير والحكايات بتخليني أنام. السنة اللي فاتت برضه -2016 كانت أوسخ سنة عدت عليا، وتقريبًا 2017 بتنافسها في الوساخة- عدّى عليا وقت مكنتش بانام فيه كويس، باخد المنوّم آه بس مكنتش بانام، باقعد بالتلات ساعات متنحة في اللاشيء ونفسي أنام جدًا بس ما بانامش.
كنت باتصل بيه وهو بكل ترحيب كان بيرغي معايا. كان بيقول ايه؟ مش فاكرة خالص! ولما كلمته قريب، قال لي إنه برضه مش فاكر! بس اللي فاكراه، إنه لما يلاقيني سكتّ وباتكلم بصوت غريب كده يقول لي "آآآه، إنتي نمتي خالص!"أقول له لأ أنا صاحية أهو، يقول لي طيب ح أحكي لك حكاية. اختاري أي كلمة.
اخترت مرة السلحفة، وهو اخترع لي حكاية مش فاكرة منها حاجة غير "ومن هنا جات التسمية بتاعت "حضن سلاحف عملاق""وصوته كان فشيخ في حلاوته جدًا فعلاً يعني :))
كنت بانام بعدها كويس أوي، وأفضل نايمة للضهر مثلًا، وأصحى متضايقة عادي، بس لما أفتكر مكالمة امبارح كنت بابتسم.
فضلنا كده حبة لحد ما الدنيا جرفتنا عادي للأحزان القاسية اللي بتطحن في عضمنا وإحنا أحياء.
...
طِلع بعدها إن عدم استجابة عقلي للمنومات كان بسبب نقص الكالسيوم اللي راجع لنقص شديد في فيتامين دال. آه صحيح، ده معاد الحقنة جِه! أتمنى ما أنساش آخدها المرة دي كمان.
...
خلينا نستفسر عن أروق الينابيع يا مصطفى :))
وخلينا لما نضيع ما ننتهيش فجأة.*
...
التدوينة دي في حب الولد العسول فشخ، واللي لما باشوفه -وهو قليل جدًا لأنه من محافظة تانية- بيبقى قاعد مكسوف جدًا، ويقعد يقول "وايه كمان؟"لما باتكلم عن أي حاجة، وساعتها آخد بالي إنه مش مركز معايا فأقوم أشخط فيه فيدافع عن نفسه! مبهدلاك أنا معايا يا مصطفى :D
...
لا ينبغي للطيبين أن يحتجبوا عن العالم يا مصطفى، لأنهم يملؤون قلبي بالطمأنينة، ويمسّون قلبي باليقين، بأننا على صواب على قلة عددنا.. يا مصطفى :)) **
_____________________
* بيتين الشِعر من قصيدة "أول الفراشات"لعُمر مصطفى، ديوان أسباب وجيهة للفرح.
** الاقتباس الأخير من مدونة "مثل سيرة ذاتية"لصاحبها أحمد أبو الفضل.

صباح كهذا

$
0
0
أنا ليه النهاردة حلمت بيك؟
الحقيقة هو مش النهاردة بس، بقالي فترة باحلم بيك كتير. صحيح باحلم ببقية الناس اللي حبيتها، وأصحى ألاقيهم جنبي يبصوا لي بتعاطف كبير ومادين لي دراعاتهم عشان أريح راسي عليها، لكن... أنا ليه حلمت بيك النهاردة؟
حلمت إنك بتتصل بيا من نمرتك القديمة، اللي لما بصيت لها افتكرتها على طول، حتى حاولت أسمعها في الحلم! أنا اللي ذاكرتي خرا، افتكرت أول شطر من النمرة!
من ييجي أكتر من عشر سنين.
أول ما رديت عليك قلت لك ايه فيه ايه؟ واتخضيت. قلت لي خبر وحش. قلت لك طيب أنا جاية لك حالا.
وقفنا في المطبخ نعمل قهوة، وبلا صوت حضنتنك، بس كده خلاص.
صحيت ناقصة حضن، كالعادة.
...
صبحت على حسين في الصورة، وقلت له ينفع كده؟ فا شخر لي الحقيقة، متربي أوي حسين ده!
كان نفسي أنزل خان الخليلي النهاردة، بس كل اللي مغايا 150 جنيه والدنيا حر فشخ، والحساسية مانعاني أتنفس كويس.
بس برضه: صباح الخير يا حسين.
صباح الخير يا روز :)))

وفينَك؟

$
0
0
ملعون أبويا والله العظيم
باطلب الناس إني أشوفها ما بيجوش. قبل بس ما حدّ يتهمني بالعلوقية: أنا مش مجرد باكتب بوست على الفيس بوك وأقول فيه يالا قابلوني يقوم محدش يرد عليا، لأ، أنا باروح لنفر نفر وأبعت له رسالة على الفيس بوك أو الواتساب أو حتى على الموبايل العادي، وأطلب مقابلتهم. نفر نفر.
وأنا أعرف أنفار كتيرة، كتيرة فشخ، بس لسبب ما، ولا حد فيهم موجود وقت ما أحتاجه، إلا قليلين فشخ، ودولت في مناسبة أو مناسبتين، لكن مش موجودين في أغلب الوقت اللي باحتاج لهم فيه.
أنا امبارح كتمت عياطي لوحدي في الحمام عشان كان نفسي أكلم حد عن الثورة كما أتذكرها وما تركته من أثر فيا بس مش لاقية.
بابعت لناس: فاضيين دلوأتي؟ يطلع لا والله مش فاضيين. طب ممكن تتصلوا بيا لما تفضوا؟ حاضر من عينيا. وواضح إن  عينيهم ما بتفكرهمش يتصلوا بيا.
محدش بيرجع يتصل بيا تاني بعدها محدش بيبقى عايز يقابلني محدش فاضي لي محدش عنده سِعة نفسية ليا.
فيه بنات لما باكون رايقة باقول لهم تعالوا ح نتفرج على فيلم تعالوا ح نلعب بالأدوات الفنية نعمل أي أشكال تعالوا حتى ح نعمل عرض أزياء ونضحك للصبح.
طيب ح نحدد معاد ونكلمك. 
ولاااااااااا الهوا.. 
ايه يا جماعة هو أنا ريحتي معفنة للدرجة دي؟
تعالي نتقابل. لا والله أصل العيال مغلبني. سوري بس ميتين أبو أم العيال وميتين أبو أم الخِلفة وميتين أبو أم الجواز وميتين أبو أم الاكتئاب، وعشان ما تقولوهاش: ميتين أبو أمي أنا شخصيًا.
تقريبًا أغلب اللي أعرفهم عندهم أطفال وكلهم عندهم اكتئاب. مفيش ولا واحدة من صاحباتي فرحانة بعيالها فرحة تخليها تنسى اكتئابها، كلهن مكتئبات كلهن طالع دينهن كلهن معهمش فلوس يتعالجوا.
طب وأنا؟
أتحرق أنا وتتحرق احتياجاتي وتتحرق مشاعري أكتر ما هي محروقة.
....
يارب ليه خلقتني بالغلطة دي؟ ليه خلقتني باحتاج للناس وباحتاج أحكي لهم وباحتاج أقول لهم كذا وكذا واجعني ويقولوا لي معلش؟ ليه باحتاج للمسة إيد أو حضن، طول الوقت، وطول الوقت مش موجودين؟
ليه اللعنة دي؟
يعني فيه ناس اتلعنت وبقيت سيزيف أو بقيت برسيوس أو بقيت أوديسا أو بقيت حتى كاوتش مخروم لعجلة ما بتتصلحش أبدًا.. طب يا رب أنا عملت ايه والنبي عشان أبقى محتاجة لميتين أم الناس وما ألاقيهمش؟
فيه عباقرة بيقترحوا إني أربي قطة ولا كلب ولا حتى هامستر وح يديني حب وحنان مش موجود عند البني آدمين.
طيب بغض النظر إني باقرف من الحيوانات فشخ، يعني هو حضن الهامستر والمعلش بتاعته ح تنسيني بقا إن صدري فيه كلكيعة بتوجعني فشخ ومش لاقية حد يقول لي معلش ومعيش فلوس أدفع السونار ومعيش فلوس أجيب صدريات جديدة مريحة أكتر؟
فيه عباقرة تانيين بيقترحوا الحشيش. طيب لما أفوق منه وألاقي إن لسه ميتين أم المشاكل ما اتحلتش، ساعتها ح انبسط أنا بقا؟
ليه يا رب خلقت لي أم شخطت فيا لما لقيتني رحت لدكتورة نسا تانية وقالت لي "تروحي من ورايا"كإن جسمي ملكها مش ملكي؟ ليه يارب مخلتهاش تقول لي معلش؟ ليه خليتها تقول لي "ما من السِمنة"الكلمة القميئة الكريهة بنت الوسخة، اللي مش مفارقاها تعليقًا على جسمي في الرايحة وفي الجاية، رحت اندفعت فيها وقلت لها لأ دي تغيرات هرمونية عادية بتحصل لكل الستات راحت متمسكة برأيها؟ ولما أقول لها معلش من الناحية الطبية إنتي ما بتفهميش حاجة تروح يا عيني زعلانة وواخدة على خاطرها؟ وخاطري أنا يروح في الزبالة يعني؟؟
...
ليه باحتاج للناس؟
ليه الكوكب عليه 7 مليار بني آدم ملهمش لازمة لما أحتاج لحد فيهم يروح معايا للدكتور أو يمسك إيدي لما آجي أعمل السونار أو لما ييجوا ياخدوا مني عينة دم؟
ليه مش لاقية حد أقعد أضحك معاه على إن "والله كل الدكاترة قالوا لي سافري اطلعي برة البلد دي وصحتك ح تتحسن"؟
ليه أنام كل ليلة، كل ليلة والله، نفسي حد يحضنّي من ضهري وأقوم تانية ركبي في وضع الجنين، الكلمة المقيتة القميئة دي اللي بتدل على الضعف، وركبي توجعني فشخ وما أقدرش أفردها؟ ليه كل ليلة بيبقى نفسي حد يحضنّي فشخ وما بلاقيش؟
ليه كل يوم صبح، وأنا في هلاوس ما بين الصحيان والنوم، ييجي لي حد أعرفه أو ما أعرفوش يقوم يحضن راسي في صدره بدون كلام، وأنا أقوم أدفس وشي في المخدة أكتر متخيلة إن ده صدره؟ ليه؟
....
ليه بانفعل وباعزق من نفسي ومن عواطفي وكل حاجة، لما أصحابي اللي باهتم لهم فشخ، يتعبوا، أروح أفضل أشرح لهم ممكن يعملوا ايه ويالا نروح لدكتور ويالا نحلل ويالا ناخد الدوا، وميعملوش ولاااااااااا حاجة من دول، وأنا أتعب وأتهد من الخوف والقلق وفي الآخر الاكتئاب يهدنا كلنا؟
ليه الاتهام بالعلوقية أسهل من محاولة تفهّم إن اللي قدامك ده مكتئب فشخ لدرجة إنه مش شايف إن فيه فايدة لميتين أم الدكاترة وميتين أم العلاج وميتين أم الأدوية؟
وليه أنا.. ليه أنا ياربي، أنا اللي عندي اكتئاب مزمن مقاوم للدواء، أنا اللي باسند الناس وأنا اللي بالاقي لهم حلول، وأنا اللي باديهم الأمل؟
ليه يارب ليه؟
ليه محدش بيعمل كده معايا، وطول الوقت؟
ليه محدش ييجي يحضنّي طيب ليه؟
كسمي والله.. يارب احرقني.. مش يارب احرق العالم مش يارب ازرع الطيبة في قلوبهم مش يارب اقتل الراجل ده وخلينا نورث فلوسه بدل ما إحنا بنشحت وبنبيع في عفشنا كده، لأ، مش يارب اشفيني لأنه واضح إنه كبير عليك
يارب اقتلني.
شكرا يا رب على ميتين أبو أم الخزوقة
أنا باكرهك

اشتقتلََكَ..

