على فكرة يا حسين، أنا لو كنت جارتك مثلًا أو شفتك في الحياة العادية مكنتش ح أبص لك مرتين.. إنت على السطح كده شخصية مقرفة ونكدية ولسانها طويل!
بس لو كنت عرفتك أكتر، زي ما سيف حفيد نادرة -نونّتك زي ما بتتريق!- عرفك كده، كان يمكن أحبك جدًا لدرجة إني أمسك لك شعرك وإنت بتتقايا، أو لو شعرك قصير عادي يعني كان ممكن أمسك لك المنديل اللي تمسح بيه بقك. كان ممكن عادي برضه زي ما سيف عمل، أسيبك تنام على سريري اللي هو كان سريرك في أوضتك اللي فوق، قبل ما تتعب من السلالم وتنزل تقعد في الدور اللي تحت. سيف اتخض لما لقاك نمت فجأة على السرير، ونام هو على الأرض.
أنا فكرت يا حسين إني أنزل أنام على الكنبة، ضهري واجعني مش حِمل أرض أنا. بس فكرت ليه سيف عمل كده؟ وقلت أكيد هو اتخض عليك، وقال أما ينام في نفس الأوضة يمكن تحتاج حاجة أو يقدر يعمل لك حاجة. بس إنتا جِلف عادي وقمت وسبته ومشيت.
يا حسين سيف محظوظ إنه شافك بتلعب عود. أنا بحب المقطوعة اللي بتعزفها فشخ، وشكلك حلو جدًا، حلو لدرجة الوَلَه بيك كده، وإنتا بتعزف على العود.
العود يا حسين..
تعالى أحكي لك حكاية:
أنا شغوفة بالعود من زمان، لحد ما في مرة قررت أتعلمه. أخدت قرار مجنون جدًا إني أنزل أتعلمه. ليه مجنون يا حسين؟ لأن أهلي المتشددين دينيًا شايفين تعلم المزيكا حرام، ومكنتش باشتغل ساعتها ومعيش فلوس كفاية.
نزلت أشتري عود من المكان الوحيد اللي أعرفه: خان الخليلي.
طبعًا اتضحك عليا واتنصب عليا وكل حاجة. كنا في 2010، وعندي 23 سنة بس، بس معيار النضج العقلي 15 سنة مثلًا! فكان عادي يتنصب عليا.
رحت الساقية -المكان الوحيد اللي أعرفه برضه- وسألت على دروس تعليم العود. كان مين بقا اللي بيعلم ساعتها؟ أيوة، برافو عليك: نفس المدرّب اللي درّب خالد أبو النجا في الفيلم: بلال الشيخ.
الحصص مكانتش غالية، بس اللي قطم ضهري حاجتين: المواصلات بنت الوسخة من مصر الجديدة للزمالك، وتجهّم المدرب وعصبيته.
كان عصبي جدًا معايا، خصوصًا إني جيت متأخر وهو حاطط كل الناس مع بعض: المبتدئين مع النص نص مع المحترفين. وأنا بخجلي الاجتماعي حسيت شكلي زبالة وأنا بحاول أحفظ السلم الموسيقي اللي أول مرة أشوفه في حياتي -تحياتي لميس الموسيقى في إعدادي اللي كانت بتهملنا كلنا وتمسك بنتين بس تحفظهم المزيكا اللي بيطلع عليها الطابور في الصبح.
بس جه الجزء الأصعب من ده كله: التمرين.
عشان أحفظ مكان الأوتار، وتعلم العود صعب فشخ يعني، وأحفظ السلم الموسيقي، كان لازم أتدرب في البيت، وزي ما قلت لك البيت مكان منغلق وبيئة متشددة ومكنتش باعرف أتدرب. قلت أروح الساقية بدري شوية أتدرب هناك بس مكانش بينفع طبعًا، طول عمري متأخرة على كل حاجة تقريبًا.
لما شخط فيا المدرب إن العود اللي جايباه ده للزينة مش للتدريب، وقال لي أنزل شارع محمد علي أشتري من هناك، اتخضيت جدًا جوايا لأني معرفش شارع محمد علي فين ولا أنزله لوحدي إزاي! مكانش فيه ساعتها جوجل مابس ولا كريم ولا أوبر ولا خدمة إنجزلي ولا مشاوير ولا أيييييييي حاجة.
رحت ودوّرت وحرصت إن الزمان يكون صبح، لقيت عود كويس ومش غالي، بس صاحب المحل اتحرش بيا فكريًا، يعني "فرض"عليا أفكاره اللي بتخالف أفكاري وما رديتش عليه ولا شخطت فيه ولا أي حاجة.
العود اللي اشتريته وحاسة بمرارة عظمى من الموقف، ومن إني بطلت أروح الساقية وبطلت أتدرب أو أسعى للتعلم، قابع في قلب الدولاب مستخبي ورا الهدوم الكتيرة فشخ، وزمان أوتاره دابت وارتخت واتنيلت بنيلة.
...
أنا آسفة يا حسين والله على النكد، مكنتش أعرف إن الحكاية ح تقلب نكد كده، بس أنا يعني حبيت أقولك إني منجذبة جدًا ناحية أي حد بيعرف يعزف على العود وميكونش متكبر ولا أي حاجة. في أي حفلة رحتها -وهما قليلين فشخ- كنت أسيب الناس كلها وأركز مع العوّاد جدًا لدرجة إني ممكن أعيط عادي في أغنية مبهجة، ما عدا حفلة "فرقة الشارع"اللي ركزت فيها تمامًا مع عازف البيانو "يوسف الشريعي"لأن أخويا الصغير كان قاعد معايا وكان مبهور بيه فشخ، وأنا اللي أصريت إنه يروح يسلّم عليه بما إنه كان مكسوف وكده.
...
دلوأتي يا حسين فيه مشكلة سخيفة جدًا وتقريبًا ملهاش حل في أوتار إيديا الاتنين خصوصًا اليمين، ما بعرفش أحركها كويس ولا أشيل أي حاجة تقيلة، وفي أيام كده مبعرفش أشتغل خالص كون إن شغلي على الكيبورد تحديدًا. مش ح أعرف بقا أمسك الريشة وألوي معصمي عشان أجيب الدو أو الري أو الصول. بس لسه بحب العود جدًا، ولما بلاقي له فيديو أو حفلة في التلفزيون لازم أتنح قدامه مهما كانت دوشة الآلات التانية مغطية على صوته.
...
أفتكر في حفلة ما مش فاكرة عنها أي تفاصيل، إن العوّاد كان شاب صغير ولابس إسود في إسود، وأنا كنت قاعدة قدام، قبل ما تتشهر الساقية وتبقى حفلاتها غالية ودوشة ومش منظمة كده. فضلت مركزة معاه وهو بيعزف بتركيز فشيخ وباصص للعود، وبعدين رفع راسه وبص لي. فضلنا باصين لبعض كتير جدًا وهو شبه مبتسم ولسه بيعزف، وأنا صوت ضربات قلبي عِلي جدًا لدرجة إن الناس في الشارع عملت مظاهرة للمطالبة بإيقاف الإزعاج، وخلصت الحفلة وكان نفسي أسلّم عليه بس كالعادة كتمت أمنيتي وروّحت.
...
"عايزين تسمعوا حاجة عِدلة؟"
على بلد المحبوب ودّيني.. يا حسين :))
https://soundcloud.com/azizcloud/villa69