$
0
0


عزيزي خالد أبو النجا:
تحية طيبة
أما بعد:
حلمت بيك النهاردة الصبح. كنت باكلمك في التليفون عشان تيجي المعسكر اللي إحنا مصيفين فيه، وإنتا رديت عليا وصوتك معيط جدًا. اتخضيت وقلت لك إنتا بتعيط ليه؟ قلت لي أما آجي ح تعرفي، وصحيت. وأنا بحاول أفوق اكتشفت إن اللي كان في الحلم مش إنتا، بل صاحبي اللي، يعني، مبقيناش مقربين أوي من بعض يعني.. هزيت دماغي عشان أحاول أفوق لأن كان لازم أدخل الحمام حالًا، حالًا، لدرجة إن عندي مغص قوي لكن دماغي مدروخة مش قادرة أفوق.
المهم، بعد ما فطرت وفتحت التلفزيون بانتظار إحساس التعاسة الطاغي إنه يمشي، لقيت لك فيلم على روتانا سينما! لو كنت زمان كنت قلت إن دي "علامة"أو تساءلت في حيرة "هو ربنا عايز يقول لي اييييييييييه؟"مع إن والله مش ربنا اللي كاتب برنامج روتانا سينما! وإنها مجرد صدف مش أكتر.
قعدت أتأمل في ملامحك وإنتا بتحاول تصوّر واجهات شارع الكوربة، التمويجة اللي في شعرك من قدام، تجعيدة صغيرة تحت عينك. تساءلت "كان عندك كام سنة ساعتها؟"متهيألي كان آخر التلاتينات، صح؟
إحساسك ايه وإنتا في آخر التلاتينات وبتعمل فيلم عن مكان جميل جدًا عشان عندك خوف أصيل وحقيقي ويمكن يتحقق كمان، إن المكان يتهدّ كمان شوية عشان مستثمرين أيًا كانت جنسيتهم يبنوا مكانه أبراج؟ إحساسك ايه وإنتا عارف إنك بتصوّر الواجهة بتاعت شارع بغداد، اللي ح تفضل زي ما هيا عشان هيا "الواجهة"، بينما الشوارع من جوه مليانة فيلل جميلة جدًا وبتتهد جدًا بشكل يثير التشكيك في القوى العقلية للي بيهدّها؟
كان فيه لحظة ارتباك جميلة أوي وإنتا بتسأل الناس عشان تصوّر معاهم: المكوجي وصاحب مخبز فينوس. على فكرة أنا بحب مخبز فينوس فشخ يعني، لأن زمان جدًا، يعني من حوالي 10 سنين أو أكتر، كانت ماما بتاخدنا عشان نروح وادي حوف عند قرايب بابا، ووادي حوف دي قريبة من حلوان. كانت بتاخدنا في عربيتها الـ127 المهكّعة فشخ، وتتهادى بينا -تتهادى فعليًا لأن العربية دي بتتصلح أكتر ما بتتركب!- لحد محطة مترو سراي القبة، حيث مرآب العربيات وعمّ فلان اللي ح ياخد باله منها مقابل 5 جنيه مثلًا -ودي كانت ثروة زمان، آه والله! كنا نروح من العصر مثلًا أو الضهر، يعني من أول اليوم، ونركن العربية ونركب المترو، حوالي 20 محطة، ونوصل لحد وادي حوف، نقعد مع عماتي وولاد عمي وعماتي وكل العيلة الممتدة دي، ناكل ونشرب ونتخانق أكتر من أي شيء، وندافع عن نفسنا لأننا دايمًا متهمين الله أعلم بايه.. المهم، نيجي على 11 ونص بالليل وخلاص بنفيّص، ماما تقول يالا عشان المترو ح يقفل. يمسكوا فينا نقعد وإحنا نقول لهم معلش شقتنا مش متوضبة، والحقيقة إن احتمال يوم آخر من نفس اللوم والتأنيب والحلفان على الأكل لدرجة التفطيس كان ح يبقى فيه نهايتنا يعني!
نركب المترو، نوصل سراي القبة 1 بالليل مثلًا، نركب العربية ونعزّم عليها تقوم فا تقوم بكل طيبة وجدعنة، نسلّم على عمّ فلان وننطلق في شوارع مصر الجديدة.
أعتقد من هنا جه حبي لمصر الجديدة: أنا أصلًا ساكنة في مدينة نصر، ونزولي -وأنا صغيرة- لمصر الجديدة كان محدود جدًا. بس تخيّل إنك بتشوف الشوارع في أحسن حالاتها: من غير ناس! الساعة 2 بالليل، مفيش ناس خالص، حاسس بأمان لأن معاك ماما وبالتالي محدش ح يزعق لك لما تروّح وش الفجر، الشوارع الكبيرة بتتنضف بالمية! متخيل؟ أنا عشت وشفت الشوارع بتتكنس وتتمسح بالعربيات الكبيرة اللي فيها فرشة عملاقة مدوّرة تقعد تغسل الشارع! معرفش دلوأتي فيه الموضوع ده وللا لأ، لأننا بطلنا كل الطقوس دي، وليتس فيس إت: محتاجين عربية جديدة..
المهم، كنا بنعدّي على مخبز فينوس. 
كنا نلاقيه فاتح، سبحان الله كان بيفتح لحد بالليل متأخر معرفش ليه، كون إنه أصلًا محتاج يفتح الصبح بدري عشان فطار الولاد وساندوتشات المدارس إلخ. كانت ماما تنزل -أو حد من إخواتي ينزلوا- نجيب عيش فينو "سخن ملهلب"زي ما ماما بتقول، وأحيان قليلة جدًا كنا نجيب أي نوع تاني من المخبوزات المصرية، زي المنين أبو عجوة أو البوريك أبو جبنة وحبة البركة، وحاشا لله نجيب مخبوزات فرنسية زي الكرواسون أو الباتيه لا سمح الله!
المهم كان الفينو جميل فشخ.. فشخ يعني، كنا ناكله حاف تمامًا لأن مفيش ولا سوبرماركت فاتح، بس كان طعمه شديد الحلاوة وكان وجبة مشبعة فعلًا :))
دلوقتي مفيش أي عيش فينو طعمه حلو، تقريبًا القديم كان بيخبزوه بالسكر واللبن، والجديد لأ، بقا طعمه زي الخرا الحمد لله خصوصًا إن الفرن القريب مننا مبقاش بيخبز بالزبدة، بل بيحط زيت كده مش حلو مخلّي العيش طعمه بقسماط مزيّت!
..
إحنا بطّلنا نركب المترو، وبطلنا نركن العربية عند جراج سراي القبة، ومتهيألي الجراج نفسه اتقفل أو اتعمل سوق، أي حاجة تكسّب أكتر من العربيات اللي راكنة. بطّلنا نشوف عيلة بابا لأن الحقيقة المرارة بقيت طافحة وكفاية لحد كده، بس المحزن: إننا بطلنا ناكل من فينوس، ومبقيناش نروح مصر الجديدة خالص.
...
بس أنا بروحها يا خالد :))
السنة قبل اللي فاتت، يعني 2015، كان فيه صديق ليا عزيز عليا أوي. كان ساكن هناك وأنا مبحبش مدينة نصر أوي فكنا نتقابل في كافيهات شارع بغداد. هيا مرة واحدة بس: قلت له والنبي كفاية قعدة عشان رجليا خللت، وتعالى نتمشى. ساعتها مكانش نقص فيتامين دال وصل لمرحلته المرعبة الحالية، وضهري ممكن يستحمل التمشية مع القليل من الراحة من وقت للتاني.
مشينا في الشوارع الجانبية لشارع بغداد، شفنا الحراسات والنظرات المتشككة لناس لابسين عادي بس وشهم بيدلّ على إنهم مخبرين فشخ، أكتر مما كان مسكتهم لجرايد ولبسهم لنضارات شمس بالليل ماكانت ح تدلّ!
شفنا عمارات قبيحة، وأبراج عالية جدًا وشكلها وحش. شفنا مدرسة بس الحمد لله كنا العصر فكانت قافلة، كان حواليها سور عالي، بس كمان شفنا فيلل وأحواض زرع وكنيسة الناس حواليها متشككين، معرفناش نقف جنبها.
بس كل ده ما همناش، قعدنا نرغي كتير فشخ، أو هو اللي قعد يرغي لأنه بيحب ياكل وداني لدرجة إن ذرات الهوا بتقول له كفاية موجات صوتية ارحمنا :D
ساعتها، ولأول مرة في حياتي كلها تقريبًا -وأنا عندي 28 سنة وشحطة كده- طلبت منه إني أعلق دراعي في تنية دراعه، ووافق.
.
كان الرغي اللي قبل اللقطة دي كوم، وبعدها كوم تاني خالص: بعدها بقا أكثر ضحكًا، كان بيحكي لي كالعادة على مواقف حصلت له، بس اختار لا شعوريًا - أو هيا مجرد صدفة - إنه يحكي لي عن غباء مذيعة التلفزيون الرسمي في الحوار الوحيد اللي اتعمل معاه!
كانت أول مرة أشوفه بيضحك على فكرة، وعينيه نوّرت، فعلًا :))
.
ما اتقابلناش بعد كده يا خالد، وكل واحد راح في سكّة بقا، بس كلينا: ازداد اكتئابًا.
...
صباح الخير يا خالد، وصباح الولاد الحلوة، والجمال اللي مستخبي في أي حتة وإحنا مش قادرين نشوفه.
..
13-9-2017


وإنتا معايا..

$
0
0

كنت مروّحة من كورس مع الدكتورة اللي كانت بتديهولنا، في عربيتها، وعدينا من قدام طريق النصر. كان فيه مظاهرة صغيرة جدًا من مجموعة من الأفراد اللي واقفين متفرقين، وقت ما كان التظاهر آمن نسبيًا. تعرّفت فيهم على أصحابي، فا تحمست جدًا وقلت للدكتورة توقف وتنزلني.
نزلت، اشتركت معاهم شوية، تحمسنا، بعد كده هبط الحماس فجأة بنزول الليل، وخلاص بقا كفاية كده نروّح بيوتنا.
روّحت مكتئبة أكتر من الأول، رغم إني أصلًا قافلة تمامًا من أي شيء ليه علاقة بالناس وبإني أشوفهم، بس لما نزلت من العربية -وكان ممكن أوصل لحد البيت بكل راحة وشياكة- كان عندي أمل، أو مآرب أخرى كما يحلو للبعض تسميتها.
...
في أغلب المسيرات اللي حضرتها مع أصدقائي الجدد اللي اكتسبتهم بعد 2011، كنت يا إما باقضيها ضحك وتهريج وتسخيف في أحيان كتيرة، خاصة لما يكون معايا صديقة بتشجع على الهزار، وفيه ولاد كتيرة أمورين فشخ which was pretty much the case :D
ساعتها باتحوّل للمهرج اللي بيتريق على الشعارات اللي بنغنيها -بالإنجليزية "الهتاف"اسمه "Chanting"ودي كلمة بتشير برضه للغناء في أثناء الصلوات الهندية أو المسيحية- وأبص بطرف عيني أشوف مين بيضحك أو بيبتسم معايا، فأقوم أزوّد لحد ما صاحبتي تقول لي ما معناه "ما كفاية بقا يا وحش"فا أبطّل، رحمة باللي حواليا..
...
مع ناس تانية، كان فيه إحساس بالجدية قوي فشخ، إحساس بالصرامة والحزم، مكنتش باقدر أستحمله، كنت بامشي ورا أو في آخر مجموعة الصِحاب دولت. كنت بانبسط جدًا معاهم، كانوا منظمين، كل واحد ليه مهمة محددة، وأنا كنت من "الجموع Masses"اللي هما "ملح الأرض" :D أو الناس اللي بتكتّر العدد، مكانش ليا عمل غير إني أفضل ماشية وأغني/أهتف. كنت باسكت من الزهق وأبص حواليا: فلان وفلان ماشيين ورانا -مجموعة البنات- كنوع من الحماية الأخوية، كنت أدور حوالين نفسي عشان أسلم عليهم أو أبتسم لهم وأرجع تاني أبص لقدام، لو جاع بعض منا -أو كلنا- كانت مجموعة صغيرة بتنفصل -مصحوبة بأولاد برضه- لشراء البسكويت والمولتو والشوكولاتة والمية، مع مراعاة عدم الإكثار من السوايل عشان مسألة الحمَّام كما يعرف الجميع -تحولنا كلنا لسام كولبي فجأة :D - وترجع للجموع تاني. كنا بنتبادل حمل الأعلام مع إن إيدي كانت بتوجعني جدًا، بس كنت باحب أشيله لمدة ثانيتين مثلًا وأديه لآخرين يبصوا لي باندهاش ثم بضحك على "البنات المفستكة اللي واخدينها معانا"ثم يلموا نفسهم لما أزغر لهم، ونضحك كلنا، وهكذا.
...
بعد ذلك التاريخ بفترة طويلة جدًا، وبعد انقطاع المسيرات وتضييق الخناق على كل مظاهر الحياة بشكل أو بآخر، اكتشفت إني مكنتش باروح المظاهرات والمسيرات أو الوقفات بنية صافية مية في المية، لأجل الدنيا تتظبط أو الأحوال تتصلح أو نحصل على حقوقنا السياسية، لأ، النية كانت مخلوطة بشيء خفي كنت أخجل من الإفصاح عنه: الصُحبة.
كان شيء في منتهى الجمال والخفة، شيء يشبه تذوّق غزل البنات لأول مرة، إني أكون متحاوطة بناس زيي تمام: ليهم نفس الأحلام والطموحات، ناس أعرفها وغيرهم ما أعرفهمش، كلهم عايزين نفس الحاجة تقريبًا، كلهم مجانين شاردين عن الجموع اللي وافقت على المطاطية والخنوع والصبّ في مصلحتهم، مدفوعين بجنون قوي يدفعنا للسير والغناء والهتاف والزعيق والجري والرقص والضحك، ولو أتاح لنا الزمن شوية براح، كنا قضينا بقية الليالي بنشوي حوالين نار مرتجلة ونغني ونستنى الشاي يغلي على الركوة، رويدًا رويدًا وعلى مهل، ونرقص كمان.
...
الإحساس بالصُحبة وإن الجمال ليه ناس مؤمنة بيه، وإن الجنون مش وحش لو معانا ناس تانية متجننة، كل ده كان في منتهى العذوبة.. لكنه اختفى بالضبط كاختفاء غزل البنات مباشرة بعد قضمه.
...
يمكن أكتر ما يجلب الحزن لقلبي، مش بس إننا متضيّق علينا فشخ، وإننا مش عارفين ننطق ولا نتكلم، ومش عارفين نعمل أي حاجة، ده طبعًا إلى جانب وجع القلب المصفي على المصايب التانية.. أكتر حاجة هو افتقادي الشنيع لإحساس الصُحبة والجنان سوا، والإيمان بقوة بحاجات، والضحك برضه.
...
كان مينا دانيال الله يرحمه بيقول جملة تساؤلية جميلة: "ليه الثورة جميلة وحلوة، وإنتا معايا..؟"
الله يرحمه ويرحمنا ويرحم كل أرواحنا ويهّجرنا من البلد دي على خير، آمين.
23-9-201

ماذا يفعل الحالمون سوى أن يحلموا، مثلًا؟

$
0
0
انحشر محمود عبد العزيز ومريد وتميم في حلمي، لكني لم استغرب.
أصلًا كانت جدتي، رحمها الله، قد خرجت بنا إلى الشارع وعزمتنا على فطير مشلتت. نفد منا العسل فقالت أن نحضر الحلاوة الطحينية، فلا يمكن تناول الفطير بلا شيء مسكّر. طلع محمود برأسه من مخبئه، فعزمنا عليه جميعًا أن ينضم إلينا.
قلت لأمي إن الجو شبه غائم اليوم، والناس إجازة وهذا شيء ممتع، فالشوارع خالية. تطلعت أمي إليّ بخبث، وقالت "ألا تعرفين أي يوم نحن؟"فنظرت إليها بحيرة، ثم تجهمت: اليوم 25 يناير.
نظرتُ حولي وقلت أين الناس؟ لماذا لم يخرجوا؟ ثم صمتّ تمامًا لأنها ستسألني "ولماذا لم تخرجي أنتِ؟"وتمددتُ على الأرض بجوار طبق الفطير. فجأة، وجدتُ الناس قادمين نحونا، ومرّوا بجوارنا، لأننا كنا في منتصف الطريق، كما قلت.
أخذت أشير لهم بإبهامي وبقية أصابعي مضمومة، علامة الاستحسان، فكانوا يتطلعون إليّ ولا يرونني. فجأة قالت أمي إن علينا أن نجلب المؤن.
هرعت للبقالة القريبة، وأخذت أشياء كثيرة بلا مقابل ماديّ تقريبًا. دخل أناس كثيرون للبقالة وكانوا يشترون الكبريت -كان المشط بجنيه ونصف- والأقلام والكرّاسات، ويتبادلون الأخبار همسًا. كنت قلقة، أنتظر أن يجهّز لي الولدان صاحبا البقالة طلباتي، بينما الناس متجمهرون خلف السور العالي جدًا المقام في منتصف الشارع، ليحمي "الشرفاء"من "الغوغاء"، اللي هما نحن يعني.
كان الكلّ ينظر للأمام، متوقعين الضربة في أي وقت، وأنا شعرتُ بخطر داهم فجأة، فنظرت للخلف، ووجدت رأسًا بخوذة سوداء، تحاول ألا تظهر من خلف السور الذي وراءنا، فصحتُ "أحا".
جريت ناحية المنزل الذي كان بجوار البقالة بالضبط، جئتُ بحقيبة شبكية -كانوا يستعملونها في داونتن آبي لحفظ المؤن- ووضعت فيها طعامًا وخبزًا كان طازجًا، وشمعًا كثيرًا -فأنا أحمل كبريتًا في جيبي- وزجاجات مياه، ولم أستطع حمل أكثر من ذلك، وتوجهت ناحية المخبأ الذي يختفي فيه محمود عبد العزيز.
كنا أنا وأمي وجدتي وأختي وأخي الصغير. لسبب ما، لم يتحدث أحدهم بأي كلمة، وكنت أنا من تتولى المراقبة من الباب الذي يخفيه باب آخر يقود لشرفة مطعم مهجور.
حُوصر شارعنا لمدة ثلاثة أيام، قطعوا عنه الماء والكهرباء. كنا نعيش تحت الشمع وباقتصاد مريع للماء، وباتت رائحة الحمّام فظيعة جدًا.
في عشية اليوم الأول، سمعنا طرقات ملّحة على الباب. جلبت السلم وطلعت بهدوء شديد لأرى من النافذة التي تعلو الباب، وجدت رأسًا به شعر أسود كثيف وطويل، بجواره رأس آخر عليه شعر قصير ورمادي، فعرفت على الفور أنهما مريد وتميم البرغوتي.
فتحت الباب فدخلوا على الفور: مريد ثم تميم، فسألتهما بلهفة "رضوى فين؟ سبتوها..."وقطعت كلامي لأني تذكرت: حتى في الحلم، كانت رضوى عاشور قد ماتت.
اعتذرت فقال تميم بسرعة ألا بأس وأين الحمّام؟ بينما نظر لي مريد بحدّة ولم يتكلم. سيظل طوال حلمي صامتًا وينظر لي بحدة.
دخل بعدهما سامية وعمرو وابنتهما فاطمة، ثم منى سيف. كانت منى في حالة فظيعة، وجهها ملطخ بالأسود وشعرها متناثر ولا تتكلم تقريبًا. غسلت لها وجهها بالماء القليل الذي لدينا، ومسحت لها نظارتها -لا أعرف هل ترتدي نظارة في الحقيقة أم لا، لكنها كانت تفعل في حلمي- واحتضنت رأسها وقلت لها أن تنام.
استمر الحصار ثلاثة أيام. في فجر اليوم الرابع، استيقظت بغتة فسمعت صوت الماء في الصنبور الذي تركناه مفتوحًا. نهضت بسرعة وشدّيت السيفون ونظفت الحمّام جيدًا، وأعدت ملء الزجاجات الفارغة، ثم اتجهت للمطبخ وغسلت كل الأطباق رغم ألم ظهري الشديد، ومسحت الأرضية التي كانت سوداء تمامًا.
لم أسمع صوتًا بالخارج، لكنني تجرأت واعتليت السلم واتجهت للنافذة العالية جدًا، الوحيدة في المخبأ، ورأيت أشعة الشمس تدخل من خلالها بقوة، ففتحتها وجاء الهواء باردًا، حينها علمت أنهم قد رحلوا، وأننا قد صرنا أحرارًا.
12-10-2017

عزيزي ربنا: هل من مخرج؟

$
0
0
أتطلّع لسقف الحمّام، أقول "عزيزي ربنا، ازيك؟"فأسمع الردّ في عقلي "الحمد لله"وأضحك بشدة. كيف يردّ ربنا إنه "الحمد لله"؟ وأسأل نفسي "يعني أنا اللي ح أسأله إزيك؟"
لا أريد الخروج من الحمّام. أتذكر صباحًا أنني لم أرد النهوض من الفراش، لم أرد القيام مطلقًا. نهضت بعدها في الثانية ظهرًا فقط لأدخل الحمّام. انطبق صدري ثانية فتذكرت أنني تأخرت في ميعاد البخاخة ذات المضمضة: آخذ نَفسًا وأتمضمض.
منذ عدة أيام ذهبت للبلكونة ونظرت للغسيل. لم أرد جمعه ولا العودة للغرفة، فقط تطلعت للسماء وسألت "إنتا عارف، مش كده؟"وشعرت بتعب هائل، إرهاق شنيع يسيطر عليّ، لم أستطع تفاديه ولا تجاهله. بكيت قليلًا ثم تمالكت نفسي. منذ فترة وأنا أتمنى بشدة لو استطعت البكاء بحرارة لإخراج كل ما بقلبي، لكنني لم أستطع، لم أعد أستطيع.
توقفت عن التعاطف مع كل الناس وكل الأشياء وكل القضايا، ملعون أبو الخاص على العام. ولد واحد يشغل تفكيري، وحتى هذا الأمر، انطرح جانبًا لمؤخرة عقلي وظلّ حاضرًا في ذهني بقوة ألمي وإرهاقي وتعبي المستمرين بلا توقف. حتى الحنين لأشياء وأشخاص، توقفت عن الشعور به وأصبح كطعم الدم الصدئ في الحلق، لا يذهب لكن يمكن تجاهله.
لا أعرف متى يتوقف الإرهاق عن مطاردتي. أخشى الذهاب لأطباء جدد، اعتذرت عن ميعادين الأسبوع الماضي مع أطبائي وأرسلت لهم أنني مرهقة للغاية لا أستطيع حتى التفكير في ملابس أرتديها وتاكسي أركبه، فقالا لي ألا بأس وألف سلامة.
كل ما يسيطر على عقلي حاليًا رغبة عارمة في "المرواح". عايزة أروّح لكنني لا أدري أروّح فين ولمين، وأنا في البيت فعليًا، في غرفة أخي وصدري يصدر تزييقًا كأنما أتنفس من أنبوب خشبي. أريد أن أنام، أنام يوميًا 12 ساعة أو أكثر، لكنني أريد أن أنام أكثر.
جامعتان أرسلتا لي تريدان مقالًا مطولًا وإلا لن تقبلا تقديمي لهما. أردّ بتهذيب وألعنهما في سرّي، لا يمكنني تحريك أصابعي فهل سأبحث عن مقال ملائم لكتابته وإرساله؟
أخشى من فوات الفرص، أخشى من ألا أحيا وأنا أحيا، أخشى أن أستمر في الموات الذي يحيطني ويلفني ويتصاعد من داخلي منذ فترة طويلة جدًا، أخشى أن أنسى طعم البهجة فأتخيلها مرارًا. متعبة جدًا أنا يارب.
هل تسمعني؟
...
القاهرة، غرفة أخي
8-12-2017

على الطريقة الريهامية

$
0
0
الحياة ليست كلها خوازيق، إذًا.
لا أعرف لماذا بدأت التدوينة بهذه الجملة المتخلفة. حياتي مؤخرًا، وحياة كثيرين جدًا أعرفهم، كلها خوازيق، كلها تعب وغُلب وشقا، والكثير جدًا من زيارات الأطباء ومحاولات تصليح البنطلون فا تضرب الجاكيتة. لم ينصلح معي  الجاكيت والبنطلون معًا، منذ مدة طويلة جدًا تقريبًا، أطول مما يمكنني التذكر.
.
لكن، وعلى الطريقة الريهامية، نسبة لصديقتي ريهام سعيد مصطفى، هناك دائمًا نقاط ضوء بسيطة تلمع بخفوت، مثل يراعات -الحشرة المضيئة- التي لو ركّزت قليلًا، ستجد ضوءها مبهجًا. ما زال الليل معتمًا أينعم، وربما لا تجد شمسًا، لكن الضوء يحمل ولو قليلًا من البهجة.
في الأسبوع قبل الماضي، توجهت نحو سيتي ستارز -الذي لا يحبنا يا أمي- وكان معي مبلغًا من المال، وهذه أول مرة منذ زمن طويل جدًا أيضًا. وجدت "كشك"يبيع مستحضرات تجميلية متعلقة بالاستحمام. صار لي زمن لم أشترِ شاور جيل له رائحة جميلة، رغم أهمية ذلك بالنسبة لصورتي عن نفسي، وذلك راجع للحساسية المقيتة التي استيقظت فجأة وبعنف شديدين، فأصبحت لا أستخدم أي شيء فيه روائح، بعد سنوات من الاعتماد على "العلاج بالعطور"وزيوت الفوّاحة لتحسين المزاج.
لكني توجهت للكشك وطلبت أن أشم الشاور جيل. وجدت واحدًا برائحة اليوسفندي. أعجبتني الفكرة والرائحة معًا، فاشتريته. عدت للمنزل واستحممت به، وكانت المفاجأة: الرائحة ليست قوية ولا تلتصق بي! هذا جمال أن تبتاع شيئًا ليس من ماركة مشهورة: ألا تلصق الرائحة فتضايق الجيوب الأنفية والشُعب الهوائية، الست هانم.
.
مؤخرًا أيضًا، اشتريت لنفسي "مجوهرات"من الفضة، ما دام خربانة خربانة انبسط بقا، والصراحة أن الخواتم الفضة تبهجني كثيرًا، كثيرًا فشخ يعني.
وجدت خاتمًا فيه علامة "فاي/الما لا نهاية"بفصوص زرقاء صغيرة جدًا، فكانت أول جملة خطرت على بالي "إلى المالانهائية وما بعدها"من فيلم "حكاية لعبة 1"، وبالمصادفة كانت تلك أول جملة خطرت على بال الصديقة الصدوقة نيفين، حينما رأته.
اشتريته كعلامة على التزامي تجاه نفسي: سأحاول تحسين حياتي بكل الطرق المتاحة، للما لانهاية والله العظيم. سأكلّ وأملّ وأكتئب ويطلع ميتين أبويا وأمي معًا، لكني لن أتوقف إلى أن أحصل على أحوال آدمية. الطريق طويل، صعب وطويل ويمتحن الروح، كما يقول المغني الرئيسي في فرقة "مشروع ليلى"..
.
في نفس محلّ الفضة، وجدت قرطًا/حلقًا شديد اللطف: به لؤلؤة مدلاة من هيكل يشبه تاج الملكات. لم أهتم كثيرًا بالفلسفة وراء التاج أو بالتفكير في الرموز الإمبريالية، فلست عبد الوهاب المسيري يشتري قرطًا يفكّر بارتدائه، رحمه الله. كان شكله عذبًا وكفى.
اشتريته وأصبحت أرتديه كثيرًا من يومها. بذلت مجهودًا لشرح معنى "لؤلؤة/لولي"لابن أخي ذي السبعة أعوام، لكنه تجاهلني تمامًا وأخذ يلعب به ويودّي اللؤلؤة يمين وشمال. بالمناسبة أنا لا أنطق ""لؤلؤة"بالعامية أبدًا، فلا أقول "لولي"لمرجعية مجتمعية لديّ، لذلك يجد البقية صعوبة في فهمي أحيانًا، خاصة الجواهرجية.
.
لكن الخاتم والحلق يصاحباني كثيرًا في مشاوير صعبة، مشاوير أستمد الثقة بنفسي فيها من ارتدائي إياهما. أحيانًا كثيرة أشعر أنني "لوحدي كفاية"فأخلعهما بدعوى غسيل يدي أو الصداع، والأقراط تصيبني حقيقة بالصداع، لكني أحبها جدًا. وفي أحيان أخرى، أشعر بالنعومة تغلفني: صديق يمتدح الحَلَق، صديقة تتحدث بخفة فنضحك معًا، فيلم في السينما شديد الذكاء والحذق فأتمنى ألا ينتهي الوقت أبدًا، صديق آخر يربّت على وجعي بكلام مطمئن، فأشعر بأنني وادعة هانئة، أشعر بأنني "أستحق أكثر"وبشكل ما، يا سبحان الله، أحصل عليه، أو على بعضٍ منه.
.
مؤخرًا أيضًا، أعدت اكتشاف "صديق قديم جدًا"على رأي إبراهيم أصلان رحمه الله. كنا انقطعنا فترة بسبب ظروف شديدة قاسية لديه ولديّ، لكننا بدأنا نتحادث ثانية، ونتقابل. نعمل معًا الآن، وبشكلٍ ما أتمنى أن ينتهي العمل قريبًا كي أحصل على "أجازة"منه! أنا متأكدة أنه ملّ جدًا من إشاراتي التي لا تنتهي لمسلسلي داونتن آبي و"استدعوا القابلة"البريطانيين، كما مللت من حكاياته التي ينسى أنه حكاها لي فيعيدها، بينما لا ينسى ما حكيته من قبل -وأنساه أنا!- فيعلّق بملل أن أتجاوز هذه الحكاية وأقول غيرها. أشعر بزهق عظيم عندما أضطر أن أحكي له عن أحد أوجاعي الصحية، وأقول "أضطر"لأن لا مفرّ منها تقريبًا، وتحاصرني في كل شيء حتى أكل عيشي، فأحكي وأعيد الحكي ثم أشعر بغضب عارم وأبدأ في سبّ الظروف والأحوال وكل شيء، وهو يتطلع إليّ هادئًا، ثم يقول "حقك"فأهدأ تمامًا، فجأة و"مرة واحدة"، كموجة عَلَت جدًا ثم انكسرت. لا يحاول أن يقول أي شيء سخيف وبلا معنى، مثل "حالتك أحسن من غيرك"أو "احمدي ربنا ح تكفري؟"أو "ح نعمل ايه يعني؟"، بل أحيانًا كثيرة يشاطرني السخط وتصبح الجلسة أكثر سخونة من فرط الشتائم المتطايرة، لدرجة خشيتي أن يسمعنا أحد فيبلّغ عنا، بتهمة "دول مش عاجبهم الحال يا باشا"فيقرر الباشا أن يعلمنا الأدب.
.
هناك صديق آخر أيضًا، قديم جدًا وانقطعنا فترة، أصبحنا نتقابل أكثر الآن. تقريبًا مرّ بكل ما أمرّ به حاليًا، وخرج سليمًا إلا من بعض الخدوش، ومعاناة مستمرة يحاول التعايش معها، لكنه أصبح أقوى. يخبرني بتجاربه في "أن يصبح أقوى"ويتغلب على المتاعب، وكيف استطاع أن يفعل كذا وكذا بطريقة غير تقليدية في بلدٍ تكره الابتكار، وكيف تحسّنت صحته وأحواله. يعطيني أملًا دائمًا بأن الأسوأ في طريقه للانتهاء، صحيح ستظل الأحوال سيئة لكن ليس إلى هذه الدرجة.
أحبّ الأمل الذي يمنحه لي. أحب الهدوء الذي يتحدث به حتى عندما أكلمه بسخط أو بكاء عنيفين. لا يتعامل معي على أنني مجنونة أو "ياخدني على قد عقلي"، بل كمية الإنسانية التي ينضح بها كلامه وطريقة تعامله تجعلني أخجل من نفسي في أحيان كثيرة. غريبة، عندما يعاملنا شخص بكرم وإنسانية، نميل للهدوء ومعاملة الآخرين، وأنفسنا، بكرم وسماحة نفس، وبكثير من الآدمية والرحمة.
.
هكذا إذًا، ليست دخلة العام الجديد سيئة جدًا إلى هذا الحدّ، على الرغم من الأسبوعين المتلاحقين الذين أقضي كل يوم فيهما ما بين طبيبين أو أكثر، ومواعيد عمل، وبكاء قبل النوم، لكنني أحاول إبقاء رأسي فوق الماء.
معي شاور جيل برائحة اليوسفندي، وقرط صغير من اللؤلؤ، وأصدقاء عظيمين، وداونتن آبي لا ينتهي ويُستحدث من العدم عادي جدًا.. ألا يصبح العالم هكذا مكانًا أروع، وأكثر احتمالًا؟
يصبح، يصبح يا روز، ويصبح يا ست ريهام :*

الليل وسماه

$
0
0
أفكّر وأنا في الحمّام: سأسمع "ألف ليلة وليلة"وأنا أتعشى.
تعجبني الفكرة فأبتسم، أصمم على تنفيذها حتى لو أصرّت أمي على تعكير ليلتي، بعد اتصالها بي وزعيقها لي في التليفون، لأني تأخرت للحادية عشرة مساءً.
أخرج، لا أجد طرحة أصلّي بها إلا لو فتحت باب غرفتي أنا وأختي، وهو شيء لا يُنصح به بعدما حلّفتني ألا أخرج وأدخل كثيرًا لأنها تريد النوم "عندي شغل الصبح مش زيك". أتسلل للمطبخ ومعي الهاتف المحمول. أفتحه، أفتح ملف "مزيكا حفلة التوقيع"، وأبدأ في تشغيل "ألف ليلة وليلة - عزف نصير شمّة".
تأتي الدَخلة مبهجة تمامًا. أقرر الرقص، أبدأ في التمايل وتحريك جسمي فيعلن مفصل وركي الأيمن المجزوع عن غضبه. أضحك، أقول لنفسي "عجّزتي يا روز". أتخيلني في ورشة "استديو حليمة"للعلاج بالرقص، وقد قطّبت ملامحي في ألم بسبب وركي. تهرع نحوي بقية المشاركات قلقات، ثم يهدأ قلقهن عندما يرينني أضحك. تضحكني فكرة أنني أبدو أكبر من عمري الحقيقي، لكنني -في فراغ المطبخ- لا تكئبني هذه الفكرة.
أضع الفاصوليا باللحمة المفرومة على النار لتسخينها. طبختها أمس وأعجبتني جدًا، لكن ينقصها بعض الشطة وقليل من الملح. أعجبت أمي أيضًا وألحّت على أخي الصغير عندما أتى هو وزوجته أن تذيقهم منها. وضعت الإناء الصغير على النار، واستكملت الرقص.
فجأة خطر لي هاجس أعرف أنه غير حقيقي: هل أبي بالصالة؟
أخرج للصالة المضاءة، أنا من أضأت النور منذ قليل ولم يكن بها أحد. أفتّش في الحمام الصغير وطرقته، هل هناك أحد؟ كل المساحة صغيرة جدًا ولا تكفي لإخفاء شخص لا يريد أن يظهر، مسحتها بعيني جيدًا وقررت أن هكذا يكفي: الوساوس لن تفيدني، ولا أريد أن أخسر مزاجي الجيّد. أطفأت النور ودخلت للمطبخ: حتى وهو غير موجود، يضفي كآبة وجوًا منيّلًا بنيلة على البيت كله. ربما لهذا تركته من الأساس.
تستكمل الفرقة العزف مع نصير شمّة. أفكّر أن هذه هي "المزيكا التي هزّت وسط سهير زكي"على حد وصف أحمد مجاهد العزب لها على حسابه بالساوند كلاود. أضحك وأتخيلني أرقص كسهير زكي التي لم أرها يومًا ولا أعرف ماذا تفعل وكيف. يؤلمني وركي الأيمن ثانية فأقرر أن "أتمايل"فقط. يبهجني خاطر أنني أصبحت أؤدي حركات "رقص الهوانم"كما قرأت عنها في مكان ما لا أذكره، والقاصّ فلسطيني مبتهج برقص أمه في زفافه. أفكّر أنني أليق تمامًا في دور "الهانم": شعر قصير جدًا، بشعرتين بيضاوين في المقدمة تضفيان وقارًا ينكشف زيفه مع أول قهقهة لي. أرتدي أقراطًا لؤلؤية كثيرًا، ومع اكتناز جسمي واعتمادي مؤخرًا على عصا أنيقة جدًا، أصبح هانمًا صغيرة تكتم ضحكها باستمرار على تعليقات تقولها لنفسها، ويستشيط غضبها بسرعة جدًا على أسباب واهية.
.
تدخل المقدمة "يا حبيبي.."بلا صوت. يعزف نصير على العود مبتسمًا. أردت دائمًا حضور حفل له، أشعر بوجوده "لطيفًا"، وأنا أصبحت مؤخرًا أحب اللطف في كل شيء، وأشعر بأنه يعطي جمالًا خاصًا. في الفيديو، يشير نصير للجمهور بأن يغنّي معه، فيأخذون في الغناء: يا حبيبي.. الليل وسماه، ونجومه وقمره، وقمره وسهره، وإنتا وأنا.. يا حبيي أنا، يا حياتي أنا، كلنا هنا، في الحب سوا"
أتذكر حكايات أحمد مجاهد عن بليغ حمدي الشاب، ومحاولاته إثبات نفسه لأم كلثوم، فخرج بهذا اللحن. أتذكر كل الأشياء اللطيفة التي قرأتها عند أحمد، في مدونته أو مقالاته. أفكّر في أول مرة عرفت فيها بوجود أغنية "ألف ليلة وليلة"، كانت عندما قرأت كلماتها في عدد ما وراء الطبيعة "أسطورتها"، عندما أخذ رفعت إسماعيل ماجي لمقهى في الحسين -صورة تقليدية فشخ- وحكت له عن الأخطار التي تهدد حياتها بينما يعزف شاب إلى جوارهم على العود. كلما فكّرت في هذه الأغنية/الملحمة تذكرت ماجي ورفعت والحزن الذي كان يغلفهما منذ بداية معرفتي بهما أصلًا، وأصبحت الأغنية ملتصقة بهما.
لكن مؤخرًا، وبعد حفل توقيعي الثاني الذي اخترت فيه المزيكا كلها بنفسي، ووضعت بها أكبر كمية ممكنة من العود مع بعض الأغاني حتى لا يملّ الحاضرون، أصبحت أميل أكثر لربط الأغنية بالحفل: كنت أجلس "متوّنسة". لم يحضر كل من رغبت بوجوده، اعتذر الكثيرون، وتأخر البوفيه جدًا على الرغم من وجود ضيوف من محافظات أخرى وإكرام الضيف بمجرد وصوله واجب. كنت أشعر بارتباك كبير لأني لم أعتد أن أكون في موقع الصدارة، ارتبكت أكثر حينما عرفت بأسئلة الناشر. خرجت الشخصية الخجول من داخلي وتسلّطت، لكن حينما قررنا البدء في "الحفل فعلًا، وقدمتني المضيفة وراحت "سبيل تصوّرني، انطلقت "ألف ليلة وليلة"بعزف نصير شمّة في الخلفية، وشعرت براحة كبيرة.
"هو العمر فيه كام ليلة، يا حبيبي، زي الليلة زي الليلة."
.

لكن التعاسة طالتني في قلب روحي

$
0
0
أنتِ لا تحبينني يا أمي.
في كل مرة أتجه فيها لبيتي الجديد، عائدة من بيتكِ، أشعر بحزن هائل ونقمة. أتذكر أن مشاعر مماثلة قادتني كثيرًا من قبل للتفكير في الانتحار، بل الإقدام عليه فعلًا،  واشتريت أقراصًا بعد بحث عميق على الإنترنت، ومواقع تقول بلهجة محايدة "هذه الجرعة ستقتلك بالتأكيد لكن حبًا في الله لا تفعلها"والمزيد من الرجاءات بأن يتجه من يفكّر في الانتحار لطبيب نفسي أو يطلب المساعدة أو يتصل بخط النجدة، وأنا أضحك باستهزاء.
أكاد أجزم أنني تجاوزت هذه المرحلة، تجاوزتها بدرجة كبيرة لحدّ أنني ألقيت بالأقراص في القمامة ومزقت العلبة وأعلنت لنفسي أنني لا أحتاجها بعد الآن، وكنت سعيدة ومبتسمة ومنتصرة ومنتشية. كان ذلك ليلة السفر لأول مرة لبيتي الجديد: مرتبكة وخائفة ومتوجسة وقلقة لكن يملؤني فرح طاغٍ، فرح كمن وجد حياته لأول مرة، أو أكتشف أنه حي، أو وجد حبّ حياته.
صرت أتطيّر من استعمال الكلمة: "انتحار". صرت أخاف منها وأتغافل عمدًا عن كتابتها. صرت لا أتحدث في الأمر مطلقًا، وأنشأت حسابًا جديدًا على الفيس بوك أقسمت على نفسي ألا أكتب فيه شيئًا مؤلمًا أو "أظهر أمام الناس"بشيء غير الكمال. لم أكن أعرف أنه، حتى أنا، لا يمكنني أن أكون كاملة ولا سعيدة ومبتهجة على الدوام.
أحتفظ بحساب سريّ لمدوّنة لم أعطها أحدًا، أكتب عليها ما أريد بالقليل جدًا من الفلاتر. خصصتها مؤخرًا لكل الأحاسيس السعيدة التي تصيبني وأنا هنا، في بيتي، بيتي الجديد الذي يقع في منطقة شعبية وتحيطه الضجة طول الوقت وبارد جدًا في الشتاء وخانق في الصيف، لكنه بيتي، ويرحّب بي جدًا وتمامًا.
ظلّت لي مدونتي هنا، التي لا أكتب عليها كثيرًا لأنني مهملة ولأنني، ليتس فيس إت، أبحث عن التقبّل الاجتماعي، وعن أشخاص يقولون إن ما أكتبه جميل جدًا والله وأكمل وأعد. ظلّ لي حسابي القديم على الفيس بوك، والذي أشعر عليه براحة أكبر، وأكتب بحساب، لكن بأريحية أكثر مما أشعر بها على الحساب الجديد.
لكن ربما ما لم أكتبه: تدفعينني للانتحار يا أمي.
في كل مرة، يحدث شجار بسببها أو بسبب شيء فعلته أو قالته أو وضع خاطئ لكنها موافقة عليه عشان "الناس متقولش حاجة". في كل مرة تنجح تمامًا في أن تشعرني بالعجز والدونية والحقارة وأنني لا أستحق شيئًا. أنا لا أساوي شيئًا بالنسبة لها، لست أهم من النقود التي شارفت على النفاد في البنك، ولا من الذهب الذي ترفض تخصيص جزء منه لي ولأختي في الوصية كي نتزوج به، وبالتأكيد لا أستحق أي عقار من ممتلكاتها -ولا ممتلكات أبي- حتى إنني أشعر بغصّة هائلة كلما تذكرت الصعوبة التي انتزعت بها هذه الشقة منها، واحتمال أن تستردها مني في أي وقت، لكنني أغض الطرف وأقول لنفسي أن أستمر في حياتي ومحاولات تحسينها.
إحساس أنك كشخص وآدمي وتنتمي بصلة دم لشخص آخر، لكنك لا تساوي شيئًا والمال والذهب أهم منك، إحساس في منتهى البشاعة، إحساس يحاربه كل من كان له عقل على مرّ العصور، إحساس ينتفض لسماعه أي آدمي له قلب مهمته أكثر قليلًا من مجرد ضخّ الدماء للأطراف. إحساس دفع النوّاب الإنجليز والأمريكان لمحاولات حثيثة لوقف العبودية، ودفع علماء أفاضل لوقف الرّق، لكنه بالتأكيد لم يصل لقبيحة أصرّت في الهاتف على أن "البني آدم يتعوّض لكن الكتب تتعوّض إزاي؟"في حديثها عن حريق مبنى لم يكن يعرف أغلب المصريين بوجوده من قبل. لم يصل لأناس تعوّدوا في حياتهم على بيع البنات وشرائهن بدعوى الزواج، ولم يصل لأمي التي لا ترى أي داعٍ لإشعار أطفالها بالسعادة، طالما "واكلين شاربين يبقوا محتاجين ايه تاني؟"
تراث حاولنا من قبل وأده لكنه سيقتلنا قبل أن ننال حتى شرف المحاولة.
تأتي هذه الأيام في ذكرى الثورة، السابعة. يقول شخص ما إن السنين السبع العجاف قد مرّت فاستعدوا للطوفان، أضحك هازئة ثم اقرأ اسم القائل فأهدأ قليلًا وأقول ربما معه حق. تبدو لي حربنا، حربي أنا تحديدًا، مندفعة من محاولتنا القاسية والمريرة لتحطيم السلطة الأبوية الهائلة التي تتحكم في كل شيء. أقرأ قولًا لآخر: "ليعلم أبناؤنا أننا حاولنا، حتى لو فشلنا، ليعلموا أننا لن نقف في طريقهم كما وقف آباؤنا في طريقنا."يصيبني المزيد من الألم فأقرر دفن رأسي تحت أي كثيب رملي وأنتظر الموت.
أقول لنفسي في كل مرة يخلع الألم فيها قلبي إن عليّ أن أتشجع لأن لا أحد غيري سيحارب حربي، لا أحد غيري سيحسّن من حياتي. في البلاد التي تعرف أنها تؤوي آدميين هناك تأمينات اجتماعية وصحية وسياسية وحقوق إنسان، هناك أشخاص يمكهنم أن يخففوا من وطأة الحرب الداخلية بعض الشيء، لكن هنا عليّ أن أفعل كل شيء وحدي. أقول تشجّعي وامضي للأمام ويالا بقا الجبل اللي بنكسّره قرّب يتكسّر، لكني يعود ذلك الإحساس وأعود أفكّر لو أموت الآن حالًا لأن الألم لا يُحتمل؟
لا يأتي الموت لكن الألم يخفّ.
أشغّل نفس الملف "مزيكا حفل التوقيع"، فتأتي في التشغيل العشوائي المقطوعة "من كتر شوقي سبقت عمري"فأبتسم جدًا، وأقول لنفسي إنني صنعت لي حياة جديدة وبعيدة عنهم، هذا عنوان كتابي الثاني، و"حلوة حياتي، حلوة يا سلام، بتمرّ قوام"في بيتي الجديد.

Frying vegetables for the heart

$
0
0

Usually, waking up and starting the day is very hard, especially if you have depression. It becomes as if the world has decided all of a sudden to jump robe on the top of your chest, with all its weight. And if you are struggling to go back to consciousnesses, because of some malady of the brain blood supply, then the same world has decided to play baseball with your head. It's a very athletic world, this one.

But I beat this up, every morning, and I HAVE to wake up because a full bladder is no laughing matter. I push myself towards brushing my teeth, using the nasal jet, as my nose has certain liking to get blocked every single night, and wash my face. I, then, become a little bit OK. I go to my bedroom, open the balcony and say "Good morning, life," usually followed by foul curses to the very loud microphone sounds, coming from the travelling salesmen. Then I start my day.
.
I always think that food can remedy the tired heart. I sometimes resort to cooking, smelling the different spices, mixing and matching, and asking the goddesses of pain and remedy, love and kindness, beauty and humor, to watch upon this simmering pot of vegetables and chicken, while I take a little bathroom break. I usually have some music on, some Fayrouz or Mouneer going on, saying whatever they want to say; 'cause I'm in a good mode, and I can tolerate whatever these kids wanna say.
.
Today, I got some bad news. I went to the mall in order to escape the shouting ugly microphones, as I really wanted to kill them all then kill myself. I bought wooden spoons, got my medicine, had lunch there and bought a new Mint shrub. I almost have no money left, but it's OK, I'll panic about that some other time: Now I'm happy.
.
I thought what can be a perfect closure of the day? Nothing better than fried vegetables with cheese can do the job! I liked the idea, so I started working immediately.
I got bell peppers, green and red. I wanted to save the red one for when my friends visit me, but it started to fade away, so I decided to use it. I cut them into halves, put a tiny amount of butter -I got a golden tiny spoon for that- into the frying pan. Then, I added the peppers, sprinkled some fresh thyme on top of them, and waited.
When this part was done, I I turned them and added more thyme. Fayrouz was telling her lover not to blame her, as the moon was the cause of her delay: It kept the village awake and she couldn't sneak behind their backs. I started slicing the Cheddar cheese, laughing and remembering what occasion I taped this song. Yes, I was listening to an old cassette tape, I recorded it myself, on my brother's old dual cassette recorder.
I added the cheese slices, put some mushroom slices too. I kept on turning all of them inside the pan, then I had an idea. I took the last loaf of Lebanese bread out of the fridge, sat the vegetables aside, put it in the pan then put them on top of it. And to make the crime unforgivable: I added some Roquefort cheese on the sides, covered them all with Mozzarella stripes, then put the pan under the grill.

When the smell was satisfying enough for dear old Anton Ego, I got the pan out of the oven and sat the table. I had some roses, collected them myself off the dining tables after my cousin's wedding reception, and I'm not ashamed of that. I laid some old cloth, brought it over from mom's, on the table. Mom used a part of that cloth to make us pajamas when we were young, then it laid neglected and sad in her enormous closet. I thought of giving it another chance, and I was short of money, too.

So, the roses stood on the friendly table cloth, beside the main and only dish. I decorated this beauty with fresh mint, and a light squeeze of lemon zest. I then sat down to eat.

Needless to say: IT WAS HEAVENLY :))))

I had so much fun devouring it all. I used my hands and I didn't care: I was in love with my cheesy vegetables. I felt so happy and pleased with the world, as the juicy bell peppers made the perfect combination with the cooked Mozzarella and the slight touch of the Roquefort cheese. The lemon zest made me almost crazy, I took deep breaths and smiled. A large and happy smile, is still on my face.
Thank God I'm alive.
...
15-3-2018
12:18 AM

أطباق ملوّنة فارغة

$
0
0
أستيقظ للإفطار في بيت أمي، فتواجهني الأطباق البيضاء عديمة الشخصية. تنسدّ نفسي وأقرر أن أمضي اليوم بلا أكل.
في منزلي الجديد، الذي ما عدت أعرف هل يمكنني الاستمرار في تسميته منزلي أم خلاص كده، اشتريت أطباقًا جديدة ملوّنة. اشتريت نحو 4 أطباق ملونة، ما بين التركواز الغامق والوردي والأزرق السماوي والبنفسجي. أبتهج بها جدًا، أرصها أحيانًا بجوار بعضها وأتعمد صنع أصناف كثيرة تحتاج لعدة أطباق، أضعها أمامي على الطاولة وأقرر أن نهارنا نادٍ إن شاء الله، وأشعر بجوع قوي فآكل.
أتعمد النزول وحدي وشراء الأشياء وحدي، رغم اعتمادي على العكّاز أخيرًا وساقي التي تؤلمني بحرقة وقسوة وتحدّ حركتي. لكنني لو اصطحبت أمي معي لقالت لي "ما عندنا من ده! ما تجيبيش ح أديكي من اللي عندنا في البيت."لا تفهم هي معنى "خلق حياة جديدة"التي تستدعي بالضرورة قطع الصلات المؤذية بالحياة السابقة، ومنها الأطباق البيضاء المصمتة القاتلة للروح. أنزل وحدي وأتسوّق، اشتريت طبقًا من الفيوم، حينما أصررت على الذهاب هناك رغم ألمي الساحق، لأنني أعرف القرية التي سننزل بها مشهورة بصناعة الفخار. اشريت طبقًا عميقًا وفنجان قهوة صغيرًا، واحدًا فقط لأنني لم أتصور أنني سأجد من يشاركني شرب القهوة، خاصة في الصباح.
في الزيارة الكارثية الأخيرة للسعودية، التي قضت على صمامات دفاعي الأخيرة، كنا ننزل لمحل الخردوات القريب من المنزل، لأنه قريب من المنزل ولا يستدعي الحركة بسيارة وهناك تنعدم المواصلات، ولأن أسعاره رخيصة جدًا. كنت أشتري بحرية أكبر، خاصة عندما دنونا من الرحيل، ربما لأن أمي شعرت بانطفائي وخلوّي من الحياة. ليست حرية مطلقة طبعًا، لأن "المصروف"الذي كنت أحصل عليه لا يكفي كارتي شحن، لكنني كنت أتحايل على الظروف، كعادة أي ناجٍ يحاول.
اشتريت أطباقًا زرقاء صغيرة جدًا، وطبقًا واحدًا ملونًا بشدة، وفنجاني قهوة زرقاوين، والكثير جدًا من العطور المنزلية التي توضع في الفوّاحات. ساعتها لم يكن عندي حساسية تنفسية.
.
من ساعة ما نقلت للمنزل الجديد وأنا أريد الحديث عن أطباقي الملونة، حديثًا حلوًا وإن احتوى على شيء من النكد، لكنه شيء خفيف لن يدفع القارئ للهرب. لكنني، أجّلت كل شيء لإصابة يدي، والآن أكتب تدوينة مليئة بالنكد وتقطيع الشعر والرغبة المكتومة في الصراخ، لكن لا شيء يحدث.
.
الأطباق التي اشتريتها وركنتها أسفل السرير المترّب في بيت أمي، أخرجتها لتتنفس في منزلي الجديد، وفرحت بها جدًا. اشتريت من محل الفخار في الزمالك قدحين بني وأزرق، وأخرجت كل حِلل جهازي رغم اعتراض أمي الشديد، ورحت أستخدمها بأريحية كبيرة.
في مطبخي الصغير لا يوجد خشب ولا أرفف ولا أي شيء، فقط ترابيزة برجل مكسورة ومسنودة بعلبة كريم قديمة وفارغة، عليها برطمانات كثيرة جدًا لأنواع مبهجة من الشاي بالفواكه والورد، الكثير جدًا من الورد، وأنواعًا من القهوة والنسكافيه والبنّ جيدّ التحميص، وتوابل كثيرة وغزيرة وطعمها مضبوط جدًا، تحلّي أيامي والله.
لا أجيد صنع سوى صنفين أو ثلاثة على الأكثر، لكنني بعدما استقريت وأصبحت نفسيتي أكثر هدوءًا، صرت أفنن في كل شيء. في مرة عدت من العلاج الطبيعي مرهقة جدًا وجائعة، قلت سأقلي بيضتين وخلاص. حمّرت الخضروات وخلطت البيض بالتوابل ووضعته فوقها، وعندما نضج تمامًا رششت الموتزاريلا على السطح وأدخلت الطاسة الفرن. كانت النتيجة شديدة الروعة، الجمال المتجسّد في صورة جبن ذائب على خضروات مليئة بالعصير وبهارات ترسل انبهارات ومفاجآت داخل فمي ولساني.
.
في بيت أمي، كان من المستحيل التفنين في الطبخ. ما بين المطبخ الكئيب بإضائته البيضاء القوية والخالية من الروح، والمتسخ دومًا لأن مهما نظفته فهناك أعضاء أسرة آخرين يتولون مهمة اتساخه ما شاء الله ما شاء الله، ورمي الأكواب والملاعق في الحوض بلا اكتراث ما شاء الله ما شاء الله، حتى عادت مهمة التنظيف عبثية تمامًا وباعثة على الكآبة المطلقة. وما بين هذا، والفوضى المنتشرة فيه والمتمثلة في أجهزة كهربية كبيرة جدًا ولا نحتاجها كثيرًا، وأجهزة كثيرة لا نحتاج إليها مطلقًا، وصفوف من الأكواب التي لا نستخدمها مع ضيوف أو غيره، وأرفف سفلية لا أحد يعرف ما بها أساسًا، وجردل قمامة مليء دومًا على الرغم من أن إخراج القمامة لخارج باب الشقة على طول أسهل بكثير جدًا من تحمّل الرائحة والمنظر الكئيبين. في منزلي لا بدّ من النزول بالكيس إلى حيث الجردل العملاق في الشارع، والوصول إليه يستلزم طلوع منحدر مرهق جدًا، لكنني لا أترك القمامة في منزلي لتتراكم أبدًا.
ما بين كل هذا، وأمي التي تزعق على الفاضية والمليانة، وتتدخل في صنع الأشياء، وأختي التي اشترت لنفسها أوانٍ نظيفة وغالية وتتركها أسفل سريرها ويا ويل من يستعملها، بخلاف الطعام -واللبن، حتى اللبن- الذي تشتريه وتكدسه في الرف السفلي من الثلاجة وتزعق بحدة لو استعمله أحدنا، يصبح الأكل والطبخ ضربًا من العبث ومدعاة للسخرية من النفس ومحاولاتها للحياة.
في منزلي أحرص على النظافة بقدر استطاعتي، فمع ظهر لا يمكنه الانحناء وركبتين بالكاد يحملانّي وساق لا أستطيع الاستناد عليها، تصبح المهمة في غاية الصعوبة، لكني أحاول.. ومنزلي أكثر نظافة من منزل أمي الممتلئ بالأفراد/الأشباح الذين لا يشعرون بوجودهم وأنهم بني آدمين حقيقيين.
.
حاولت الهرب كثيرًا جدًا، وظننت حينما وصلت لهذا المنزل الجديد أن محاولاتي قد انتهت، مؤقتًا حتى أستطيع الخروج من هذا البلد الضاغط، لكنّي كنت واهمة.
يأتي أخي الأكبر بصرخات عنيفة ليدّعي أن هذه الشقة له، رغم أنها مكتوبة باسم أمي ورغم أنني حينما كنت أزعق برضه، وأصرخ بأنها تفعل كل شيء من أجل الأولاد فقط، زعقت في أن لا أحد يملك هذه الشقق سواها. الآن، يريد أخي إخراجي منها ليبيعها ويدفع ثمنها مقدمًا في شقة جديدة، في الحيّ الراقي في أكتوبر شديدة الرقيّ والثراء، الذي يسكن به، إلى جوار عمله ومدرسة ابنه الدولية والنادي بحمام السباحة الذي يحرص على إشراك ابنه به، وكورسات الإنجليزي في المجلس البريطاني، الذي يذهب له الابن ويخفي الأب والأم عنّا هاته الأخبار، علّنا نحسده لا سمح الله.
يأتي، ويزعق لأمي في التليفون أن يخرجوني منها، من الشقة ذات الغرفتين والصالة شديدة الضيق، والحمام المنفدّ على المطبخ، والباعة الجائلين يمرحون أسفل شباكي بميكروفاناتهم، والأطفال يقضون كل الوقت في اللعب وشتيمة بعضهم بأمهاتهم وأعضائهن التناسلية، وأمهاتهن متدليات من النوافذ عادي كده، يشتمن هن أيضًا.
تقول له أمي إنني منذ عامين حاولت الانتحار وذهبوا بي لمستشفى نفسي، وهذه أول مرة أكتبها أو أقولها علنًا، فيقول "وأنا مالي".. صحيح وهو ماله؟
.
ربّت أمي إخوتي الأولاد الثلاثة على أن يكونوا أنطاعًا، شوية أنانيين لا يعرفون حتى تصريف أنفسهم لو سكنوا وحدهم. لم يستطع اثنان منهم تزويج أنفسهم فأمي التي زوّجتهم، شالت الطين عنهم أمام أبي وأهل زوجتيهم، وصرفت كل نقودها، كل نقودها حرفيًا حتى إنها لم تعد تستطيع الإنفاق على علاجي وأنا لا أستطيع العمل وليس لي تأمين، على زواجهم. بيت أخي الوسطاني يلمع، دهان جديد غيروا لونه مرتين لأن اللون لم يعجب الهانم وأمها، نجف في كل مكان، صالون وأنتريه ومكتب وسفرة وحمام وسيراميك وغسالة كبيرة أوتوماتيك، وأنا أبكي لأني لا أجد ثمن الدواء.
يبدو الرثاء للنفس مجلبة للشخر من الحلق أو الأنف، لكنني، وبعدما صنعت لنفسي حياة جديدة وكدت أبدأ البحث عن عمل ظروفه أهدأ، انهدّ كل شيء فوق رأسي، فجأة، ودون سابق إنذار.
.
صحيح أن أمي، بعد مباحثات معي حول هل فعلًا الاستقلال مفيد لي أم لا، قررت إعطائي الشقة الأخيرة التي يكاد تشطيبها ينتهي. تقول إنها في حي أهدأ، لا باعة جائلين ولا أعضاء تناسلية متناثرة في الصباح الباكر وعمق الليل، وأكثر أمانًا، ومتسعة يمكنني المشي فيها بحرية وليس بالجنب. تقول إن بلكونتها أوسع وبها شجر. لكن..
لكن، من يضمن لي ألا يحتاجها أخي الوسطاني أو الأصغر، أو حتى أخي الكبير، ويحتاج لثمنها لأن الأولى في حيّ وضيع ولن تأتي بنقود كثيرة يحتاجها كلها؟ من يضمن لي ألا يتعرض أخي للحبس بسبب آرائه وطريقته المتخلفة في عدم الاحتفاظ بها لنفسه، ونحتاج لبيعها لدفع الكفالة ليخرج؟ من يضمن لي ألا ترجع أمي في كلامها وتقرر رميي في بيت العيلة، بيتها -ما كل ده بيوتها بس بنضحك على نفسنا- لأنني عشت فيه 30 عامًا وما اشتكيتش، أتشال من هنا أتحط هنا بلا اعتراض، واكلة شاربة نايمة مليش طلبات ولا صوت لأعبّر به عن تلك الطلبات.. من يضمن لي أي شيء؟
.
يمتحنني الله بقسوة وليس بي طاقة حتى للاعتراض أو الشكوى. أول أمس بعد مباحثات هل أصلّي العشاء أم لا لأني زعلانة من ربنا، توصلت أخيرًا للصلاة والدعاء: يارب أنا بحبك. بس كده.
.
ما ظننت أن أمي لا تعرفه لكنها طلعت عارفاه، أنني حاولت الانتحار من قبل. لكن ما لا تعرفه مطلقًا أنني حاولت كثيرًا جدًا، أكثر من قدرتي على العدّ، وأنني أنا من كان ينقذني في كل مرة، عدا مرتين استنجدت بأصدقائي. في كل مرة كنت أتراجع، لأن صوتًا ضعيفا جدًا بداخلي كان يقول "ما يمكن فيه حياة تانية غير دي؟ يمكن فيه سبب للسعادة لسه ما عرفتوش؟"وأتراجع.
السعادة عرفتها حينما نقلت لمنزل ظننته لي. حينما مرّ بعض الوقت وصارت نفسيتي أهدأ، صارت منحنياتي أكثر استدارة وبدأ ظهري يستجيب للعلاج فعلًا، صرت أضحك. أضحك بلا سبب تقريبًا، أو لأسباب كثيرة جدًا. أصنع أكلة جميلة فآكلها وأضحك، أشاهد جاك ليمون ووالتر ماثاو فأضحك فشخ، أحادث أصدقائي أو أقابلهم فيقولون شيئًا بسيطًا مضحكًا فأنطلق في ضحك طاغٍ، ضحك عميق يرجّ قلبي وينزل كل السواد الذي بداخله، ويترك النور والحب والجمال يدخلونه، أضحك فلا يعود للحزن مكان. لكن كل هذا قد انتهى.

إلى مو صلاح

$
0
0


عزيزي مو صلاح:

اخترت مناداتك بالاسم الذي اشتهرت به، لأنه الاسم الذي يصرّ ابن أخي -7 سنوات الآن ما شاء الله، 20 مارس حلّ علينا- أنه الوحيد الصحيح وما عداه اختراع منّا. يطلب من أمه تصفيف شعره ليصبح مثلك، وعندما يرى شعر أخي الأصغر أو شعري وأقول إننا مثلك أيضًا، يرفض تمامًا ويهزّ رأسه بقوة ليتراقص شعره الكيرلي ويغيظنا أكثر.

عزيزي مو:

الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل، وكما هي عادتي مؤخرًا لا يحلو لي الكتابة أو الطبخ أو التنظيف سوى بعد منتصف الليل أصلًا، والكتابة بالذات في الثانية. أعاني وأريد النوم لكن الأفكار لا تأتي سوى في هذا التوقيت. سأحاول فيما بعد أن أوضّب أحوالي أكثر، لكني الآن أريد الكتابة لك.

أردت منذ زمن توجيه رسالة إليك، كتابة أو تسجيلًا. أردته تحديدًا حينما استعديت للتوجه لأول جلسة للعلاج الطبيعي، منذ نحو الشهر. كنت متحمسة جدًا وشعرت بأنني إيه بقا آخذ خطوة نحو "تحسين حياتي"أو حتى التخلص من الألم اللعين الذي يحاصرني ويحدّ حركتي لدرجة لا تطاق مؤخرًا. كان صوتي ليمتلئ ضحكًا وسعادة بأنني أخيرًا اتخذت هذه الخطوة، لكن، طبعًا يعني، عدت مرهقة تمامًا واتعشيت ونمت.. إحنا ماشيين بالبركة وقول يا باسط.

لذلك أنتهز هذه الفرصة وأكتب لك.

.

ربما ما لا تعرفه بقا أنني، مثل الكثير من المصريين واعذرنا يعني، لم نسمع عنك من قبل. أنا نفسي، كفتاة أتمّت 31 عامًا منذ شهر، لم أكن أهتم بالكرة مطلقًا وأراها "تضييع وقت ع الفاضي"، لكنني لم أعرف تحديدًا ما هو المليان الذي يمكننا قضاء الوقت فيه؟ لم أسمع عنك قبل ماتش التأهيل لكأس العالم.

في يوم الماتش كنت أتشاجر أنا وأخي الأصغر حول شيء ما لا أذكره الآن، لكني احتديت عليه وهو كان متوترًا بشدة لأن اليوم حاسم وهو يريد صعود المنتخب لكأس العالم بأي طريقة. تشاجرنا وصحنا في وجوه بعضنا، ثم اختفى هو خارج المنزل ليدفع فاتورة الإنترنت. وهو بالخارج فكّرت إنها مش مستاهلة، ويجب أن أصالحه، ولأول مرة في تاريخي كله كده على بعضه: قررت أنني سأشاهد ماتش كرة قدم، آه والله العظيم.

عندما عاد من الخارج سألته بلطف هل سيشاهده على التلفزيون أم على الإنترنت؟ فكّر وقال على التلفزيون، قلت له اشترِ لنا إذن شيبسي وعصير وجيلي كولا لأني سأشاهده معك. نظر لي بتوجّس ثم اختفى ثانية. عاد ومعه شيبسي وإلخ، وعلبة آيس كريم بالشوكولاتة أيضًا.

في أثناء الماتش كنا متحمسين وعلى أعصابنا، وأحمد أعصابه مشدودة جدًا ولا يستطيع النطق. لزمت الصمت أنا أيضًا حتى لا ينفجر فيّ، كنت لا أعرف ما الركنية ولا العارضة وحتى ضربة الجزاء وتُحسب لمن. لم أعرف سوى أن هناك "محمد صلاح"وأن ابن أخي يحبه كثيرًا وأنني أدعو في سريّ بشدة أن يجيب جون لأن أخي الأصغر على وشك الإصابة بالفتاق أو التوليع فيّ وفي التلفزيون الآن حالًا.

فجأة جبت جون. صرخ أحمد وصرخت العمارات المحيطة بنا كلها، صرخ الناس في الشارع وخرجت سيدات وفتيات في البلكونة يهتفن "محمد صلاح جاب جون.. محمد صلاح جاب جون!"وزغردت خالتي في المنور، آه والله، لأنها تعشق الزغاريد وتكره النكد وتحب أن تزغرد على طول وفي كل مناسبة، وورثت هذا عنها مؤخرًا جدًا.

أعتقد أننا انتظرنا للشوط الثاني حتى يأتي الجون الثاني، وعلى ما أذكر كادت المباراة تنتهي لكنك جبت جون قبل النهاية مباشرة. هنا جُنّ أخي وأخذ يقفز في الهواء وأنا أيضًا، ولأول مرة حضنني بشدة أمام ماتش، وكان سعيدًا جدًا. ساعتها شعرت بالامتنان لك، شعرت بأنك جزء من عائلتنا ومن صنّاع بهجتنا، وأنني سأظل ممتنة جدًا لهذه اللحظة لسنوات كثيرة قادمة. شعرت بأنني أعرفك وتعرفني.

أرسلت لابن أخي على جروب العائلة على الواتساب: "شفت يا مهند الماتش؟"فأرسل لي "جووووووول.. محمد صلاح جاب اتنين جول"وأغلق التسجيل على الفور. رحنا نضحك أنا وأحمد، وهنا قرر الخروج للاحتفال مع جاره وأقرب أصدقائه، وابن خالتنا، على البسطة خارج الشقة.

ارتديت الإسدال وقلت له سأحتفل معكم أنا أيضًا، لم يعترض هذه المرة. خرجنا واصطحبنا زجاجة كوكاكولا 2 ليتر، كنت أظنها "مش كتيرة شوية يا حمادة؟"لكنها سبحان الله خلصت كلها وكانوا يريدون المزيد. كانوا سعداء جدًا ويتحدثون في تفاصيل فنية لم أفهمها، وحينما يرى ابن خالتي -أصغر مني بـ10 سنوات يا سبحان الله- حيرتي يحاول أن يشرح لي، يقابله عدم الفهم المطلق فيقول "تفاصيل كبيرة كبيرة لما تكبري ح أقولك"ونضحك كلنا جدًا. رفعنا كؤوس الكولا في الهواء تحية لك، وأخذنا صورة مهزوزة بكاميرا موبايلي الضعيفة أصلًا، لكننا كنا سعداء فيها كلنا.

بعد ذلك خرج الآيس كريم والكراسي الصغيرة والمعالق والأطباق، وحينما تساءلت عمّن سيغسل كل هذا أعلن أخي أن ميعاد العودة للمنزل قد حان وكفاية كده عليا.

.

في الماتش قبل السابق، يوم 10 مارس، كنت أشاهده بثًا مباشرًا على الإنترنت. كان أحمد قد عاد لوضع المصنع "ذكر شرقي غِلس ما بيتفاهمش"، وأعلن أنني لن يمكنني مشاهدة الماتش معه ومع صديقه في الغرفة بالداخل. ولمّا كان الإنترنت عندنا مصريًا والله، ولا يحتمل بثين مباشرين في نفس اللحظة، فقد فاتتني أهم اللحظات في الماتش، والأهم: زاد إحباطي بشدة وغضبي. 

اتصلت بصديقي الذي كنا قد حددنا ميعادًا للقاء معًا قبل ذلك، وقلت له حزينة جدًا "محمد صلاح مجابش جون."وضحك وقال بما معناه مش شرط كل ماتش بأجوان، ولما لاحظ إحباطي وحزني وكل حاجة، قال "بس دي حاجة كويسة، من شهر مكنتيش تعرفي مين محمد صلاح أساسًا ودلوقتي زعلانة إنه مجابش جون، ده تقدم عظيم."إشارة إلى لقائنا منذ نحو شهر أو أكثر، حينما جلسنا في مقهى بالصدفة كان يشغّل ماتش لليفربول على الشاشة، وجميع الناس متوترين جدًا ومشدودين، وأنا مرهقة تمامًا من المشي ولا أكاد ألتقط أنفاسي، ثم رفعت رأسي للشاشة وقلت: "مين دول؟"فانطلق في شرح مستفيض عن مين دول. "ممكن تجيبي نفسك وتيجي؟"ولمّا أضحكني تعليقه قررت أن اصطحب نفسي وأذهب.

.

منذ فترة زاد تعلقي بالفيديوهات القصيرة التي تركّز على الأهداف التي تحرزها، أشاهدها وترتسم في عينيّ قلوب ونجوم وفراشات ودموع وفرحة طاغية. مع تكرار مشاهدة الفيديوهات تكبر فكرة بداخلي على استحياء: أريد أن أصبح رياضية.

أريد أن ينتهي العلاج الطبيعي وقد أصبحت أفضل بكثير، ثم بعدها أبني عضلاتي الضعيفة جدًا، وأمرّنها، وأتخلص من الكيلوات الزائدة، ثم أحترف رياضة ما. أعرف أن الطريق صعب وطويل ويمتحن الروح، لكنني مصممة بشدة هذه المرة. لي صديق مترجم أيضًا وطبيب، مرّ بظروف مشابهة لي، وحاول مع نفسه اتباع نظام غذائي جيد وتمرينات بسيطة يؤديها في المنزل، ثم زاد منها. صديقي هذا الآن رياضي إلى حد كبير، وقد أعجبته اللعبة فقرر الانتظام على ممارسة التمرينات التي زادت صعوبتها الآن. يشتكي منها لكنه يواظب عليها. أريد أن أصبح مثله ومثلك.

في العام 2012 كنت مترجمة فورية لمدرّبة كرة تقاعدت وقررت أن تنظم كورسات عمل لمدرّسي التربية الرياضية. في أثناء الكورس، كنت أعطي ظهري للشاشة وأواجه المتدربين وأحاول الترجمة، ما زلت لا أعرف كيف لم يرمونني بالبيض والطماطم الفاسدة لقاء الولا حاجة التي قدمتها لهم، عامة لن أحاول الترجمة الفورية ثانية أبدًا. المهم، كانت تتحدث عن كيف أن الرياضة تغيّر حياة البشر، المتدربين والرياضيين ومن يحيطونهم. كنت أتوقف عن الكلام وأستدير نحو الشاشة: صور لأطفال أفارقة على أرض ترابية ويرتدون ملابس أي كلام، ويتبادلون كرة شراب بينهم والحماس يقفز من أعينهم قفزًا ليشاركهم ركل الكرة وإحراز الأهداف، صور لإعلان ميثاق حقوق الأطفال من الأمم المتحدة، صور عن الباراليمبكس وسيدات يبكين بشدة وهن يحملن الميداليات بذراع واحدة أو على كراسٍ متحركة. وعندما لاحظت المترجمة الأولى عجزي عن الكلام تقريبًا، قررت أن تقطع راحتها وتجلسني على كرسي بيدها وتكمل هي المهمة رغم إرهاقها. لن أنسى أبدًا هذه الصور ورسالتها، كنت في فترة قاسية جدًا من حياتي، والآن وأنا أخرج للنور، أعتقد أنها تريني الطريق.

.

شكرًا يا صلاح وشكرًا لإصرارك وصباح الخير من القاهرة :)

روز

20-3-2018

بي إس: صورتك تزيّن خلفية سطح المكتب على اللاب توب، حتى تكون أول من أراه حينما أفتحه صباحًا :))

Walking with the Black Dog over my shoulder

$
0
0
When I meet new people, and they find me laughing and talking, then they find out that I AM actually depressed, they get surprised. I usually hear that appalling comment "But you don't look like a depressed person." Lately, I don't bother correcting them.
.
I AM DEPRESSED.
It hearts my soul to the very core of it.
.
My worst part of the day: morning. Oh God, if only mornings can be eliminated forever! I come to consciousness, groan in pain, then open my eyes. In my house, the bedroom curtains are always drawn at night, so that the morning light doesn't wake me up. I open my eyes and find it dark, and I pray in a bit of a weep that I die, go to sleep again and never wake up, or at least wake up with little pain. I can't take it anymore.
My soul aches. Its pillars are deeply rotten, can't stand on their own. I can't stand on my own, literally and figuratively. There are ghosts and scared cats and howling dogs and very sad "No Faces"* are roaming inside, scared and asking for shelter and safety. Crying is all over my heart and lungs, but it seldom reaches my eyes. Since moving out, I've put on a face of absolute bravery: Nothing hurts me, nothing gets me. Even in front of my psychiatrist, I appear very unshaken, and hide every upsetting shred of unhappiness. That's why I insist now on pouring everything on this blog post, and posting it later on Facebook. I don't want to hide it, anymore.
.
I, after that, go on trying convince myself to get up. I tell myself it's gonna be OK, I'll feel better, it's just this stupid Morning Worsening, and everything will be OK. So many mornings I wish I had some one right beside me, to cling to him, smell him and feel safe. I imagine all the time that if I get hugged right after I'm awake, everything will be alright. I imagine it because it never happened. Even after the great war Trauma I got, I didn't get morning hugs even after I asked for them.
But I keep telling myself: If you are going to wait until you are married to the very lovely boy you want, you will NEVER learn to hold yourself up high, on your own. You will continue to be a parasite, feeding on the love and attention given to you by others, which by the way will never be enough. You have to love yourself and cherish it first, then you may be ready to receive others' sweet feelings.
.
Imagine trying to reason with your crying heart with all of this? Every morning, trying very hard not to fall head over heels into the very bottom of the well, which will be no coming back from. Battling with drawing breaths, as my chest aches hard when the air gets into it, because of chest allergy and as I can't believe that I'm still alive. It hurts.
But I do it. I finally get up, wash my face, blow my nose -it gets bloodier since Spring is here- and brush my teeth. Then, I get back to my bed, and start doing my exercises.
.
Since my back starting making my life an absolute hell, my legs joined it. I lingered in getting physiotherapy, but when I did, I noticed something extraordinary: I have a body!
Yes, I didn't notice it before. That's why I forgot about the Sun, never excised and didn't eat well, in almost all my 30 years. No Vitamin D, no Calcium, no enough minerals, and of course: very weak muscles.
That's why it protested. It started shooting fires all over my nervous system, I even can't breathe from the pain, sometimes. I stooped working because typing was so painful. I was very close to suicide.
.
But.. NO.
.
I start exercising, helped by the guidance of the very lovely physiotherapist I found lately; Dr. Nada, and my doctor friend, Eman, who try their best to make life easier for me. I got encouraged to work out, despite the pain, and with the help of execisive pain soothers. And I FOUND IT ABSOLUTELY WONDERFUL.
I started to move my legs, upwards and sideways, for the first time in many horrifying years. I actually feel more alive when I do it: my legs are breathing, my legs are pronouncing their existence, they say we are here, just hear us and do it, take care of us.
I, for the first time in many many dark years, feel so alive: I can move my body in exercise, and it makes me feel absolutely thrilled. I'm so thrilled that I can't write now in an ordered fashion and I make so many typos, but I don't care! I feel empowered and adorable and thrilled and alive, I feel ALIVE, Nada and Eman.. I feel so beautiful, that I, this very bloody morning, finished working out, then put on a pretty dress, did my hear, wore a necklace and earrings, and sat off to make myself a lovely breakfast. I know that I'll eventually take off the accessories as my neck hurts so much, but I don't care: for that brief moment, I'm absolutely Alive.
.
"I'm sick of being miserable." G. House.
.
Thank you, dear God.
.
Rose,
27-3-2018

___
* From the movie "Spirited Away."

Article 1

$
0
0
"لفّني الوجد وأضناني الهوى
كفراشٍ ليس يدري ما به."
فيروز
.
صباح الخير من نافذة المطبخ :)

Article 0

$
0
0
وسادتان
قماش أصفر
وبيت في المنتصف.
دفء لم يترك الأريكة
ضحك ما زال في الغرفة
وأنا أدور بفنجان شوكولاتة،
اصطاد رائحة أليفة
لأشخاص ارتاحت أجسامهم
في منزلي..
.
ما زلت مبتسمة.
.
26-3-2018

رحلت الحياة نفسها

$
0
0



يقول الناس عنه إنه أبيهم الثاني، أو أبيهم الروحي. أنا لم أعرف في حياتي كلها معنى أن يكون لي أب، فلم أعرف الشعور، لكني أعرف تمامًا ما يتحدثون عنه: هذا رجل أعطانا الحياة نفسها، ثم رحل. أخذ د. أحمد خالد توفيق الحياة معه ورحل. "تركني ع الأرض وراح"كما تقول فيروز عن رفيقها صبحي الجيز، الرجل الحقيقي صاحب القصة الحقيقية في الدفاع عن المساكين، ثم قُتل.


أحادث كل أصدقائي، فجأة أجدهم كلهم يقولون "البقاء لله". لا أصدّق، لا أعود أصدّق. أحادث الصديق الذي أحيط بالموت طوال عمره حتى صار يرفضه، أجده ييقول أيضًا "البقاء لله"فأصدّق، جزء من عقلي يصدق، أن البقاء لله فعلًا وليس لنا، البشر الفانين، ولا كبير على الموت، كما يقول أبو الغيط.

ينقلب تايم لاين الفيس بوك كله، وتمبلر وتويتر، كلهم يرثونه. يقولون "تركت جيلًا كاملًا من اليتامى". كل من هم دون الأربعين يرثونه، كلهم تيتموا فجأة، كلهم انهمروا على مستشفى الدمرداش يسألون عنه، أغلبهم الآن في طنطا للجنازة، والبقية إما لا يستطيعون التحرّك من الصدمة أو لظروف قاهرة، أو يستعدون لحضور العزاء يوم الخميس.

أدخل في حالة من الهدوء النسبي، بعد بكاء عنيف في الحمّام. ألاحظ هدوئي فأنتبه: لم أعد أصدّق. هو موجود، ما زال حيًا في مكان ما، كما يقول درويش.

كل الصفحات ترثيه، كل الناس تتحدث عنه. أحاول النوم وفجأة أجدني أرتعب: منتدى روايات اتقفل! فأكاد أصرخ وحدي في ظلمة الليل أن أعيدوا منتدى روايات. منذ يومين فقط كنت أتحدث عنه لأخي الأصغر، وأقول له في مرارة "محدش بقا فاهم إحنا بنتكلم عن ايه لما نقول منتدى، وروايات"وأصمت. كل من كانوا يرثونه، كلهم، من خارج روايات وداخله، من كل مكان في العالم العربي، وكل العرب الذين تغرّبوا أو نُفوا أو أُبعدوا أو هُددوا بالقتل أو السجن فسافروا.

أحاول النوم مجددًا، آخذ قرصي منوّم فلا أفلح. أرتعب من أننا لم يعد لنا وجود: صرنا جزيئات في الفضاء السايبري، لا ثقل لها. بعد سنوات طويلة من "محاولة العمل على الأرض"وكل من حولنا وما حولنا يؤكدون لنا ألا ثقل لكم والله لا ثقل لكم، ولا لدمائكم وأفكاركم وتضحياتكم وأعزائكم وأبنائكم وأفكاركم، ناموس يا جماعة يتهشّ. الآن، كبيرنا الذي علمنا الحب والحياة والكرامة والتفكير والعزة والسحر، كل السحر، قد مات. الآن لم يعد لنا كبير، كبرنا فجأة وتيتمنا كلنا وصار علينا مواجهة العالم عراة الظهور والبطون وكل شيء، كل شيء.

أحادث طبيب الباطنة لأسأله على مهدّئ قوي، ينقطع الصوت فيعتذر لأنه على باب الدمرداش والشبكة وحشة. أسأله في لهفة "تعرف د. أحمد خالد توفيق؟"فيتساءل باستغراب أنه يعرف الاسم لكن هو في أي تخصص؟ أقول له "لأ، ده بيكتب"يصيح في فزع "بتاع القصص؟ أيوة عارفه عارفه عارفه.. البقاء لله البقاء لله"أعتذر له عن إبلاغه الخبر وإفزاعه. يغلق الخط وهو مرتاع، فأشعر بالمزيد من الذنب.

لم أجد من لا يعرفك. لم أجد شخصًا على درجة من النباهة والجمال والحُسن والوداعة والذكاء واللماحة والطيبة، ولا يعرفك.

لم يؤثر شخص في حياة مئات الآلاف كما فعلت. ولا ديستويفسكي نفسه، ولا حتى محمود درويش. لم ينبّه شخص جيلًا كاملًا لأن يقرأ وسط أمة لا تقرأ، لم يدفعه لأن يفكّر بنفسه وسط شعب يستنكر التفكير أو الخروج عن القطيع، لم يخبره أحد، مثلك، أن الواقعي ليس بالضرورة هو الحقيقة الوحيدة، وأننا نستطيع تغييره لو أردنا، ونأتي بواقع جديد والله العظيم.

لم تنتشلني فقط من الوحدة: طفلة عائدة من الخليج على ثقافة جديدة لا تعرف فيها شيئًا ولا أحدًا، أخفي رواياتك داخل الكتب. تنتبه صديقة العمر، نيفين، لي وتعيرني بصمت تام إحدى رواياتك. تمام جدًا: بدأ الطريق الذي لا عودة منه، ولا أريد.

لم تعطني، فقط، كلمات قوية لأحاجج بها مدّرس التاريخ في ثانوي لأوضّح له أنه على خطأ تام فيصيح في وجهي أن أخرس لأني لا أعرف ما يعرفه، أصيح في تحدٍ "هل قرأت لروجيه الجارودي؟"فلا يتعرف على الاسم أصلًا. جارودي، المعمّر الشاهد على أفعال هتلر والحربين العالميتين في العالم كله، يندر جدًا أن تجد طفلة مصرية دون العشرين قد قرأت له شيئًا. تمام والله، لقد أعطيتني صوتًا.

لم تحكِ، فقط، عن القرى الراضخة تحت الاحتلال الإنجليزي وجعلتنا كلنا نكرهه في ظل دكاترة جامعة يروّجون في محاضراتهم لمحاسنه. لم تحتونا كلنا وقت الانتفاضة الأولى في الألفية الجديدة، وتقول إننا على حق والله، وسط شعب كامل يستنكر التحرك عن مؤخرته ليفعل أي شيء فيه شبهة حرية أو كرامة أو دفاع. لم تحببنا فقط في سيبويه وأبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد، لم تجعلنا فقط نتعاطف مع عبير وعلاء ورفعت إسماعيل.. لقد أعطيتنا الحياة نفسها.

الآن أخذتها معك ورحلت. مكنتش قادر تستنى شوية؟

أحضن الوسادة، أحضن "أسطورة بيت الأشباح"التي ذكرتني في آخرها ونسيت اسمي. أحضن صورتك الخلفية وأقبلها، وأنام.

3-4-2018

ليلية الذكريات. 1

$
0
0
الأعز: د. أحمد

القليوبية، في 11-4-2018

كنت أنوي منذ عدة أيام بدء سلسلة خطابات أعرف جيدًا أنها لن تصلك هذه المرة، لكن الكتابة لطيفة جدًا بالنسبة لي. الحمد لله تجاوزت إحساس السخافة لأن “كل شيء منشور أون لاين” بالنسبة لما أكتبه وأشعر به وآكله وأشربه وأفرغه في الحمام. حاولت تحليل من أين أتى هذا الإحساس فلم أهتدِ، لكنني قررت أنه سخيف وأن الواحد لو أراد الكتابة فليفعل وطز في الباقين.

استيقظت اليوم بغتة. كنت أبكي لصديقي في الحلم فقدانك، وصحوت وقلبي يبكي بشدة لكن عقلي يحاول فهم لماذا تنبّه أو ماذا حدث. طبعًا، ما حدث هو الكارثة الكونية الأكبر منذ التصحّر وجفاف الأنهار: بياعين الروبابيكيا بالميكروفونات. كانوا نحو 300، ينادون في كل مكان وأسفل البلكونة تحديدًا. أفقت وحاولت تهدئة نفسي، لأني لو تركتها للغضب لفسد يومي للأبد، وأنا عندي خطط عظيمة لليوم. رحت أتنفس ببطء ثم اكتشفت أنني عاجزة عن التقاط أنفاسي، هنا نهضت بعنف وتوجهت للحمّام وأخذت أشتم في كل شيء وأكاد أتطلع للسماء وأقول لها “بجد يعني؟”

بعد فترة، وبعد ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وبعد أن تمالكت أعصابي بقوة بالغة بعد أن أزعجني أحدهم بالرن الملحّ على الجرس، أحضرت المرتبة الإسفنجية الخفيفة التي اشتريتها أمس، والأثقال الرملية. قررت أن أتمرن، ولأول مرة منذ بدأت التمرينات بالتزامن مع العلاج الطبيعي، قررت التمرن على الأرض.

تذكرت بسعادة رحلة أمس للمحل الرياضي الكبير في المول الضخم الواقع خارج المدينة وخارج كل المواصلات والخرائط: هذه أول مرة أدخل محلًا رياضيًا وأشعر بالسعادة. أخيرًا تجاوزت الثنائية المريعة بين “رياضة” وبين” أديداس ونايكي” وبقية هذه “البراندات” التي لم أشعر نحوها بالألفة أبدًا. كنا كلما أردنا ابتياع شيء ما رياضي تنصحنا أختنا الكبرى بالذهاب إليهم، وهم، حتى قبل التعويمين وخراب مالطة، كانوا أكبر من تحملنا، فنشعر بالإحباط واليأس المريعين. وبعد الانضمام لأي من صالات الرياضة، يتحوّل الإحباط واليأس لنقمة على النفس والخجل منها، لأن المدربة تريدني دومًا أن أصبح رفيعة جدًا في غضون حصتين، وهناك حالة من السخرية والنقمة تجاه أي من أصحاب الأجسام الطبيعية. باختصار: لم تكن الرياضة صديقتي أبدًا.

استغرق الأمر عطب كل المفاصل المهمة في الجسم ومبالغ طائلة للعلاج الطبيعي، وانهيارًا عصبيًا قويًا للحصول على تلك المبالغ، وأخيرًا: طبيبتين بالغتي الرقة والتعاطف والمهنية، تخبراني ألا بأس وأن كل شيء سيكون على ما يرام، وبشيء من الإصرار وتحمّل الألم والإحباط سأكون “أحسن من الأول” على أن أجعل الرياضة أسلوب حياة يستمر معي للأبد.

أمس دخلت وسألت عن الأثقال الرملية وجربت اثنين منهما واشتريت وزنًا ملائمًا وخرجت.

اليوم، فردت المرتبة الإسفنجية لأنني أقرف من التمدد على الكليم الذي حتمًا بحاجة للغسيل أو على الأقل الكنس، وأنا لا أملك مكنسة وليس بي قوة لغسله ولا أريد التعامل مع أي مغسلة ولا مع أي ابن كلب في هذه المنطقة القذرة التي تستحق الحرق بناسها بعيالها ببائعيها. ربطت الأوزان في ساقيّ وبدأت التمرّن.

كان ثقيلًا في البداية لكنني أحببته. أديت تمارين الساقين والذراعين والرقبة أيضًا، على الرغم من نصح الطبيبة لي بأن آخذ كل مجموعة في يوم منفصل، لكن رقبتي تحتج منذ الأمس وأنا زهقت بقا. شعرت بالسعادة وبأنني على ما يرام فعلًا.

اتجهت للمطبخ لأنني أخيرًا شعرت بالجوع، وأنا على ما يرام طالما ما زلت “أشعر”. قلت سأصنع بيضًا. أحضرت بصلًا وحمّرته في الزبد وزيت الزيتون، ملح وفلفل في البداية ثم خلّ ونقطتي سكّر، لكي “يتكرمل” لأني لا أحب طعمه “حاف”. وضعت الفلفل الأخضر والمشروم وتركته إلى أن ينضج، ثم خلطت البيض بالملح والفلفل وبهارات الدجاج والقليل من النعناع المفروك، في طبق صغير، ثم وضعته على الوجه وغطيت الطاسة وتركته لينضج.

بعد قليل وضعت جبن الموتزاريلا على الوجه ووضعت الطاسة في الفرن، وأخرجت الخبز والجبن والمربى وأنا منبهرة بنفسي: أكاد أصدّق أنني إلهة المطبخ، أو ربة التوابل أو حورية النَفَس الحلو في الطبيخ، أو أيًا مما تسمح به ترجمة “فتافيت”. جهّزت المنضدة وفتحت فيلمًا جيدًا وأخرجت الطاسة -واتلسعت، التعاليم المقدسة للفرن- ووضعتها على المنضدة وجلست لآكل. كان مذهلًا، سأشهد لنفسي بهذا وأنا أحب المديح في نفسي وأفعالي.. كان الأومليت رائعًا، جعلني أحلّق في سموات السعادة وأكملت الفيلم لآخره أيضًا. جرّبت قهوة جديدة اشترتها أختي من إحدى سفرياتها لإفريقيا وكانت رائعة لكن لا غنى عن القهوة التركية من “بنّ شاهين”. طبعًا عانيت من تبعات تناول البصل طوال الأمسية، أسوأ تقلصات أصبت بها منذ أعوام، لكن الحمد لله كان معي دواء لطيف كده تناولت 3 أقراص منه دفعة واحدة وحاولت التلّهي عن الألم بمشاهدة المزيد من الأفلام والمسلسلات.

قبل المغرب قمت ورتبّت غرفة المكتب. أحضرت الكنبة هنا والمكتب هناك وبدّلت منضدة المكتب المعتادة بأخرى جديدة، أصلحت رجلها لأنها كانت أقصر من الأخريات وقد منحتني ساعات من العذاب لا يوصف في بيت أمي ولا أحد يستطيع مساعدتي أو يريد أصلًا. فكّرت أن عليّ مساعدة نفسي بقا لأن كده كفاية. بدّلت الستائر وشميت تراب إلى أن اتعميت فعليًا، وضبّت جزء من المكتبة وأخرجت عقد كتابي الثاني لأني أنوي خراب بيت الناشر، يعني، خرابًا على قدي كده.

أصبت بتعب ساحق وغمر روحي الخواء، مجددًا، فانهدّ حيلي.

تعرف يا عزيزي أن أغلب البنات والستات، حتى النباتات المؤنثة أو السحابات الأنثى، تمرّ بتقلبات هرمونية طوال الشهر، يصاحبها تقلبات مزاجية مريعة. بالنسبة لي، كل وقت من الشهر يحدث به شيء معيّن متعلّق باسم الله عليها الهرمونات، يصاحبه تقلّب مريع في مزاجي لا يمكنني التحكّم به. طبعًا، هناك الكثير جدًا من السيدات يتناولن مضادات الاكتئاب وينعمن بتأثيرها المهدّئ، أي شيء يعينهن على تجاوز ميتين أم المرحلة، لكني أتناولها لأخرب جيبي لا أكثر: لا شيء يعمل مع مخي ابن الجزمة.

هكذا عليّ أن أحاول تجاوز الشهر كله، بالتالي عمري كله تقريبًا، وحدي تمامًا بلا شيء يهدّئ تلك القاطرة الوسخة التي لا تكّف عن الهدير والطقطقة وتنغيص عيشتي. يقولون إن الشوكولاتة تساعد والشوفان والموز وكل الأشياء التي ينصحون بها بنية حسنة لكنني أريد تحطيم رؤوسهم لا أكثر، لأنها بطيخة تمامًا: تشبه المهرج الذي يحضرونه لإضحاك الصغار لكنهم يسيئون معاملته ويرحل من الحفل بكدمات نفسية لن تُمحى.

مزاجي يتغير على مدار اليوم الواحد، يا دكتور. في مرة أخبرت صديقي عن أخي “معلش هو بيهبّط في النص كده ومحتاج يفصل” فقال بعادية “ومين مش بيعمل كده؟ الفصلان علينا حق” فجعلني أنتبه لشيء بديهي تمامًا: لا أحد يعمل بنفس مستوى الطاقة على مدار اليوم، كل يوم! قلة قراءتي المصاحبة لانخفاض مستوى التركيز، والانشغال بالتفاهات، والاكتئاب، ورؤية أمي التي تدور في طاحونة 65 ساعة في اليوم 10 أيام في الأسبوع 600 سنة وراء بعضها، ولا تهدأ ولا تعطينا وقتًا لنهدأ –ثم تلومنا بعدها على ما نسببه لها من تعب!- جعلوني أتصوّر أن هذا هو الطبيعي وما عداه علوقية. ويل، يا عزيزي، أنا أفصل كذا مرة في اليوم. في الحقيقة، لا أتنشط أو أفعل أي شيء سوى مرة أو مرتين في اليوم، لو كنت محظوظة. و"أفعل أي شيء"بداية من التنظيف والطبخ والاهتمام بشؤون المنزل وشراء الطلبات وغسيل الملابس، وانتهاءً بالعمل. أي أن أفعل أي شيء يجعلني أنزع جسمي من الالتصاق المؤثر بالكرسي والمكتب، كأنه قَسَم الولاء للأبد وبعدم الحركة. طبعًا أرقص سعادة لو مسحت الأرض التي تتسخ بمعدلات يصعب تصديقها، أو لو حصلت على بعض الملابس النظيفة على سبيل التغيير، أو لو أرسلت لصديقة أسألها عن أحوالها. يعني هو كسم الاكتئاب والله العظيم.

أعلم أنني سأكون غدًا على ما يرام، وهذا السطر تحديدًا موجّه لشادي لو قرأ هذا الكلام لآخره، لأنه يقلق كثيرًا ولا يقول، فقط يريدني أن أكون على ما يرام. أي مزاج لا يدوم أكثر من يوم أو يومين على الأرجح، وهذه بهدلة لا أستحقها والله لأني بنت ناس يعني ومتربية ولم أفعل أي شيء شرير لأحد. يقلق فقط لو توقفت عن الكتابة: لو أدخلت رأسي لداخل الصدفة وتكوّرت على نفسي، وتوقفت عن إحداث ضجة في كل مكان يمكنني الوصول إليه، سيعرف ساعتها أن هناك شيء ما خطأ.

لكنني لا أصدق، فقط يعني، أن كل شيء سيعود لحالته كما كان قبل الوفاة، يا دكتور. لا أعني مآخذ الحياة العادية، لا أعني العودة للعمل والدراسة والركض وراء الأبناء لتحميمهم وتلبيسهم ومحاولة منعهم من إشعال البوتاجاز، فهذه أشياء ضروري جدًا العودة إليها. ما أقصده هو “الأشياء على الصعيد العاطفي”. لا أصدّق أنني ما زلت أشعر بوحدة طاحنة.

بعد قضائي لإجازة عيد الفصح في منزل أمي، هروبًا من الحارة الوسخة التي أعيش بها حاليًا لأن طبعًا الروائح لن تضمن أبدًا أن أتحكم في أعصابي وألا أشعل النار في الحي كله أو المحافظة كلها. ولما كنت في منزل أمي، طبعًا طبعًا، تكفلوا جميعًا بإشعاري بأكبر قدر ممكن من الوحدة: يعني شيء من التعاطف لن يضرّ أحدًا والله. الوحيد الذي وقف بصفي هو أخي الأصغر، حمادة، الذي تحاميت بثوبه في البداية وجعلته يدافع عني أمامهم، خاصة أختي التي ما زالت تتطلع إليّ كأنها تعتقد اعتقادًا خالصًا لا يداخله شكّ بأنني مجنونة. سكتّ في البداية لأنهم يسمعون منه أفضل مما يسمعون مني، ثم وجدت أنني منهكة جدًا فعلًا وتوقفت عن الحرب. رحلت عن منزل أمي أمس وحمادة مكتئب جدًا، حادثته منذ قليل أسأله عن صحته فقال إنه لم ينم جيدًا لذلك يشعر بالتعاسة ووعدني بأن يكون على ما يرام.

لا عجب أنني أحاول تجاوز الصفير المصاحب لتنفسي وأنا أكتب الآن، خصوصًا وأن هناك كائنات تصرّ على التجوال بمركباتها الفضائية محدثة أكبر قدر ممكن من الضجيج المصاحب للعن أديان أمهات بعضهم.. لا بدّ أنهم آتون جميعًا من خلفيات دينية مختلفة ليتصوّر كل واحد أن دينه أفضل من الآخر لذلك يستحق التعالي عليه وشتم دينه، والدين الذي تتبعه والدته أيضًا كنوع من “زوّد السلاطات واتوّصى.”

مللت من الوحدة ومن الشكوى ومن محاولة استدرار التعاطف. مللت جدًا من الوحدة.

لولا صديقي الذي أرسلت له بأن “قابلني برّة” وانهرت من البكاء أمامه، واستقباله لهذه الدفعة من العواطف بكثير من النبل والإنسانية ومحاولة التخفيف عني، لما استطعت الإكمال حتى الآن. الانهيار واجب علينا وحق عاطفي لا بدّ من ممارسته من وقت لآخر، فقط أمام الناس الصحّ، لأني مللت والله العظيم من اتهام الآخرين لي بالجنون.

مللت من محاولة شرح نفسي، أنا مخطئة دومًا في نظر أسرتي. أقسم أنني في المرة القادمة التي تتهمني فيها أمي بالتقصير أو تحاول إشعاري بالذنب كي “أرجع البيت بقا” سأنفجر في وجهها، انفجارًا حقيقيًا سيحاولون بعدها لملمة الأشلاء كي يستطيعوا النوم في نفس الغرفة. وضعت كل أرقام أبي في قائمة “الرفض التلقائي” إلى أن تهدأ أعصابي، ولن أردّ على أي رقم لا أعرف صاحبه. والآن، سأحاول ممارسة حياتي العادية بأقصى قدر ممكن من التهذيب وضبط النفس.

كن بخير يا سيّدي أينما كنت، واعلم أنني ما زلت أحبّك والله العظيم.

سلامي للأحبّة فوق، ولربنا، وأخبره بأنني ما زلت زعلانة عادي يعني.

روز

11-4-2018

ربّة التوابل الثلاثينية

$
0
0

منذ انتقلت لبيتي الجديد، أو منذ بدأت أحاول الإبداع في المطبخ، وأنا غارقة في حبّ نفسي.
أخرج الطاسة من الفرن وأجد الجبن قد ذاب على السطح واحمرّ وجهه، فيسيح قلبي ويتدلدق على الأرض. لا أكاد أطيق صبرًا حتى أصل لطاولة اللاب توب، التي أزيح من عليها الكيبورد الإضافية وأضع الطاسة، ثم أحشر السماعات في أذني كي تفصلني عن "العالم العوَء"التي بالخارج، وأشغّل فيلمًا جميلًا بالضرورة، وأنهمك في الأكل.
أحيانًا أنفصل حتى عن الفيلم، لا أتابع المشاهد ولا أسمع ما يقولون، ما أجهد الممثلون والمخرج والمخرج المساعد والماكيير أنفسهم في التدريب لشهور طويلة كي يخرج لنا بهذه الصورة: أنا الآن غارقة تمامًا في تحليل امتزاج الجبن غير المالح، بالطماطم والفلفل غير الناضجين إطلاقًا، ورشة من الليمون المعصور مع نعناع طازج جدًا قطفته حالًا من بلكونتي. أذوب في حبّ نفسي وأكاد أبني لها معبدًا تُقدّم فيه قرابين من ثمرات الليمون المصفّرة وزرعات ريحان صغيرة وأرز بسمتي منثور حول الجميع كنوع من جلب البركة.
.
اليوم، وبعد قضاء ساعات عصيبة في حلّ أزمة ما طرأت فجأة، ولم أصل بعد لحلّ نهائي فيها، ذهبت للمطبخ ووضعت قبضتي في وسطي. تطلعت حولي، وقررت إضافة التفاح الناضج للبيتزا المرتجلة التي اعتدت صنعها في الأسابيع القليلة الماضية كنوع من الترفيه عن نفسي ومكافأتها. تأتي لي مؤخرًا ومضات سريعة من الفخر: يعني أنا أحارب الاكتئاب والإفلاس وما زلت أقف ورأسي فوق المياه، أستحق القليل من الابتهاج يعني، ولا إيه؟
قشّرت التفاح وقطعته إلى مكعبات، وقاومت بشدة رشّ الزيت المغلي المخلوط بالقطران والريش وماء النار فوق الغيلان التي تتصارع أسفل شباك المطبخ، بحجة أنهم يلعبون. وضعت التفاح الذي كان ناضجًا جدًا لدرجة مخجلة، لدرجة تغري بالتهامه كله "هكذا"بلا أي إضافات ثم المعاناة من ألم القولون بعدها، في الطاسة التيفال الحبيبة، وأضفت ملعقة صغيرة من الزبد الذي تذكرت أمس الحمد لله أن أشتري قالبًا جديدًا منه لأن ما عندي أوشك على النفاد. رششت فوق قطع التفاح شيئًا يسيرًا من الملح، وبعض القرفة متجاهلة النسخة المصغّرة من طبيب الحساسية، التي تقبع بداخلي، والذي كان يصرخ محذرًا من مغبّة تناول القرفة. -حلوة "مغبّة"دي، وحلو برضه الصفير اللي عمال يخزوق صدري حالًا-
قلّبت التفاح على النار حتى أصبح ذهبيًا، ثم وضعته في طبق. في الطاسة وضعت قطعًا مدوّرة من الخبز الباجيت الذي اشتريته أول الأسبوع وجلست أشمّ في رائحته المغوية بشدة طوال رحلة العودة من السوبرماركت. تركته يتحمّر قليلًا في الزبد أيضًا، أضفت الطماطم والفلفل المقطعة، والتفاح وشيئًا من الملح. 
على الوجه، نثرت وريقات ريحان شبه طازج اشتريته أمس، ووضعت قطعتين أخيرتين من الجبن الأصفر بالشطة، الذي استسلمت لضعفي أمامه وتخلّيت عن منشفة وجه من نوع فاخر في مقابل المحافظة على ما تبقى من ميزانيتي، فليسامحني الله. وفوق هذا كله: رششت شيئًا يسيرًا من جبن الموتزاريلا، كنوع من إرضاء أخير للنكهة.
 عندما خرجت الطاسة من الفرن، عصرت عليها بعضًا من الليمون "الإيطالي"الكبير، ليمون الفيمينيلو الجميل، الآتي من ساحل الأمالفي في جنوب إيطاليا، أو ما يُعرف اصطلاحًا باسم "لمون الأضاليا". كنت أراه دومًا في السوبرماركت الأليف الذي أتسوّق من عنده، وأخشى شراءه لأسباب غير معروفة، لكني هذه المرة اشتريت واحدة على سبيل التجريب. لي معه ذكريات حلوة، لا أعرف ما هي لأن الذاكرة مخروبة بالفعل، لكن عندما جرّبته ثانية، أنعشت خلاياي العصبية وجعلتها تقفز سعادة.. هذا ليموني المفضّل منذ الآن، وسأحاول تصليح أسناني التي لا تطيق اللاذع من النكهات.
.
عندما انتهيت من هذه الجريمة المتكاملة الأركان، وأتيت على محتويات الطاسة لآخرها، كنت أبتسم بشيء من البلاهة السعيدة. أعرف أن العالم مليء بحروب وصراعات ونزاعات مسلّحة، وأن عالمي أنا مليء بالمطبّات والتوقفات غير المحسوبة، لكن، لنصف الساعة تلك، لثلاثين دقيقة فقط، نسيت كل شيء عن كل شيء، حتى عن المسلسل الذي يتحدثون فيه بسرعة أمامي ويأكلون البيتزا ويتجادلون أي جامعة يلتحقون بها. الصمت التام، السعادة.
.
بعد قليل نهضت لأصنع كوبًا من الشوكولاتة الساخنة. نعم نعم، اسمها "الشوكولاتة الساخنة"وليس "كاكاو باللبن"، لأني لا أضيف أي بودرة كاكاو.
أضع في الإناء الاستانليس اللبن، ثلاثة أرباعه أو أكثر، وقليلًا جدًا من الماء. أستخدم اللبن كامل الدسم، لأن أي شيء غير ذلك هو جرم لا يمكن السكوت عليه، كما تزعق نايجيلا لوسون. أضيف شيئًا بسيطًا جدًا من الملح، وربع ملعقة صغيرة سكّر، لأني منذ 4 أعوام بدأت سياسة تقليل السكّر في كل شيء، وكل مشروباتي من دونه إلا القهوة طبعًا. أستعين بملعقة خشبية صغيرة، عندما رآها صديقي ضحك جدًا وأسماها "الأقزام السبعة" :))، أضع بطرفها ذرات قليلة من الفلفل الأحمر الحارّ، لأنه يُحدث في رأسي انبهارًا يشبه الانبساط الذي ظهر على وجه جودي دينش في فيلم "شوكولا"حينما ذاقت فنجان الشوكولاتة الساخنة أول مرة. 
وبعد ذلك أفتح ورقة فانيليا وأضيفها كلها في أناقة، فما دمت لا أملك فانيليا سائلة لا داعي لتبكيت نفسي: الورقة الجاهزة تكفي وزيادة. في النهاية، لمسة المايسترو، اللمسة التي توصلّت إليها بعد عدة تجارب: مكعب ونصف من الشوكولاتة الخام، ماركة "دريم".
جرّبت ماركات كثيرة، من الشوكولاتة الخام ومن بودرة الكاكاو. طبعًا، بعد التعديلات الاقتصادية الأخيرة، أصبح من المستحيل الحصول على كاكاو هيرشيز مثلًا، ومن غير المجدي صناعة الأكواب الدافئة من شوكولاتة كادبوري بالمكسرات، مثلًا، علاوة على إن طعمها غير مستحب بالمرة. لكن "دريم"لم تخيّب ظني حتى الآن.
.
أقلّب المزيج على نار هادئة بنفس الملعقة الخشبية التي أصبحت أتفاءل بها. منذ زمن طويل أحب الخشب وأصبحت مرتبطة بكل ما يتعلق به: شكله وتفريعاته وألوانه وتداخلاته. أحب الشجّر وفروعه وملمسه، وحلم حياتي أن أمتلك مالًا كافيًا لابتياع أكبر قدر ممكن من أدوات المطبخ والأطباق والملاعق وحتى الأكواب، المصنوعة من الخشب.
ينتهي التحضير بالامتزاج الكامل، ولا أترك اللبن يغلي. أقرر في هذه المرة صبّ المشروب السحري في كوب زجاجي، بدلًا من القدَح الفخاري الذي اعتدت الشرب فيه. عندي كوبان زجاجيان اشتريتهما من محل أنيق، في فترة التخفيضات. لهما نفس التصميم: رفيع قليلًا من أولهما وآخرهما، ومملتئ في المنتصف. أحببته حينما رأيته في المحل، لأنه يعد بالكثير من العصير المروي، أو الماء المشبع، ووعدت نفسي بشراء المزيد في وقت لاحق.
اليوم، صببت الشوكولاتة الساخنة في أحدهما، لأني تخيلته سيدة مرتاحة في جسمها: ممتلئة نعم، لكنها ترتدي فستانًا مريحًا، واسعًا جدًا وأصفر اللون، وبقدميها صندلًا مرتفع عن الأرض كيلا يصيبها تراب الشارع بما يعكّر مزاجها، فاليوم هي في موعد مهم جدًا مع أروع كوب شوكولاتة في الكون.
.
الآن، وبعد انتهاء العشاء والتحلية، يكبس النوم على أجفاني تمامًا. أتمنى لو يستمر الصمت الموجود بالخارج لأطول فترة ممكنة، وألا يتذكر أحد الساقطين من العصر الحجري، والمقيمين بأسفل، أنه بحاجة لشجار عاجل الآن وإلا ستلتهم الديناصورات حلقه. لكن، بشكل عام: أنا متصالحة مع الكون.
.
قد يبدو من الخيانة أن أتحدث عن مسرّات الحياة بينما ما زال قلبي لا يصدّق خبر رحيل د. أحمد، لكنني التجأت للإنكار: هذا لم يحدث، بداخلي هو ما زال حيًا. هكذا، ربما، أستطيع المواصلة.
.
تصبحون على خير :)
17-4-2018
12:17 صباحًا
Viewing all 362 articles
Browse latest View live